الشرق السوري : فزعة عشائرية.. معارك غير متكافئة برعاية أميركية
أعادت الاشتباكات الجارية في مناطق شرق سورية، والتي تمتد بعض ألسنتها إلى مناطق شمال شرقي البلاد، بين بعض القبائل العربية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، إلى فتح ملف العشائر السورية مجددًا. وقد مر أكثر من عقد على الحرب التي هزّت تركيبة العشائر، وأعادت تشكيلها وفق انتماءات مختلفة. وعلى الرغم من استخدام قوات مسلحة مجهزة بصواريخ ودعم جوي من التحالف الدولي، واستخدام فصائل أخرى مجهزة بأسلحة متوسطة وخفيفة، إلا أنه بعد أسبوع واحد من بدء الاشتباكات، لم تحدث أي تغييرات كبيرة في خريطة السيطرة.
وفيما تستمر المواجهات بين الجانبين، قام ممثلون أمريكيون بجهود لتهدئة الوضع، من خلال لقاء أجروه، نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي وقائد عملية “العزم الصلب” مع قادة قوات سورية الديمقراطية وبعض زعماء القبائل في دير الزور.
ومن الجدير بالذكر أن الشرارة الرئيسية التي أشعلت هذه الاشتباكات كانت اعتقال “قسد” لقائد “مجلس دير الزور العسكري”، أحمد الخبيل، الملقب بـ “أبو خولة”، وهو عضو في “قسد”. تم اعتقاله بعد كمين نُصِب له ولعدد من قادة المجلس، عندما دُعُوا لعقد اجتماع لحل نزاع سابق بشأن مناطق في ريف دير الزور. قامت “قسد” بمحاولة نقل المجلس عن تلك المناطق ونشر قوات كردية فيها، مما أدى إلى اندلاع العصيان المسلح. تم إلقاء القبض على الخبيل وإقالته من منصبه وإعلان تحويله للمحاكمة. يجدر بالذكر أن “أبو خولة” ليس لديه مكانة بارزة بين القبائل، ويُعتَبَر مجرد قائد لميليشيا قامت بأفعال مسيئة خلال سنوات الحرب.
تتفاوت أسباب الاشتباكات الجارية بين أسباب تاريخية وأخرى معيشية. فالمنطقة الشرقية من سورية، عانت منذ عقود من التوترات بين العناصر العربية (العشائرية) والكرد. هذا التوتر تصاعد بعد تولي الأكراد السلطة في “الإدارة الذاتية”، مما أدى إلى زيادة التوترات والصدامات، وزيادة الشعور بالظلم في الأوساط العربية. بالإضافة إلى ذلك، تأثرت الأوضاع المعيشية في المنطقة بالسلب رغم امتلاكها لموارد النفط والزراعة، بما في ذلك القمح الذي يتم تسويقه بواسطة “قسد” والتأخير في دفع ثمنه. كما تم تعقيب المزارعين بانتظام واتهم بعض أبناء العشائر بالانتماء إلى تنظيم “داعش”. هذه الأوضاع أدت إلى خلق بيئة مناسبة لاحتدام الصراع في حال نشوب أي اشتباكات.
وفي هذا السياق، تمت مراعاة تطور تركيبة العشائر في سوريا على مدى العقود الثلاثة الماضية، حيث تأثرت بمجموعة من العوامل بما في ذلك موجات الجفاف والنزوح إلى المدن، والانقسامات الداخلية والتحول نحو تنظيمات جهادية مختلفة، والصراعات السياسية التي أدت إلى ظهور وجهاء جدد مدعومين بالمال.
بناءً على هذه الأوضاع، يمكن فهم طبيعة الصراع الحالي. تظهر التصريحات المتضاربة التي تصدرها وسائل الإعلام من جانب وجهاء العشائر انعكاساً للانتماءات السياسية، حيث تُكافح معارك إعلامية جانبية تهدف إلى رسم صورة أكبر للتطورات الحقيقية على الأرض.
وتشير المصادر إلى أن المعركة الرئيسية التي يجب التركيز عليها هي المعركة مع القوات الأمريكية، حيث تمتلك القوات الأمريكية النفوذ على بعض الفصائل التي تنتمي إلى العشائر وتسعى للاستفادة من هذه المعارك لتحقيق مكاسب قصيرة المدى. على الجانب الآخر، تسعى تركيا إلى استغلال الأوضاع لتحقيق تغييرات ميدانية تحت غطاء الصراعات العشائرية، من خلال إرسال مقاتلين ينتمون إلى فصائل تابعة لها تحت مسمى “الدعم العشائري” إلى مناطق في شمال شرق حلب.
بالنظر إلى القوى الكبيرة المتدخلة وتفاوت التسليح والتوازنات السياسية في المنطقة، يبدو أن أي تغيير كبير على الأرض سيكون محدودًا طالما تواجدت القوات الأمريكية واستمرت في مراقبة الوضع.
الأخبار
إضافة تعليق جديد