أسعد الجبوري: يطلق النار على مؤسسة جائزة البوكر و إدارتها
أسعد الجبوري شاعر وروائي عراقي من مواليد 1951 أصدر عدة مجموعات شعرية منها:"ذبحت الوردة هل ذبحت الحلم"،"صخب طيور مشاكسة"،"أولمبياد اللغة المؤجلة"،"ليس للرسم فواصل ليس للخطيئة شاشة"،"نسخة الذهب الأولى"،"طيران فوق النهار"،"الإمبراطور" وغيرها. كما أصدر بعدها ثلاث روايات هي "التأليف بين طبقات الليل"،"اغتيال نوبل"، و"الحمى المسلحة" التي ستتحول إلى فيلم على يد المخرج الدنمركي لاس فونغيس.
للإشارة أسعد الجبوري هو من أسس مجلة طقوس وترأس تحريرها وهو عضو اتحاد الكتاب العرب وعضو اتحاد الكتاب الدنمركيين وعضو الأنسكلوبيديا العالمية للشعر ببريطانيا. في هذا الحوار يتحدث عن الشعر والرواية وعن الشاعر الذي يعتبره بنك خيال وعن قصيدة النثر التي يعتبرها هي كل توهج الشعر الآن وعن قصيدة البياض التي وصفها بأنها نص اللا شعريين وعن النقد والناقد . كما عرج به الحديث إلى جائزة البوكر التي إنتقد مؤسستها و إدارتها بشدة. نكتشف تفاصيل كل هذا معا.
**: لماذا بدأتَ تواقيعك الأولى باسم "نيوسفسكي"، ما الذي عناه لك،ما الذي قدمه لك، وهل تحن له بعد أن أصبحت كل تواقيعك باسمك الحقيقي؟
** أسعد الجبوري: كان ذلك بسبب وضع سياسي قديم. الدكتاتورية فرضت ذلك .كنت وقتها هارباً عبر الحدود من العراق .وكان لا بد من التمويه خوفاً من المطاردة والاغتيال. فالتخفي تحت اسم حركي مستعار، كأنه كان مهمة كل كاتب أو كل شاعر عراقي معارض لما كان يجري في جمهورية الخوف والدم آنذاك. كانت فترة عصيبة أن تكون أنت على أرض وبلدك أرض في غير أرضك. ونصك يتشكل سحابة فوق أرض. وأحلامك في أرض وعائلتك في أرض.لقد تفتح التيه في ذهني مبكراً.الآن انتهى ذلك.ولم يعد الحنين يربطني بذلك الاسم. دخلنا مرحلة أخرى.ولا أعتقد بأن الزمن الأمريكي يحتاج هو الآخر إلى تورية وتخفي واستعارات. كل شئ مفضوح وعارٍ الآن. المؤلف والنص والورق والحبر الاليكتروني كذلك.
**: قلتَ : "لستُ فرداً.لا أشعر بذلك أثناء كتابة الشعر" كيف ذلك ، والشعر هو صوت المفرد و أكثر الفنون فردانية و خصوصية؟
** أسعد الجبوري: الشعر كما تقولين جنس فردي.هذا صحيح. وما قصدته أنا في حديث سابق يتعلق بشأن آخر: فأثناء الكتابة، أشعرُ بأنني كتيبة شعراء أو كتلة شعرية تدخل اللغة في غزوة لا في زيارة سياحية.ومن كل أولئك الشعراء الذين أكون، يستفرد بيّ الشاعر الأقوى ليكتب ما يريد. يموت الجميع ليبقى واحد يدير اللعبة في بناء النص وإطلاقه في مختلف المدارات. لذلك فأنا أتأثر بذلك الفرد الذي هو أنا.ولا يمكن الاستعانة بالجماعة من أجل كتابة الشعر. الجمع داخل الشعر إحباط للمخيلة. وضرب للحساسية الشعرية.
** :كيف تقرأ الشعرية العربية الآن ؟،حالها،ملامحها. أين توهجت أكثر و أين انطفأت أكثر؟
** أسعد الجبوري: لم تبن الشعرية العربية قلاعها الإستراتيجية بعد. ما زال يشغلها الشعراء بأنفسهم أكثر من الحداثة التي يتعلقون بحبالها في الكلام.ومع أن الحداثة الشعرية ما تزال بناء خارج أجساد الشعراء.إلا أن هذا السوء المتزايد المثقل بدكتاتوريات الرموز المريضة،لم يقف حائلاً دون إحداثة تطورات في الشعر العربي. ثمة موجات من شعراء كثر يقومون بتطهير المناخ الشعري العربي من الشعريات المصابة بالعقم. يؤسسون على الأنقاض ويعبرون المضيق،بعدما يكسرون الحصار ويتجاوزون العديد من الأسوار. قصيدة النثر هي كل توهج الشعر الآن.هي التعبير الأقوى عن الإحباط واليأس والخيبة والبطولات البهلوانية والكشف عن بؤر الخوف والاختناق والموت.فيما الشعر الوزني الكلاسيكي ،فليس لدية ما يقوله غير التغني بالأكاذيب والأمجاد التي لا وجود لها .ذلك أن الشعر العمودي في غالبيته العظمى ،لا يقوم إلا على الافتراءات والأكاذيب والأوهام وصيانة الجثث أو ترميم قطع غيار القبائل. قصيدة النثر تكشف عن وجه الجثة أو تحرقها دون تردد. فيما قصيدة الأعمدة تتستر على العفونة وتعتبرها تراث مجد وخلود وسيوف تقطر بالدم، فيما نحن ملهاة على مسرح مظلم!!.
** : أذكر مفردتك "الغربة في أن لا تكون الكتابة موطنك"،أما زلت على اعتقادك بها ؟ ألم تشعر يوما مثلا أن الكتابة غربتك؟
** أسعد الجبوري: بالتأكيد. وبعبارة أدق:اليتيم الحقيقي في عالمنا هذا، هو ذلك الكائن الذي لا يملك نصاً.الكتابة كما أعتقد هي مسقط رأس المؤلف اللا محدود.بل هي وطنه ،خاصة إذا ما قلنا بأن البلدان لم تعد خرائط تراب تتضمنها الجغرافيات. النص الخصب هو النص المغترب الذي تعيد إنتاجه الأفكار الانقلابية بشكل مستمر. هو النص اللا مقيم.والكتابة بهذا المقياس هي وطن الاغتراب الوجودي العميق.
** :ماذا أعطتك هذه الكتابة ؟
** أسعد الجبوري: أنا وجدت لأعطي الكتابة حياة ما بعد اللغة..لا لآخذ منها شيئاً. لا يوجد في الكتابة سوى القمح الضال الذي يراه المرء ولا يستطيع حصده.لا يوجد في الكتابة ما يؤخذ غير الكبرياء والمجد.إنها حقل نار. و لكنني استطعت أن أستخلص منها القلق الذي يربي الجماليات العظيمة في اللغة. الشاعر بنك خيال. و ما لم يكن كذلك، فهو شرطي لتنظيم مرور الكلمات فقط. وذلك وضع بائس ومروع.
**: "كل حداثة لدينا قائمة على ذكورة"،هكذا قلت ذات مرة،لماذا؟ وهل الذكورة هنا نقيصة وعقدة و خطاب شبه متجبر أو متجبر بامتياز؟
** أسعد الجبوري: إذا كانت الحداثة في الغرب تقوم على اختراع النظريات وتطويرها وفقاً للقوانين الاجتماعية وسواها،فهي في الجانب العربي محاكمة ذكورية لطبيعة تلك النظريات التي عادة ما توصف بالمستوردة أو المشبوهة. الذكورة العربية إزاء الحداثة بمختلف أشكالها، تندرج ضمن السؤال:ما مدى تأثير الحداثة على نسل الأمة؟ ما زال الناقد العربي يكتب بذكورته لا بشيء آخر.وكأن الفحولة هي المكون الاستراتيجي للثقافة العربية وأسس قوتها الحاضرة والمستقبلية! والذكورة سيف. و إرهاب. وعنف. وعضلات. وقطع لدابر النظر إلى ما وراء جدران الأقفاص.
** :هل أنت رقيب نصك ونفسك،أم نصك حر ولا رقابة مسلطة منك عليه؟
** أسعد الجبوري: لم أتعرف على رقيب في كتاباتي ذات يوم.الرقيب بالنسبة لي ليس غير ديناصور انقرض على صفحاتي الداخلية قبل ولادتي.هذه ليست مبالغة.ولكنني فيما أكتب من شعر،يثبت تلك الحقيقة.فأن يأخذ الشاعر الرقيب معه إلى القصيدة،فذلك لا يعني سوى الذهاب بالنص نحو المسلخ. المهم أن يجرؤ المؤلف على قتل رقيبه الداخلي أولاً،ليضمن طرد الرقيب الآخر من نصه. لقد استطعت التعايش مع لغة اللغة تلافياً لأي مأزق.أنا أرتفع بالنص إلى ما فوق قامة الرقيب،حتى يضيع أو ينشغل بأشياء أخرى.
** :بعد عدة مجموعات شعرية اتجهت للرواية و أصدرت 3 روايات،لماذا هذا الاتجاه ، وهل منحتك الرواية ما لم يمنحه الشعر ، وما الذي يمكن للرواية أن تمنحه للشاعر؟
** أسعد الجبوري: كان يوم ذهابي للرواية يوماً عظيماً.كنت هارباً للتو من قبضة الإعدام. وكان عليّ التقاط الأنفاس وكتابة سيرة شخص سياسي معارض حكم عليه بالإعدام، فحاول مغادرة العراق عن طريق مهرب دولي كان يعمل ضابطاً في الأمن الحكومي.ولو لم تقع زوجة ذلك الضابط في غرامه وتحتجزه في منزلها (منزل الشهوات) الحدودي لأيام، لكانت الأمور قد ذهبت باتجاهات أخرى. إن روايتي((التأليف بين طبقات الليل))التي أصدرها إتحاد الكتاب العرب كانت ثمرة ذلك الهروب الأول، ليس هروباً من الشعر،بل من الموت. بعدها كتبت روايتي الثانية ((الحمى المسلحة)) التي صدرت عن الشركة العربية الأوروبية ومن ثم رواية((اغتيال نوبل)) التي تمثل كما أعتقد قفزة في تاريخ الرواية العربية. ولكنها قفزة في فراغ النقد.
** : لماذا لم تدخل بها للمشاركة في جائزة البوكر العربية مثلا؟
** أسعد الجبوري: لقد شاركت العام الفائت. ولكن الأمور كما يبدو كانت شائكة ومعقدة وغامضة.
** : كيف؟
** أسعد الجبوري: لقد أصبحت جائزة بوكر العربية أشبه ببركة للرمال المتحركة. ثمة تناقضات مرعبة. لقد تُركتِْ هذه الجائزة على قارعة الطريق دون تخطيط تقني أو حماية دقيقة. لقد تخلى عنها الإماراتيون بطريقة محرجة، وهو ما أعطى انطباعات غير ودية وطيبة عن الطريقة التي تمت بها تبني مشروع الجائزة ورميها إلى خارج الحضن الخليجي، وكأنها تحمل عاراً!!. فهل تبنت دولة الإمارات مشروع هذه الجائزة من أجل عيون فلانة مثلا؟أم من أجل أمية فلان وسمسراته ؟. ما حدث برأيي يعكس عملاً يؤكد على خطيئة غير مسبوقة تعني إلغاء الشخصية المحلية لدول الخليج.
** : ماذا تعني بذلك .هل ثمة ما يريب مثلا ؟
** أسعد الجبوري: هذا سؤال يوجه إلى مؤسسة الإمارات في أبو ظبي: لماذا تم تسليم لحية جائزة البوكر إلى أشخاص لا يملكون موهبة تؤهل أحدهم للتحكم بمصير الجائزة وآفاق عملها عربياً؟.ما الثقافة العظيمة التي يتمتع بها صموئيل شمعون ليكون رئيساَ للجنة تحكيم هذه الجائزة مثلاً، وهو شخص بسيط لا يملك أية مقومات ثقافية أو نقدية تؤهله لهذا المنصب الذي رُتب إليه ترتيباً. و من هي غالية قباني أو جمانة حداد على صعيد الفقه الروائي أو البلاغة النقدية عربياً لتسند إليهن مثل تلك المهمات مقابل الدولارات والعمولات الجانبية؟ ألست هذه الأسماء أشبه بعملية تدمير مسبقة الصنع للجائزة التي حُددت بأسماء دون معنى على صعيد النقد الأدبي والتحكيم ؟. ألا يوجد في الإمارات العربية المتحدة شخصيات نقدية وثقافية مهمة ومؤثرة ولها باع طويل من أمثال القاص محمد المر والدكتور صلاح قاسم والروائي علي الرز والروائي إسماعيل فهد إسماعيل وطالب الرفاعي ويوسف المحيميد ومحمد عبيد غباش، وعلي أبو الريش وأمين صالح وسواهم من نجوم الأدب ليعهد لهم مسؤولية هذا الجائزة الإماراتية إدارة وإشرافاً وتحكيماً ؟!!.ألا يصاب الإماراتيون بالصدمة عندما يصبح عنوان جمانة حداد ((ص.ب: 280 – جونية - لبنان ))بدلاً عن أبو ظبي عنواناً لإدارة الجائزة؟!!
** : ألهذا السبب قاطعها الكثيرون كما ذكرت الصحافة العربية؟
** أسعد الجبوري: نعم. الروائيون العرب عبروا عن مرارتهم من سوء إدارة الجائزة. لقد غيب القائمون على إدارتها أكثر من ثلاثين روائياً عربياً بسبب العداوات الشخصية والمشاكل الطائفية والانتماءات الإيديولوجية والصراعات الإقليمية.
** : هل تجرب في الحياة مثلما تجرب في اللغة والمفردة والشعر؟
** أسعد الجبوري: الموتى وحدهم لا يجربون.
** : ماذا عن قصيدة البياض؟
** أسعد الجبوري: لا إيمان عندي بهذا التنظير الأبيض. قصيدة البياض كما أعتقد، هي نص اللا شعريين. قد يكون الشاعر بيضة أفعى، ولكنه لن يكون من نسل البياض. لدينا الكثير من المصطلحات الكاذبة التي تقوم على تحقير العقل.
** : ماذا عن موقع الإمبراطور، كيف نشأت فكرته؟
** أسعد الجبوري: الموقع لعموم المبدعين حول العالم. حاولنا أن نجعل الشعر موصولاً بالفنون الأخرى وملتصقاُ بالمخيلة. زوار الموقع الذين تجاوزت تعدادهم 17 مليون يمكن أن يشير إلى إننا تقدمنا خطوة نحو تحرير النص من الرمل والظلام والأقفاص.
** : لماذا برأيك هذه القطيعة أو المسافة اللا تواصلية بين أدباء الداخل وأدباء المهجر العراقيين؟
** أسعد الجبوري: القطيعة عامل هام في العمل الأدبي.لا مسافة ثابتة. كما لا علاقة مستمرة ما بين الطرفين. أنا ضد وحدة العمل الأدبي. التوحد أو الوحدة الثقافية مرض خطير يقضي على فرص الطيران.
** : روايتك (الحمى المسلحة) ستتحول إلى فيلم على يد المخرج الدنمركي لاس فونغيس، فما أخبار الفيلم، إلى أين وصل هذا المشروع الجميل، ماذا تقول عنه، خاصة وأن الرواية ستصل إلى كل العالم من خلال الفيلم؟
** أسعد الجبوري: لقد خانت المشروع الترجمة. وحال أن تجد شركة (زيتروبا) المترجم اللائق ستشهد صناعة السينما في هوليوود فيلماً مهماً. اللغة الدنمركية صعبة، لأن مساحة الإنزياحات فيها قليل.
** : هل تحلم بأن تتحول كل رواياتك إلى أفلام ؟
** أسعد الجبوري: أعتقد ذلك. لأنها أفلام مخيلة. ومن يقرأ الحمى المسلحة أو اغتيال نوبل سيتأكد من ذلك دون تردد.
** : قل ما شئت ، الفضاء لك ؟
** أسعد الجبوري: الليلُ مكسورٌ على الطاولة.
كأنه من سكان بغداد.
هكذا تخيل اللحومَ على باب المعجم أطلالاً
تقددت بالسيوف.
كأنها شعوبهُ المُغتالة دجاجاً.سمكاً
دواباً بترياق النار.
أو أو أو
هكذا ظنَ الرؤوسَ قوافلَ يانعةً
تحت مراهقة الديناميت السلفي.
أو أو أو
كان يتنزه مع خيال الرصاصة،
في القتيل.
ومن تحته الأرضُ المفخخةُ تتمددُ
وليس عليها إلا ثيابها المثقوبة
بالعيارات.
أو أو أو
مرت به الدماءُ راحلةً إلى خارج الأنابيب.
كل ذلك يحدث لسقاية الوطن..
سبورتنا المحتشمة بميول العبوات الناسفة
وكراسيّ تراثها في اللغة.
2
الخمرةُ مكسورةٌ الظهر في الكأس.
فبماذا ستحدث السكران عن بلدانٍ زجاج ٍ
فقدت بلاغتها في الكتبِ العميقة.
هل الزمن غير تلك الثمرة التالفة،
يركلها المارينزي بحذاء أمريكا
فتطير.
ويبقى معنا الكبدُ جداراً بارداً داخل
مقاطعة اللحم المُدخن بمادة التي أن تي.
ودائماً سيزيفُ بالصخرةِ ..
من أول الفم حتى آخر فهرس الهاوية.
3
كم الساعة الآن ..
لتتمرن بلادي على الإسعاف.
وكم لنبلغَ الاحتفال في الجنازة الثملة.
أسئلةٌ كعلب التبغ.
تدخنُ أسئلةً حتى مدخل
المستشفى.
وكل قتيلٍ قراءةٌ تضيفُ للموتِ
هامشاً في المشرحة.
حـاورته / نـوّارة لـحـرش
إضافة تعليق جديد