تظاهرات واعتقالات وانقلابات عسكريّة: ماذا يجري في الشمال السوريّ؟
على الرغم من مرور ما يقرب من عشر سنوات على خروج مناطق الشمال السوري، التي تقع على الحدود التركية، عن سيطرة الحكومة السورية، ووقوعها تحت النفوذ التركي، فإن الوضع الأمني والسياسي هناك لا يزال مضطربًا.
تركيا تسيطر فعليًا على هذه المناطق من خلال قواعدها ونقاطها العسكرية، إضافة إلى الفصائل المسلحة التي تتلقى الدعم والرعاية من أنقرة.
قامت تركيا بتأسيس “الحكومة السورية المؤقتة” المنبثقة عن “الائتلاف السوري المعارض”، وكذلك “الجيش الوطني السوري” الذي يضم عدة فصائل.
ولكن على الرغم من الجهود المبذولة لإضفاء الطابع المؤسسي على هذه التشكيلات، فإنها لم تنجح في تقديم نموذج فعال للحكم.
شهدت هذه المناطق سلسلة من الصراعات بين الفصائل المختلفة، مع عدم وجود مرجعية واحدة يمكن أن تُحَكَّم لحل النزاعات.
على الرغم من أن جميع هذه الفصائل تدين في النهاية بالولاء لتركيا، فإنها لا تمتلك استقرارًا مؤسسيًا. وهذا يشير إلى أن السياسة التركية في الشمال السوري قد تغيرت مع مرور الوقت بناءً على مصالح أنقرة الخاصة.
فيما يتعلق بالأحداث الأخيرة في الشمال السوري، فإن الاحتجاجات ضد “هيئة تحرير الشام” بقيادة أبو محمد الجولاني تتصاعد، مطالبين بإسقاط الجولاني وحلّ أجهزته الأمنية.
هذه الاحتجاجات، التي شهدت أكثر من 25 تظاهرة في مناطق إدلب وريفها مؤخراً، تعكس الاستياء المتزايد من سيطرة الجولاني واحتكاره للسلطة.
ومع ذلك، فإن الجولاني استخدم الترغيب والترهيب لاحتواء الغضب الشعبي، بما في ذلك تهديده الصريح بعدم السماح بتجاوز “الخطوط الحمر”.
من ناحية أخرى، شهدت منطقة “درع الفرات”، التي تخضع لنفوذ تركيا، محاولة انقلاب داخل “فرقة المعتصم” المنضوية في “الجيش الوطني”، مما أدى إلى اعتقال القائد معتصم عباس ومقتل شقيقه الأكبر أحمد عباس.
هذا الحادث أظهر مدى هشاشة “الجيش الوطني” والولاءات الشخصية والعائلية التي تحكم الفصائل. حاولت تركيا فرض الانضباط من خلال “منسق” تركي، ولكن يبدو أن الفصائل تعمل وفقًا لمصالحها الخاصة.
هذا الوضع يشير إلى أن هناك مصلحة لتركيا في إبقاء الوضع على حاله، مما يمكن أن يمنحها ذريعة للتدخل عند الحاجة أو التخلص من الفصائل التي أصبحت عبئًا.
في النهاية، يبدو أن مستقبل الشمال السوري سيظل غير مستقر طالما أن الفصائل العسكرية تواصل صراعاتها الداخلية وتفتقر إلى سلطة مركزية قوية.
بما أن الجولاني يدرك جيدًا التناقضات التي تحكم المناطق التي تواجهه، وقد تمكن إلى حد كبير من احتواء الخلافات الداخلية الأخيرة داخل “هيئة تحرير الشام”، والتي نشأت نتيجة الاتهامات بالخيانة وحالات الاعتقال والتعذيب، فهو الآن ينتظر اللحظة المناسبة للسيطرة على الاحتجاجات بالقوة المسلحة.
وقد يسعى لخلق ذريعة تتيح له القيام بذلك، مثل إيجاد “مبرر شرعي وقانوني” يبرر تحركاته، كما أشار في خطابه الأخير بأنه يسعى “لحفظ المحرر ومكتسباته”.
ومن الجدير بالذكر أن كل هذه التطورات، سواء في مناطق سيطرة “الجيش الوطني السوري” أو مناطق سيطرة الجولاني و”هيئة تحرير الشام” في إدلب، تجري تحت نظر أنقرة، التي تمتلك القدرة على التدخل وحسم الأمور لكنها لم تفعل ذلك حتى الآن.
يبدو أن أنقرة تحافظ على حالة الضعف والانقسام بين هذه الأطراف، بينما تتحكم بكل خيوطها السياسية والاقتصادية والعسكرية وفقاً لموقع الميادين نت.
وذلك حتى تصل إلى النقطة التي تكون فيها “الطبخة السياسية” جاهزة، بما يضمن لها مصالحها الإقليمية، ويمكنها من فرض قراراتها النهائية على الجميع.
إضافة تعليق جديد