التطبيع السوري – التركي: خريطة الطريق قيد الإعداد
علاء حلبي:
بينما تتابع الدول الأربع المنخرطة في «مسار أستانا» (سوريا وتركيا وإيران وروسيا) العمل على إعداد مسوّدة لخريطة طريق تفتح الباب أمام تطبيع سوري – تركي من شأنه إعادة ترتيب الميدان السوري وطَيّ صفحات شائكة، في حال المضيّ به، تستضيف بروكسل النسخة السابعة من «اجتماع المانحين». وبالتوازي، تتابع الرياض عملها على المبادرة العربية للحلّ السياسي في سوريا، والذي لا يزال يجابَه برفض واشنطن التي تمضي في تحصين وجودها غير الشرعي في هذا البلد، ومضاعفة الضغوط الاقتصادية والسياسية لمنع أيّ انفراجة لا تمرّ عبرها.
وفي إطار مبادرة طهران من داخل «الرباعية» للتطبيع بين دمشق وأنقرة، زار معاون وزير الخارجية الإيرانية للشؤون الخاصة، علي أصغر خاجي، سوريا، حيث التقى الرئيس السوري، بشار الأسد. وإذ جدّد الأسد التشديد على أن يفضي مسار التطبيع إلى خروج القوات التركية غير الشرعية من الأراضي السورية، أعاد تأكيد مرونة هذا الموقف من الناحية التكتيكية. وفي السياق، تبرز ضرورة وجود جدول زمني واضح ضمن خريطة الطريق التي يُعمل على إعدادها، وفق اتفاق سابق على مستوى وزراء الخارجية في إطار «الرباعية»، أُحيل إلى عهدة الجهات الأمنية والعسكرية في سوريا وتركيا. وتشير التوقعات إلى أن نواب وزراء الخارجية الأربعة سيعقدون اجتماعاً يتناول الجدول الزمني المُشار إليه، على هامش اجتماع «أستانا» المقرّر يومَي الثلاثاء والأربعاء المقبلَين.
وبالتزامن مع اقتراب موعد هذا الاجتماع، يشهد الميدان السوري تسخيناً متواصلاً على جبهة إدلب، والتي تمثّل العقدة الأولى الأبرز على طريق التطبيع بين دمشق وأنقرة. وبحسب ما كان تسرّب من خريطة الطريق، فهي ترتكز على خطوات عديدة تبدأ بالعمل على فتح طرق الترانزيت عبر سوريا، ما يتطلّب فتح معبر باب الهوى في إدلب الذي تسيطر عليه «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة). كما تقتضي فتح طريق حلب ـــ اللاذقية، الذي تسيطر على جزء منه «هيئة تحرير الشام»، بعد امتناع أنقرة عن فتحه طيلة السنوات الثلاث الماضية، وتجاهلها اتفاقاً يقضي بإبعاد المسلحين مسافة 6 كيلومترات عن جانبه.
إلى ذلك، تستضيف بروكسل، اليوم، النسخة السابعة من «مؤتمر المانحين» الذي يمتدّ إلى الغد، بعد أقلّ من ثلاثة أشهر على استضافتها اجتماعاً خاصاً للمانحين إثر وقوع الزلزال المدمّر في سوريا وتركيا. ويتناول اجتماع «المانحين»، الذي يسبق اجتماع «أستانا» واجتماع مجلس الأمن الذي يُعقد مطلع الشهر المقبل لتحديد مصير المساعدات العابرة للحدود، عدّة ملفات، من بينها مشاريع التعافي المبكر التي تُعتبر جزءاً من قرار مجلس الأمن 2642، الذي يسمح بتمرير مساعدات عبر معبر باب الهوى، مقابل دعم مشاريع إعادة تأهيل البنى التحتية وعلى رأسها شبكات المياه والصرف الصحي، وخطوط الطاقة، بشكل يسهّل إعادة اللاجئين السوريين. وبينما تشكّل هذه العودة ركناً رئيساً في المبادرة العربية التي تقودها الرياض، وإحدى أبرز النقاط التوافقية ضمن مسار التطبيع السوري – التركي، لا تزال الولايات المتحدة تسعى لعرقلتها عبر أدوات الضغط المتاحة، بما فيها التلويح بالعقوبات. ومن هنا، فإن دول الاتحاد الأوروبي، التي لا تزال تلتزم الموقف الأميركي حيال تلك المسألة، تقف أمام امتحان جديد في ظلّ ارتفاع الأصوات التي تطالب بالانخراط في المبادرة العربية، التي يستند إليها المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، لتفعيل مبادرته «خطوة مقابل خطوة».
في هذا الوقت، أتى اتفاق السعودية مع سوريا على استئناف مسار التعاون الاقتصادي، أول من أمس، خلال زيارة وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، للرياض، ليشكّل قفزة في مسار المبادرة العربية، مع ما تتيحه هذه الخطوة من مساهمة للرياض في مشاريع إعادة الإعمار. وعلى هامش مشاركته في الاجتماع الثاني الوزاري للدول العربية مع جزر الباسيفيك المنعقد في الرياض، أعاد المقداد التذكير بالالتزامات المفروضة على الدول بموجب المبادرة العربية، مشيراً في تصريحات نشرتها جريدة «الشرق الأوسط» إلى أنه «في ما يتعلق بنا في سوريا أؤكد لكم أننا سِرنا مئات الخطوات، والتي لم نلق، مقابلها، أيّ خطوة من الأطراف الأخرى»، مؤكّداً أن «المطلوب الآن من الأطراف الأخرى أن تُبدي حسن نوايا، وأن تتوقف عن دعم الإرهاب وتجويع الشعب السوري وأطفال سوريا، وتساهم في نهضة الشعب السوري الجديدة».
وتتزامن الاجتماعات السياسية العديدة حول سوريا خلال الأسبوعين المقبلين مع تسخين ميداني متواصل، إثر عودة الاحتكاكات العسكرية وتبادل القصف بين «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد) وتركيا. واستأنفت أنقرة عمليات استهداف مقاتلي «قسد» عبر الطائرات المسيّرة بعد أن توقفت تلك العمليات خلال الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها الرئيس رجب طيب إردوغان بولاية جديدة. ومن جهتها، تحاول «هيئة تحرير الشام» استباق أيّ اتفاق سوري ــــ تركي، عبر التمهيد لقضم ريف حلب الشمالي. وإذ يأتي ذلك وسط حديث عن محاولة أميركية لتوثيق علاقة «الهيئة» مع «قسد» تمهيداً لتشكيل جسم معارض قوي، فهو يعقب فشل محاولات أميركية سابقة للتشبيك مع الفصائل التي تنتشر في ريف حلب والتي تقودها أنقرة، ما يفتح الباب أمام صيف ساخن ربّما من شأنه أن يغيّر معالم الميدان السوري.
الاخبار
إضافة تعليق جديد