الإعلان عن انتهاء شهر العسل الكردي - الأمريكي
الجمل: أثارت أحداث كركوك وإطلاق القوات الأمريكية لحملة «بشائر الخير» ضد محافظة ديالي الكثير من التساؤلات حول مصير إقليم كردستان والحركات الكردية العراقية وغير العراقية التي ظلت ناشطة لفترة طويلة من الزمن.
* ماذا تقول التساؤلات الجديدة؟
شقت القوى والحركات السياسية والكردية طريقها خلال الأعوام القليلة الماضية مراهنةً على مصداقية العامل الأمريكي لجهة دعم المشروع الإثنو-ثقافي الكردي في المنطقة وعلى ما يبدو فإن الرهان على مصداقية هذا العامل كان يعاني من نقطة ضعف رئيسية تمثلت في الحقيقة القائلة بأن السياسة الأمريكية تقوم على عدم المصداقية لجهة استنادها إلى استراتيجية حسابات الفرص والمخاطر القائمة على الفلسفة السياسية البراغماتية التي تربط الفرص والصواب، والمخاطر والخطأ. وتأسيساً على ذلك، فعلى زعماء الحركات الكردية:
• عدم الوثوق بأمريكا إذا قدمت لهم الدعم، وكل ما في الأمر أن أمريكا وجدت بعض المنافع التي تعود عليها من جراء تقديم الدعم الذي تنظر إليه الإدارة الأمريكية في مثل هيه الحالة باعتباره "فرصة".
• الاستعداد والجاهزية المستمرة تحسباً لاحتمالات أن تتحول أمريكا إلى دعم الطرف المضاد إذا لاحت لها "فرصة" أفضل.
الأداء السلوكي الأمريكي المتناقض إزاء الحركات الكردية طل واضحاً وضوح الشمس، فالإدارة الأمريكية تضع محور البرزاني – الطالباني في قائمة الأصدقاء وفي الوقت نفسه تضع حزب العمال الكردستاني في قائمة الإرهابيين الأعداء!!
حتى الآن ما يزال الأداء السلوكي الأمريكي الميداني الخاص بالحركات الكردية يحمل المزيد من الإشارات المتضاربة والتي تثير الكثير من الأسئلة الحرجة إزاء مستقبل هذه الحركات وملف الأزمة الإثنو-ثقافية التي ظلت تستخدمه في حملات الترويج والتسويق السياسي:
• ما هو مستقبل الهوية الإثنو-ثقافية؟ وهل سيكون الانتماء لإقليم كردستان العراقي بديلاً عن الانتماء الوطني العراقي؟
• هي سيتحول، إن لم يكن قد تحوّل بالفعل، إقليم كردستان إلى قاعدة لتصدير العنف الإثنو-ثقافي الانفصالي ضد بلدان المنطقة؟
• هل ستراهن الحركات الكردية وسلطات إقليم كردستان العراقي على القيام بشن حروب البروكسي ضد خصوم محور واشنطن – تل أبيب مقابل تأمين استمرارية الدعم والمساندة الأمريكية؟
• هل سيراهن إقليم كردستان على تحويل الإقليم إلى قاعدة ارتكاز لمحور تل أبيب – واشنطن مقابل تأمين وضمان الحماية الأمريكية المستمرة من خطر قيام دول المنطقة بعمل مشترك يهدف إلى الدفاع عن سيادتها الوطنية؟
• كيف تدرك الحركات الكردية الإدراك الأمريكي الحالي إزاءها؟ بكلمات أخرى، هل ما زال الإدراك الأمريكي هو هو كما كان عليه قبل بضعة سنوات، أم أنه تغير أو ربما أصبح على وشك أن يتغير بعد إعلان واشنطن عن دعمها الواضح لأنقرة في حربها ضد الأكراد؟
* ملف الأزمة الكردية في مواجهة الحراك السياسي الإقليمي؟
بعد احتلال العراق لم تتحرك القوات الأمريكية كما كان متوقعاً لا باتجاه دمشق ولا باتجاه طهران، وبعد هزيمة جيش إسرائيل على يد حزب الله في حرب صيف العام 2006م أدركت تل أبيب أن مفهوم تأمين الحدود الإسرائيلية الشمالية لم يعد ممكناً، إن لم يكن قد أصبح مستحيلاً، طالما أن الجيش الإسرائيلي "الذي لا يقهر" قد قهر في جنوب لبنان.
تورطت أمريكا في أفغانستان وأصبحت مهددة بالتورط في باكستان وقد أدى ذلك إلى تعزيز إدراك البتناغون بضرورة تفادي خوض أي حرب جديدة وقد أدى ذلك بالضرورة إلى إجهاض مشروع مخطط إشعال حرب الشرق الأوسط وإدماج مسارح الحروب في أفغانستان والعراق وجنوب لبنان ضمن مسرح واحد بإضافة سوريا وإيران.
انهيار مشروع إدماج المسارح الثلاثة ضمن مسرح واحد لم يترتب عليه سقوط وانهيار نظرية الأمن الإسرائيلي القائمة على مفهوم تأمين الحدود الشمالية الذي وصفه ريتشارد بيرل وديفيد فورمزر ودوغلاس فايث، وما لم يلاحظه المراقبون ويعرفه جيداً الثنائي البرزاني – الطالباني أن انهيار مفهوم تأمين الحدود الشمالية الإسرائيلية قد أدى بالضرورة إلى سقوط وانهيار مشروع كردستان الكبرى التي تحدد لها أن تبدأ حيث تنتهي الحدود الحيوية الإسرائيلية المنصوص عليها في مخطط "من النيل إلى الفرات".
أدركت أمريكا بأن خارطة الفرص والمخاطر التي شكلت على أساسها الإدارة الأمريكية مشروع الشرق الأوسط الجديد بأنها لم تعد خارطة عملية وبالتالي فإنه ينبغي البحث عن الفرص الجديدة وتفادي المخاطر الجديدة. هذا، ويمكن القول بأن خارطة الفرص والمخاطر الجديدة التي بدأت الإدارة الأمريكية التحول باتجاهها هي خارطة لا تنسجم مع مشروع تحالف الحركات والفصائل الكردية الذي يتزعمه محور البرزاني – الطالباني، لأن الفرص والمخاطر الجديدة تتضمن ما يلي:
- الفرص:
• فرصة التهدئة وإجراء المحادثات على خط دمشق – تل أبيب.
• فرصة التهدئة في لبنان وإفساح المجال أمام اتفاق الدوحة.
• فرصة التفاهم مع إيران حول مستقبل العراق.
• فرصة التواجد الأمريكي المستقر في السعودية والخليج.
- المخاطر:
• مخاطر الإضرار بالمصالح الأمريكية في حالة إشعال الحرب ضد إيران.
• مخاطر إلحاق الخسائر الفادحة بإسرائيل إذا عمدت هذه الأخيرة إلى إشعال المواجهة مع سوريا وحزب الله.
• مخاطر الإضرار بالمصالح الأمريكية – الإسرائيلية في تركيا، إذا استمرت واشنطن وتل أبيب دعم محور البرزاني – طالباني.
• مخاطر مواجهة المزيد من الخسائر في العراق إذا حاولت واشنطن تقديم المزيد من المزايا لمحور البرزاني – طالباني خصماً لبقية العراقيين.
• مخاطر خسارة تركيا الحليف الاستراتيجي لأمريكا وإسرائيل وحلف الناتو في المنطقة، وذلك على النحو الذي يفسح المجال أمام روسيا للتقدم وملء فراغ انسحاب الناتو – أمريكا من تركيا بما يؤدي إلى خسارة واشنطن لأهم منطقة ارتكاز جيوستراتيجي في العالم.
التحولات الجارية في السياسة الخارجية الأمريكية إزاء منطقتي الشرق الأوسط والشرق الأدنى، هي بالأساس تحولات ناتجة عن التغييرات التي حدثت في مفردات وبنود معادلة حسابات الفرص والمخاطر ولما كانت أمريكا تعمل وفقاً لنموذج التاجر الذي يبني مواقفه على حسابات الأرباح الناتجة من الفرص والخسائر الناتجة من المخاطر، فقد كان طبيعياً أن تحاول الإدارة الأمريكية السعي باتجاه تعظيم الأرباح عن طريق استغلال الفرص الجديدة وتقليل الخسائر عن طريق تفادي المخاطر الجديدة.
* ماذا تقول تسريبات واشنطن الجديدة:
نشر الموقع الإلكتروني الخاص بمعهد المسعى الأمريكي التابع لجماعة المحافظين الجدد تحليلاً مطولاً أعده اليهودي الأمريكي مايكل روبين خبير اللوبي الإسرائيلي للشؤون الكردية الذي استضافه محور البرزاني – الطالباني لبضعة أعوام وعلى وجه الخصوص في الفترة التي أعقبت غزو العراق، وقد تطرق روبين في الكثير من مقالاته وتحليلاته لفترة وجوده في إقليم كردستان مستعرضاً المساعدات الكبيرة التي لا تقدر بثمن التي قدمتها الفصائل الكردية للقوات الأمريكية وجماعة المحافظين الجدد وقد خابت توقعات الحركات والفصائل الكردية بسبب رفض تركيا السماح لأمريكا باستخدام أراضيها كمعبر وممر للقوات الأمريكية المكلفة بغزو العراق، وقد تحدث روبين قائلاً بكل صراحة ووضوح بأن البرزاني لا يصلح لأن يكون حليفاً لأمريكا وطالب إدارة بوش ببذل المزيد من الجهود لجهة دعم قوات الجيش التركي في تنفيذ الحملات العسكرية والأمنية ضد المناطق الكردية الموجودة شمال العراق والتي لم يتردد روبين في وصفها بأنها تشكل ملاذاً آمناً لإيواء الإرهاب والإرهابيين.
نشر الموقع الإلكتروني الخاص بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، ورقة الرصد السياسي رقم 85 التي تجاوز حجمها 50 صفحة حملت عنون «مستقبل الأكراد العراقيين» أعده اليهودي التركي سونير كاغابتاي خبير الشؤون التركية في معهد واشنطن وفي مؤسسات اللوبي الإسرائيلي واستعرض أداء حكومة كردستان الإقليمية وتوجهات أربيل إزاء دول الجوار ومدى مصداقية الحركات الكردية في أمن واستقرار العراق وأزمة ملف توزيع عائدات النفط العراقية وبعد ذلك خرج التقرير بالنتائج والتوصيات الآتية:
• الثناء على حكومة كردستان الإقليمية في مساعداتها القيمة لسلطات الاحتلال الأمريكي في سيطرتها على العراق طوال الأعوام الماضية.
• انتقاد حكومة كردستان في مجال حقوق الإنسان.
• انتقاد أداء حكومة كردستان في المجال الاقتصادي الذي قاد إلى استشراء الفساد.
• مطالبة الإدارة الأمريكية بالإعلان رسمياً عن أن شهر العسل الكردي – الأمريكي الذي بدأ عام 2002م قد انتهى عملياً في نهاية عام 2006م.
• مطالبة الإدارة الأمريكية بالوقوف إلى جانب تركيا في صراعها ضد الإرهاب الموجود في إقليم كردستان العراقي.
• مطالبة الإدارة الأمريكية برعاية وفتح آفاق التعاون التركي – العراقي في مختلف المجالات وبالذات في الأنشطة النفطية.
وخلص تقرير اليهودي التركي إلى سيناريو استقلال كردستان وقد أصبح من السيناريوهات غير المقبولة على الأقل في هذه الفترة. هذا، وتجدر الإشارة إلى أن تقرير سونير كاغابتاي قد تم بمشاركة لفيف من خبراء معهد واشنطن منهم اليهودية الأمريكية أودري فلاك خبيرة الدراسات الدولية والعالمية في المعهد، واليهودي الأمريكي – البريطاني مايكل كنايتس خبير الشؤون الأمنية والسياسية ومندوب المعهد المقيم في لندن، واليهودي الأمريكي ديفيد بلوك خبير وزارة الخارجية الأمريكية لشؤون التخطيط السياسي ومستشار لجنة الشرق الأوسط بمعهد واشنطن.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد