هل رفعت الامم المتحدة “الفيتو” عن لقاء الاسد؟
علي الزعتري:
إلتقى الرئيس السوري هذا الأسبوع وكيلَ الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مرتين خلال شهر، وكما نعلم فأن بروتوكول لقاء قادة الدول يتبع نظاماً صارماً فيهِ تقديرٌ سياسي و استخباري أمني وإعلامي و عملي، فما بالك بالرئيس بشار الأسد الذي يقود سوريا في معركةِ وجود منذ اثني عشرة عاماً؟ هذا من الجهة السورية. من جانب الأمم المتحدة فإن لقاء الرئيس الأسد يتطلب موافقةَ الأمين العام و مستشاريه، فالأمين العام لا يقبلُ لليوم أن يلتقي الرئيس الأسد و لم يكن و مستشاريهِ على استعدادٍ حتى للتفكير بالاتصال معهُ و لو عن بُعدْ. لذلك فإن “زلزالاً” حصلَ حرفياً و سياسياً على ما يبدو ليسمح للأمم المتحدة أن تلتقي بعد الزلزال الطبيعي بالرئيسِ السوري و كان ذلك على مستوي مدراء منظمة الصحة العالمية و الشؤون الإنسانية ومفوضية اللاجئين. مثيرٌ أن جنسياتِ الثلاثة هي الإثيوبية والبريطانية والإيطالية. يبقى من المنظمات الرائدة في العمل الإنساني الغذاء و الطفولة و مديريها من الجنسية الأمريكية و هما لم يقابلا الرئيس بعد. مع اهتمام التحليل عن إبعادِ الجنسية عن اللقاء و الوظيفة، ينبغي أن نتذكر أن المراكز العًليا في الأمم المتحدة هي بترتيبٍ تحاصصي بين الدول، بمعنى أنه سياسي النكهة. لذلك لا يخرج صاحب المركز طويلاً و كثيراً خارج العباءة الوطنية.
لم يكن يُعجِبُ الكثير لقاءاتنا مع المسؤولين السوريين خاصةً مع الوزراء و ذلك في فترةِ عملي هناك. بل كان الوسم الذي وُسِمَ بهِ من كان يعمل في الأمم المتحدة مُتخذاً من دمشق مقراً هو “الموالاة للنظام” و كان هذا الوصف الجائر ينتشر بين قوى المعارضة و المنظمات غير الحكومية السورية و الأجنبية العاملة من خارج سوريا لداخلها في أراضي لا تخضعَ للحكومة السورية. كما كان شيئاً “مفهوماً” لدى المانحين، بل لدى عديد مسؤولي الأمم المتحدة ذاتهم الذين ابتعثونا لنعمل في سوريا. بل كان كل ما يصدر من مسؤولٍ سوري لنا أثناء تلك اللقاءات في نظر المشككين هو من قبيل الخدعة و التملص من الواجب الإنساني، و كذباً. و كان الصراع شرساً أن نثبتَ حيادنا و ندرأ التهمة و نؤدي عملنا. هذا العمل الذي لم يكن ليكون من غير نقاشٍ مع الحكومة السورية. النقاش الذي أراده كثيرُ الخارج أن يكون إملاءً على الحكومة يرقى للوصاية. والعجيب أن الأمم المتحدة أمْلَتْ رؤيتها التنموية لسوريا عبرَ وثيقةٍ ربطت التنمية بالحل السياسي و اشترطت موافقات مسبقة قبل أن تقوم منظمات الأمم المتحدة بأي عمل يمكن أن يُفَسَّرَ أنه تنموي أو إعماري. مما دفعني لسؤالٍ عصيبٍ إن كانت سوريا باتت تحت الوصاية أم أن الأمم المتحدة لا تزال تعترف بسيادتها؟ أغلبَ الظن أن هذا السؤال استثارَ من كان يريد من ممثلِّهِ في دمشق أن يكون صدىً لا رأي له، بل ظِلاًّ باهتاً.
لم تُحلَّ مسألةَ الإعمار و دور الأمم المتحدة بها لكنني لا أُعَوِّلُ كثيراً على دورٍ للأمم المتحدة في الإعمار إن أتى من باب الإملاء كنتيجةٍ لوصايةٍ. و لهُ وقتهُ في التحليل. لكن الاهتمام اليوم في الأمم المتحدة لا يزال في الجوانب الإنسانية و أهمية تمديد فتح المعابر مع تركيا و انسياب المعونات الإنسانية. من جانبهِ يريدُ وكيل الأمين العام الذي قابل الرئيس السوري مرتين أن يأخذ من سوريا عهداً. و سوريا لها ما تقول حول المعونات و الحصار و إعادة الإعمار، و عندها في الجعبة تفاهماً مع تركيا و آخر مع العرب، حين إن تَمَّا لو تَمَّا سيجعلان من أدوار الأمم المتحدة هامشيةً خلا موضوع اللاجئين، و ستُعيدَ أدوار المنظماتِ من جهودٍ إنسانية لجهودٍ تنموية على قدرِ ما تستطيع.
المثيرُ هو هذه الاستدارة الأممية التي باتت تطلب لقاءاتٍ على هذا المستوى و تُعطاها، و تطلبَ تعهداتٍ كانت تصفها بالمراوغة و الكاذبة. لم يبقَ إلا مسؤولي الأمم المتحدة السياسيين و الأمين العام ليلتقوا مع سوريا على هذا المستوى و إن كانَ، لربما نستنتج أن هناك من هو أَفٌعَلَ من تركيا يريدُ حواراً مع سوريا!
عِشْ تَرَ. لكنني سعيدٌ أن يُبَرْهنِ الزمان صِحَّةَ ما قلتهُ للجميع، أن الحوار مع سوريا ضرورةٌ على كل مستوى و أنه بالحوارِ نجني تعاوناً إنسانياً من سوريا و أن من عَمِلَ بدمشق لم يكن لا موالياً و لا معارضاً بل محايداً و مع الإنسان السوري. و سبحانَ مُغَيِّر الأحوال.
رأي اليوم
إضافة تعليق جديد