اختلاسات بالمليارات في مديرية تربية ريف دمشق

03-11-2024

اختلاسات بالمليارات في مديرية تربية ريف دمشق

كأحجار الدومينو، ما إن يسقط حجر واحد حتى تتساقط باقي الأحجار واحداً تلو الآخر، هكذا بدأت قضايا الفساد في وزارة التربية تتكشف وتسقط تباعاً.

إذ تطفو اليوم على السطح قضية فساد واختلاس مليارية استمرت لسنوات عديدة، بطلاها معتمدَا رواتب في دائرة المحاسبة بمديرية تربية ريف دمشق.
فقد حصلت «تشرين» على معلومات من مصدر خاص، تُفيد بأن اثنين من معتمدَي رواتب تربية ريف دمشق اختلسا حوالي ثلاثة مليارات ونصف المليار ليرة، عن طريق تزوير جداول الرواتب والتلاعب بها على مدار 8 سنوات، وقد تم الكشف عن هذا التلاعب وإلقاء القبض على المعتمدَين ( ر. ر) و ( ع.ش)، من قبل الجهات المختصة بتاريخ 25/4/2024، بتهمة اختلاس الأموال العامة وتزوير جداول الرواتب الخاصة بالعاملين في قطاع تربية ريف دمشق.
وذكر المصدر أنه بعد المراجعة والتحقيق بالأمر، تم التأكد من عملية تزوير الجداول والتلاعب بالمبالغ الأساسية واختلاسها من قبل المعتمدَين المذكورين أعلاه.

وكشف التحقيق أن عملية الاختلاس بدأت منذ شهر حزيران عام 2016 واستمرت حتى نيسان عام 2024، علماً أن التزوير كان يجري شهرياً طوال تلك السنوات.
وأضاف المصدر: إن الجهات المختصة أفشلت الخطط التي جهزها المُختلسَان للهروب والسفر خارج البلاد، وتمّ القبض عليهما قبل أن ينجحا بتنفيذها، مؤكداً أنهما جزء من شبكة اختلاس وتزوير، وما كانا ليتمكنا من تمرير وإخفاء التزوير بمفردهما لولا تسهيلات حصلوا عليها أو غض البصر والتغاضي عن التزوير، أو إهمال بعض المسؤولين الإداريين لعملهم الموكل لهم.

في مكتب المدير

تواصلنا مع مدير تربية ريف دمشق الدكتور عبد الحليم اليوسف للتأكد من صحة الادعاء وما لدينا من معلومات، حيث رفض التصريح بشأن القضية على اعتبار أنه ليس على دراية كافية بتفاصليها، لكنه لم ينفِ حصول عملية التزوير والاختلاس.

وعليه وجب التوضيح من قِبلنا، أن عملية الاختلاس كُشفت قبل تعيين اليوسف، أي إنه تمّ القبض على المعتمدَين خلال فترة المدير السابق.

لكن موظفة تعمل في دائرة المحاسبة في المديرية، التقيناها صدفة في مكتب مدير التربية وأمام المدير، بينت أن المعتمدَين المذكورين موقوفان حالياً، ولم تنكر حالة الاختلاس و أشارت إلى تشكيل لجنة للتحقيق بالأمر والتي تبيّن من خلالها اختلاس حوالي ثلاثة مليارات ونصف المليار ليرة، وذكرت أن عملية التزوير والاحتيال تمّت عن طريق حصول المعتمدَين على واجهة البرنامج الوزاري لجداول الرواتب والتلاعب بها وتزوير الرقم الأخير، وإضافتهما لمبالغ كبيرة بالإضافة للكتل المالية الأساسية، وتمكنا من إخفاء هذا التلاعب.

تغريم بحاجة إلى تدقيق

المعلومات تشير إلى أنه تم تغريم المعتمدَين بدفع المبلغ المُختلس بالإضافة لتعويض معنوي بقيمة 100 مليون ليرة، وأن هذا التغريم في وثيقة موجودة في دائرة الشؤون القانونية للمديرية.

بدورنا قمنا بطلب الوثيقة التي تثبت صحة هذا الكلام للاطلاع عليها و قوبل طلبنا بالرفض بحجة أنها وثيقة سرية خاصة بالدائرة القانونية والجهة الرسمية التي تحقق.

مع الإشارة إلى أن محدثنا ليس موظفاً في دائرة الشؤون القانونية ! والجهات المختصة لم تصرح بخصوص موضوع التغريم من قبل ! فكيف تم الحصول على هذه المعلومات؟؟

“التربية” تتنحى

لم نكتفِ بالمعلومات التي حصلنا عليها ولم نقم بالنشر إلا بعد توجيه كتاب رسمي إلى المكتب الصحفي في وزارة التربية للتأكد من صحتها، فلم يؤكدوا أو ينفوا أو يعلقوا على هذا الموضوع، واكتفوا بأن هذا الموضوع في عهدة الجهات المختصة وليس لنا علاقة به!!

اختراق مريب

كما قمنا بالاستفسار عن آلية عمل صرف رواتب العاملين والمراحل التي تمر عبرها، وتبيّن أنها عملية دقيقة جداً تمرعبر مراحل كثير بدءاً من شعبة الأجور والرواتب إلى شعب التصفية والشطب والعمل بها وقطع التصافي، ويتسلم المعتمد كتلته المالية للعمل بها وجمعها وتدقيقها وفرزها، وعند الانتهاء يقوم بتسليمها إلى شُعب الشطب والتدقيق والتصافي لمراجعة عمل المعتمد ومقارنة المبالغ مع أعداد العاملين وموازنتها، وبعدها تتم طباعة أمر الصرف، ثم إلى الاعتمادات ليقوموا بفرز الرواتب وتسليمها لمحاسب الإدارة ثم إلى مدير التربية والمالية ويستلم المعتمد أوامر الصرف من المالية لقبض كل مبالغه من البنك المركزي، وبعد الانتهاء من تسليم الرواتب للعاملين يعيد نسخة جداول التفاريغ لشعبة الجرد، مع العلم أن الفترة الزمنية للعمل بالرواتب تبدأ من بداية كل شهر حتى ال 20 منه، أي إنه وقت كاف لكشف الأخطاء أو التزوير !

علامات استفهام كثيرة

كَثُرتْ علامات الاستفهام التي تدور حول هذه القضية بعد كل ما أسلفنا أعلاه؟!!

أولاً – هل يُعقل أن تمر عملية تزوير عبر كل هذه المكاتب وتخضع للتدقيق والتصفية وأمر صرف وجرد ومطابقة من دون أن يلحظها أحد أو يكتشف التلاعب بالمبالغ؟؟

ثانياً – على فرض أن المُختلسين استطاعا تمرير التزوير بسبب ضغط العمل أو الإهمال، أو لعدم الانتباه، فما تفسير مرورها شهرياً على مدار ثماني سنوات؟ هل كانت دائرة المحاسبة مشغولة ولديها ضغط عمل منذ عام ٢٠١٦ وحتى ٢٠٢٤؟ هل تمتعَ المُختلسَان بذكاء خارق مَكنهم من التزوير بشكل غير مرئي ومستحيل الكشف، من قِبل جميع العاملين في دائرة المحاسبة ولجنة الجرد والتدقيق والصرف والمطابقة ؟


ثالثاً – ماذا عن الفرق بين حجم الكتل المالية للمعتمدَين المختلسَين وزملائهم المعتمدين الآخرين ممن لديهم نفس أعداد العاملين؟ ألم يثر الشك والتساؤل لدى أي موظف ضمن دائرة المحاسبة ؟؟

رابعاً – هل سيتم تغريم المعتمدَين بتسديد المبلغ المُختَلس بالليرة السورية فقط أم سيتم حسابه وفقاً لسعر الصرف في تلك الأعوام؟؟ علماً أن مبلغ ال ٦ ملايين ليرة عام ال ٢٠١٦ كان يساوي حوالي ١٢ ألف دولار ما يساوي تقريباً ١٦٥ مليون ليرة حالياً ؟

خامساً – هل يجوز أن تشكل الأجهزة الرقابية لجنة تحقيق بحالة معينة من دون وجود أي مفتش أو مندوب من قبلهم للتواجد ضمن اللجنة للتفتيش والتدقيق؟ علماً أن جميع أعضاء اللجنة التي شكلت من موظفي دائرة المحاسبة في مديرية تربية ريف دمشق !! ومازالوا على رأس عملهم حتى اللحظة.

سادساً – لماذا لم تتم محاسبة المقصرين بهذا العمل بسبب الإهمال الوظيفي كونهم مسؤولين عن آلية سير العمل؟ هل يُقبل الإهمال في إدارة وتدقيق المال العام ؟


سابعاً – أين دور ومسؤولية الشخص المسؤول عن كتلة الموازنة العامة للرواتب ؟؟ ألم يشعر بأي خلل في الحسابات ؟؟

نضع هذه المعلومات في عُهدة الجهات المعنية بالتحقيق، لتوسيع دائرة التحقيق، ومحاسبة كل من تورط وشارك وسهل و تغاضى عن تزوير واختلاس المعتمدَين، فما زال ثمة معنيين ومتهمين طلقاء، آملين أن تستمر كل أحجار وقضايا الفساد في جميع المؤسسات بالتساقط واحداً تلو الآخر، وننوّه بأن الهدف الوحيد من نشر هذا التحقيق هو رفضنا المشاركة في التستر على قضية فساد ليست بسيطة.. وقد طُلب منا بطريقة ما ” ……” غض النظر عن الاستمرار بإعداد هذا التحقيق.


تشرين – زينب خليل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...