تقرير لـ”Middle East Eye” يكشف موقع أميركا في سوريا
قالت الولايات المتحدة قبل يومين إنها سترسل طائرات مقاتلة من طراز F-22 إلى سورية لمواجهة تهديدات روسيا، مؤكدة كيف تحولت المهمة العسكرية التي بدأت بهدف محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية” إلى صراع جيوسياسي أوسع.
ومع تقدم الوضع السوري على ما هو عليه، رسخ خصوم واشنطن (إيران وروسيا) أنفسهم في سورية، في الوقت الذي يستعيد فيه الرئيس السوري، بشار الأسد الأصدقاء في المنطقة.
وكانت القوات الأمريكية قد وصلت إلى شمال شرق سورية في عام 2015 كجزء من عملية “العزم الصلب”.
ومن خلال العمل جنباً إلى جنب مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) صدّت تنظيم “الدولة”، بعد أن اجتاح مساحات واسعة من سورية والعراق المجاور، إلى أن تمكنت من إنهاء “خلافته” إقليمياً في 2019.
“تعريف للحرب الأبدية”
وفي الوقت الحالي ما تزال القوات الأمريكية تدعم “قسد” في شمال وشرق سورية لمواجهة خلايا تنظيم “الدولة”، وتقدم لها المشورة والمساعدة.
كما أن واشنطن تساعد في حراسة حوالي 10000 مقاتل مسجون وعشرات الآلاف من أفراد أسره التنظيم – معظمهم من النساء والأطفال – الذين يقيمون في مخيمي الروج والهول.
والأسبوع الماضي في تجمع في المملكة العربية السعودية لأعضاء التحالف لهزيمة التنظيم، أشاد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين بنجاح المهمة، حتى في الوقت الذي حذر فيه من “التهديد المتطور” الذي يمثله “داعش” في منطقة الساحل وغرب إفريقيا.
لكن بعد ثماني سنوات من وصول القوات الأمريكية إلى شمال شرق سورية، يقول المنتقدون إن واشنطن لم تكن أقرب إلى المغادرة مما كانت عليه عندما كان تنظيم “الدولة الإسلامية” في ذروته.
وقال روبرت فورد، السفير الأمريكي السابق في سورية لموقع “ميدل إيست آي“: “شمال شرق سورية هو تعريف للحرب الأبدية”.
وأضاف: “لأنه لا توجد خسائر في صفوف القوات الأمريكية، ولأنها ليست عملية مكلفة بشكل خاص. والولايات المتحدة تبقى على أساس سنوي”.
“استنزاف إيران وروسيا”
والتبرير الرسمي للوجود الأمريكي هو تصاريح استخدام القوة العسكرية لعامي 2001 و 2002 التي أقرها الكونجرس بعد هجمات 11 سبتمبر.
وفشلت محاولات بعض أعضاء الكونجرس لوقف العملية في محاولة للحد من سلطات الرئيس.
ويوضح أندرو تابلر، زميل بارز في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى أن “900 جندي أمريكي في سورية هو وسيلة منخفضة التكلفة جداً بالنسبة لنا لقتل الأشرار من تنظيم الدولة الإسلامية ومنع روسيا وإيران ودمشق من تعزيز سيطرتهم على البلاد”.
وأضاف: “أصبحت الولايات المتحدة الآن في مواجهة خصمين إيران وروسيا”.
من جانبه قال بسام إسحاق عضو “مجلس سوريا الديمقراطية” الذراع السياسية لـ”قسد” إن “السبب الوحيد الذي يجعل الولايات المتحدة تستطيع الاحتفاظ بالوجود العسكري في سورية هو القول إنها تحارب الإرهاب”.
لكنه أضاف مستدركاً: “لكن الهدف الرئيسي الآن هو استنزاف إيران وروسيا”.
ويسيطر الجيش السوري على نحو ثلثي الأراضي السورية بدعم من موسكو وطهران.
ومع خفوت المعارك، حوّل الأسد انتباهه إلى العودة إلى المحيط الإقليمي.
وأتاح الزلزال المدمر في سورية في شباط (فبراير) فرصة للأسد لكسب جيرانه مثل الأردن ومصر.
وبلغت هذه الجهود ذروتها في زيارة تاريخية إلى المملكة العربية السعودية في مايو، حيث تمت دعوة سورية للعودة إلى جامعة الدول العربية.
ويعتقد المحللون أن أحد أهداف الأسد على المدى الطويل هو استعادة شمال شرق سورية، وهي منطقة خصبة تاريخياً تضم أيضاً بعض حقول النفط الوحيدة في سورية، وأن دمشق وحلفاءها صعدوا من إجراءاتهم ضد الولايات المتحدة لتحقيق هذا الهدف.
“روسيا ولعبة الوكيل”
وأفاد مسؤولون أمريكيون بزيادة عدد التحليقات الجوية الروسية هذا الربيع على القواعد الأمريكية، كما أن واشنطن على أهبة الاستعداد من وكلاء إيران.
وقال القائد الأعلى للقوات الأمريكية في المنطقة مؤخراً إن إيران شنت 78 هجوماً على قواعد أمريكية في سورية منذ يناير 2021.
وأوضح مايكل نايتس، الخبير في شؤون الجماعات المسلحة أن “كل المؤشرات تشير إلى أن الفصائل الإيرانية تستعد لنمط أكثر عدوانية للهجوم ضد الولايات المتحدة”.
وقال: “إنهم يرون فرصة لطرد الولايات المتحدة من شمال شرق سورية”.
وفي مارس/آذار الماضي، هاجمت طائرة بدون طيار من طراز كاميكازي قاعدة أمريكية في الحسكة، مما أسفر عن مقتل مقاول دفاعي أمريكي وإصابة ستة من أفراد الخدمة.
وأضاف نايتس أن غارة الطائرة بدون طيار، التي تزامنت مع الوقت الذي تم فيه خفض رادار المنشأة للصيانة، كانت “متقدمة بشكل خاص”، وأشار إلى أن المهاجمين لديهم “استخبارات محلية أو دعم روسي جوي”.
وذكر تقرير في يونيو أن إيران وسورية وروسيا يعززون التنسيق لطرد الولايات المتحدة من شمال شرق سورية، من خلال استهداف خطوط الاتصال الأرضية بقنابل متطورة.
ويقول نايتس: “إنهم يفكرون ملياً في التفاصيل التكتيكية والمسامير حول كيفية مهاجمة مركبات همفي وكوغار الأمريكية، وروسيا تدخل في لعبة الوكيل”.
ماذا يريد الأسد؟
لكن فورد، السفير الأمريكي السابق قال إن الولايات المتحدة غالباً ما تبالغ في أهمية شمال شرق سورية بالنسبة للرئيس السوري وداعميه، وهو عامل يعتقد أنه ساهم في انجراف أمريكا في المنطقة دون نهاية واضحة للعبة.
وأضاف فورد: “يستمر الناس في واشنطن في التفكير في أن الوجود الأمريكي في شمال شرق سورية هو ورقة مساومة كبيرة”.
وقد يرغب الأسد والإيرانيون في استعادتها، لكنهم ليسوا بحاجة إليها.
وتابع أن “الضربات الجوية الإسرائيلية هي التي أضرت بإيران وليس 900 جندي أمريكي”.
لكن الباحث أندرو تابلر يقول إن الوجود الأمريكي اكتسب أهمية فقط بالنسبة لواشنطن مع الحرب في أوكرانيا، وسط مؤشرات على زيادة التعاون بين طهران وموسكو.
ويضيف: “أحياناً يكون الحرمان من الموارد هو أفضل ما يمكنك فعله. إذا كنت مهتماً بإحباط التحالف الروسي الإيراني الجديد، فإن الوجود الأمريكي مهم”.
ولا يتوقع معظم الباحثين والخبراء مغادرة الولايات المتحدة الأمريكية من شمال وشرق سورية في أي وقت قريب.
“لا نهاية اللعبة”
وقال سام هيلر، الخبير في الشؤون السورية في معهد القرن في بيروت: “لا توجد لعبة نهائية أمريكية في سورية، ولكن هناك رأي عام بأن الانسحاب سيكون بمثابة فوضى تامة”.
لكن الوجود الأمريكي يمكن أن يتقلص بطرق أخرى.
ويجري حلفاء أكراد لواشنطن محادثات مع دمشق بشأن اتفاق سياسي محتمل، لكن لا توجد مؤشرات تذكر على إحراز تقدم.
وأضاف هيلر: “بالنسبة لدمشق، فإن الجائزة الأكبر هي إبرام صفقة مع الأتراك”.
ومع ضمان حكم الرئيس رجب طيب أردوغان لمدة خمس سنوات أخرى بعد الانتخابات في تركيا، هناك دلائل على أنه يتطلع للانضمام إلى العربة الإقليمية وإصلاح العلاقات مع الأسد.
وكالات
إضافة تعليق جديد