السعودية – سوريا: نهاية قطيعة… بداية توازن
أعلنت السعودية، رسمياً، العمل على إعادة علاقتها مع سوريا عن طريق تفعيل الخدمات القنصلية، وهو ما يُتوقّع أن يَدخل حيّز التنفيذ مع حلول عيد الفطر في شهر نيسان المقبل، ليُطوى بذلك أكثر من عقْد من القطيعة بين البلدَين اللذَين لطالما فرضت علاقتهما توازناً إقليمياً انعكس في مراحل عديدة على دول أخرى، أبرزها لبنان الذي يعيش في الوقت الحالي فراغاً رئاسياً. وعلى الرغم من حصْر الإعلان السعودي عن استعادة العلاقات بالخدمات القنصلية، فهو يأتي بعد جولات عديدة من المباحثات، سواء الأمنية المباشرة بين البلدَين، أو السياسية التي بدأت عام 2019 عبر مبادرة روسية انضمت إليها لاحقاً سلطنة عمان والإمارات، بينما زاد زخمَها التوافق السعودي – الإيراني، والذي وصفه الرئيس السوري، بشار الأسد، خلال لقاء مصوَّر أثناء زيارته لموسكو، قبل نحو عشرة أيام، بأنه «مفاجأة سارّة».
على أن الأسد الذي نوّه إلى أن السعودية ابتعدت منذ سنوات عن التدخّل في الشؤون الداخلية السورية و«لم تدعم أيّاً من الفصائل»، وفق تعبيره، استبعد عودة سوريا إلى «جامعة الدول العربية» في وضعها الحالي، في إشارة إلى ما يتردّد عن دعوة سعودية منتظَرة لدمشق للمشاركة في قمّة الرياض المقبلة، معتبراً أن العلاقات الثنائية أكثر أهمّية بالنسبة إلى بلاده. ولا يُعتبر الموقف السعودي، على رغم تأخّره، مفاجئاً؛ إذ أبدت الرياض مرونة متزايدة تجاه دمشق خلال العامَين الماضيَين، تَعزّزت خلال الأسابيع الفائتة مع إعلان المملكة وجود توافُق عربي على ضرورة التواصل مع سوريا. وعبّر عن ذلك وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، الذي يُتوقّع أن يزور دمشق خلال الأسابيع القليلة المقبلة، بالقول: «الإجماع يتزايد في العالم العربي على أن عزل سوريا لا يجدي، وأن الحوار مع دمشق ضروري، وخاصة لمعالجة الوضع الإنساني هناك (…) هناك توافق في الآراء في العالم العربي، الوضع الراهن لا يمكن أن يستمرّ. وهذا يعني أنه يتعيّن علينا إيجاد سبيل لتجاوزه».
ويأتي توقيت إعادة تفعيل الخدمات القنصلية في البلدَين، ليفتح الباب أمام ملفّ الحج الشائك، والذي استعملته السعودية خلال السنوات الماضية كأداة ضغط سياسية، بعد تسليمها إيّاه لـ«الائتلاف السوري» المُعارض، الأمر الذي حرم آلاف السوريين من الحج، وأجبر كثيرين على السفر إلى العراق أو تركيا أو لبنان بحثاً عن طريق لأداء الفريضة. وكان «الائتلاف»، الذي ينشط من تركيا، أعلن أن المملكة حدّدت حصة سوريا هذا العام بـ22500 حاج، واضعاً عبر «لجنة الحج» التي قام بتأسيسها بعد تسليمه الملفّ، آلية لتسجيل الطلبات، علماً أن الحج يُعتبر أحد أبرز مصادر دخْل التشكيل المُعارض، حيث تتجاوز تكاليفه لكلّ شخص 8 آلاف دولار، على الرغم من حديث «الائتلاف» عن أن متوسّط تكاليفه بلغ العام الماضي حوالي 4500 دولار. وأيّاً يكن، فإن مسألة الحج تبدو اليوم مفتوحة على ثلاثة احتمالات: إمّا سحْبها من يد المعارضة وإعادتها إلى وضعها الطبيعي عبر وزارة الأوقاف السورية؛ أو تأجيل هذه الخطوة إلى العام المقبل منعاً لحدوث التباسات؛ أو إيجاد آلية تَفتح باب أداء الفريضة أمام السوريين الآتين من دمشق جزئياً في العام الجاري، على أن تتمّ إعادة كامل الملفّ إلى دمشق العام المقبل.
وفي المجمل، تُعتبر الالتفاتة السعودية خطوة جديدة على طريق كسْر حالة الجمود العربي حيال سوريا، لتنضمّ الرياض بذلك إلى ركْب العواصم التي استعادت علاقاتها مع دمشق، ومن بينها: أبو ظبي ومسقط والجزائر وتونس وبغداد والمنامة وعمّان والقاهرة. وفي المقابل، تتابع الولايات المتحدة حملة التصعيد السياسي ضدّ الحكومة السورية، في محاولة لإعاقة هذا الانفتاح عبر جميع الوسائل المتاحة، وهو ما عبّر عنه وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، خلال جلسة استماع في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب أوّل من أمس، حيث أكد أنه بعث بشكل شخصي برسائل عبر الأقنية الرسمية إلى الدول التي تعمل للتطبيع مع سوريا، وتحديداً الإمارات والبحرين والجزائر وعمان ومصر، من أجل إبلاغها الموقف الأميركي الرافض لذلك. وجاء إعلان بلينكن في وقت طالب فيه أربعة مسؤولين عن العلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي، عبر رسالتَين تمّ توجيههما إلى وزيرَي الخارجية والخزانة الأميركيَّين، بالتشدّد في تطبيق «قانون قيصر»، الذي يتيح فرْض عقوبات على أيّ كيانات تتواصل مع دمشق.
بالتوازي مع ذلك، استضافت العاصمة الأردنية عمّان اجتماعاً ضمّ ممثّلين عن 12 دولة عربية وغربية، أبرزها الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا والسعودية وقطر والعراق والأردن والإمارات وتركيا، بالإضافة إلى ممثّلين عن «الجامعة العربية» والمفوضية الأوروبية والأمم المتحدة، لمناقشة الملفّ السوري. ويتبنّى الأردن مبادرة لحلّ الأزمة السورية منذ ثلاث سنوات، تقوم على ضرورة تغيير استراتيجية الحلّ السياسي في ظلّ استعصاء الأزمة، وفشل محاولات إسقاط نظام الحُكم في سوريا، الأمر الذي يجعل التواصل مع دمشق أمراً لا بدّ منه. وتدعو المبادرة إلى خطوات دقيقة، تُقابلها إجراءات سياسية تحاول عمّان استخلاصها وتحديدها، وهو ما أعلنت دمشق دعمها له، غير أن هذا الاجتماع لم يَخرج بأيّ جديد، بل تضمّن بيانه الختامي كلمات فضفاضة ومكرَّرة عن اجتماعات سابقة مشابهة، من بينها «تجديد الدعوة إلى وقف إطلاق نار على مستوى البلاد، وإلى وصول المساعدات الإنسانية بصورة مستمرّة ومن دون عراقيل إلى جميع السوريين من خلال كلّ السبل، بما في ذلك عبر الحدود وعبر الخطوط»، و«دعم قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2254».
أمّا المستجدّ الوحيد الذي يمكن تسجيله في الاجتماع، فهو مناقشة آثار الزلزال المدمّر الذي ضرب تركيا وسوريا، حيث رحّب المشاركون بموافقة دمشق على فتح معبرَين إضافيَّيْن عبر الحدود (باب السلامة والراعي) لإيصال المساعدات إلى الشمال السوري، ودعوا المجتمع الدولي إلى توفير المساعدات الإنسانية، بما في ذلك من خلال الاستجابة الطارئة ومشاريع التعافي المبكر لكلّ السوريين المحتاجين. كما رحّبوا بالنتائج التي حقّقها «مؤتمر المانحين» الذي عُقد في بروكسل الأسبوع الماضي لجمع التبرّعات لتركيا وسوريا، والذي استهجنت دمشق لأْمه من دون أيّ تمثيل حكومي سوري، واستبعاد المنظّمات التي تعمل في مناطق سيطرة الحكومة السورية وعلى رأسها «الهلال الأحمر السوري» منه. والجدير ذكره، هنا، أنه من المقرّر أن يتمّ استكمال النقاش في الشقّ الإنساني خلال مؤتمر بروكسل السنوي السابع، والذي سيُعقد في الخامس عشر من شهر حزيران المقبل.
علاء حلبي- الأخبار
إضافة تعليق جديد