مستقبل السياسات الأمريكية بقيادة باراك أوباما (4)
الجمل: اهتم الرأي العام الأمريكي بالانتخابات الرئاسية الأمريكية لجهة تأثيراتها على توجهات السياسة الداخلية الأمريكية، واهتم الرأي العام العالمي بهذه الانتخابات لجهة تأثيراتها على توجهات السياسة الخارجية الأمريكية، وبهذا الخصوص، تفاوتت التساؤلات بين كل منطقة وأخرى، ففي أوروبا تتساءل التحليلات حول التغيير المتوقع في علاقات عبر الأطلنطي وتأثيراتها على مستقبل الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، وفي روسيا تتساءل التحليلات حول مستقبل الصراع الروسي – الأمريكي الذي تزايدت سخونته خلال الأشهر الماضية، أما في الشرق الأوسط فهناك الكثير من التساؤلات المتعلقة بمستقبل الصراع والسلام في المنطقة..
* البعد الغائب في التحليلات السياسية العربية:
نظرت التحليلات السياسية العربية المتداولة إلى نتيجة الانتخابات باعتبارها مؤشر لحدوث بعض التغيرات في توجهات السياسة الخارجية الأمريكية إزاء منطقة الشرق الأوسط، وتجدر الإشارة إلى أن سطحية التحليلات السياسية العربية تمثلت في التركيز على توجهات طرق الصراع خلال فترة الحملة الانتخابية بنفس الطريقة التي يستخدمها المعلقون الرياضيون في تحليلات منافسات كأس العالم والمباريات بين ألمانيا وإيطاليا والبرازيل وفرنسا...
البعد الغائب في هذه التحليلات يتمثل في إغفالها للعامل الأكثر أهمية المتمثل في مدى الارتباط بين متغير السياسة الداخلية ومتغير السياسة الخارجية في أمريكا، وقد أكدت معطيات الخبرة التاريخية أن كثيراً من الإدارات الأمريكية جاءت وهي تتطلع إلى القيام بإحداث التغييرات الحاسمة في مجال السياسة الخارجية الشرق أوسطية، ولكنها لم تستطع القيام بذلك، حرباً أو سلماً، وبوضوح أكبر لم تستطع إدارة كلينتون الديمقراطية تحقيق السلام رغم جهودها ولم تستطع إدارة بوش توسيع الحرب رغم جهودها..
* الدبلوماسية السورية ومعطيات خبرة مواجهة السياسة الخارجية الأمريكية الشرق أوسطية:
لجهة الطابع العام لم يحدث على مدى الستين عاماً الماضية، أن التزمت السياسة الخارجية الأمريكية الحيادية والنزاهة في التعامل مع قضايا وملفات الشرق الأوسط وعلى هذه الخلفية تميزت توجهات الدبلوماسية الأمريكية إزاء المنطقة بالآتي:
• الانحياز غير المحدود لصالح إسرائيل.
• توظيف حلفاء أمريكا في المنطقة لصالح إسرائيل.
• استخدام الضغوط المتزايدة ضد خصوم إسرائيل في المنطقة، وعلى وجه الخصوص سوريا.
على هذه الخلفية، واجهت الدبلوماسية السورية الدبلوماسية الأمريكية خلال العشرين عاماً الماضية ويمكن تلخيص الطابع العام لهذه المواجهة على النحو الآتي:
• خلال فترة إدارة كلينتون الديمقراطية الأولى والثانية، ركزت الدبلوماسية السورية على التمسك بالحقوق في مواجهة الضغوط الاتصالية الأمريكية التي تمت عن طريق استخدام الأدوات الدبلوماسية المختلفة كأسلوب المفاوضات وأسلوب مبعوثي السلام الأمريكيين والوعود بتقديم المعونات والمساعدات..
• خلال إدارة بوش الجمهورية الأولى والثانية، ركزت الدبلوماسية السورية على عدم الانصياع للتهديدات القادمة من واشنطن وتل أبيب وهي تهديدات أخذت طابع محاولة فرض العزلة الدبلوماسية والغارات العدوانية وفرض العقوبات وتوظيف ملف الإرهاب وملف الأزمة اللبنانية لبناء الذرائع وتوظيف ملف الأزمة العراقية لجهة "الاستهداف العسكري" وما شابه ذلك.
الآن وبعد حلول إدارة أوباما الديمقراطية محل إدارة بوش الجمهورية هل ستواصل الإدارة الجديدة –برغم ديمقراطيتها- نفس توجهات إدارة بوش الجمهورية إزاء سوريا والشرق الأوسط أم أنها ستعود إلى مواصلة بما بدأته إدارة كلينتون الديمقراطية الذي لم يكتمل بسبب صعود إدارة بوش الجمهورية مكانها؟
في معرض الإجابة على هذا السؤال، تختلف توجهات المحللين السياسيين العرب بين فريق يراهن على أن أوباما سيواصل ما كان يقوم به بوش إزاء الشرق الأوسط وفريق يراهن على أن أوباما سيعود لمواصلة مسيرة بيل كلينتون الشرق أوسطية، وفريق ثالث يكتفي بالتوصيف الشكلي – التقريري وامتنع عن الرهان وفقاً لقاعدة المثل الإنجليزي الشهير "دعنا ننتظر ونرى..".
ولكن، ما يجب الانتباه إليه جيداً، عند محاولة الإجابة على التساؤلات المتعلقة بطبيعة السياسة الخارجية الأمريكية المقبلة يتوجب الاستناد إلى تحليل العلاقة بين متغير السياسة الداخلية الأمريكية ومتغير السياسة الخارجية الأمريكية، والتعرف على طبيعة هذه العلاقة في الفترة الحالية والمقبلة:
• ما هو المتغير التابع وما هو المتغير المستقل؟ وهل ستكون الأولوية لمتغير السياسة الداخلية أم متغير السياسة الخارجية؟ وكيف سترتب الإدارة الجديدة أولوياتها وجدول أعمال سياساتها الداخلية منها والخارجية؟
• الكيفية التي ستتم بها عملية صنع واتخاذ القرار في السياسة الخارجية الأمريكية. بكلمات أخرى، لمن ستكون الأولوية؟ للمصالح الخارجية أم الداخلية؟ وكيف سيتم تكييف ذلك، بتكييف المصالح الخارجية مع الداخلية أم العكس؟
• بأدوات السياسة الخارجية الأمريكية الخمسة: السياسية – الاقتصادية – الاجتماعية – العسكرية – الاستخبارية، لمن ستكون الأولوية في الفترة القادمة؟ وإذا كانت إدارة بوش قد أعطت الأولوية للأدوات العسكرية والاستخبارية، فهل ستعطي إدارة أوباما الأولوية للوسائل الاقتصادية والسياسية؟
وعلى خلفية هذه التحديات، نجد أن محاولة التمييز والمفاضلة الاستباقية بين سياسة أوباما الخارجية وسياسة بوش الخارجية إزاء الشرق الأوسط هي محاولة تفيد لجانبين:
• جهة التمايز: على أساس اعتبارات أن دبلوماسية إدارة بوش الجمهورية ظلت تراهن على جدوى استخدام الوسائل والأدوات العسكرية والأمنية، بينما دبلوماسية إدارة أوباما الديمقراطية فستراهن على استخدام الوسائل الاقتصادية والسياسية.
• جهة التماثل: تتمثل في أن كل الوسائل الدبلوماسية التي استخدمتها إدارة بوش الجمهورية وستستخدمها إدارة أوباما الديمقراطية ستكون متماثلة لجهة التأكيد على الآتي:
- مسار التأكيد على الطابع التدخلي للدبلوماسية الأمريكية في الشرق الأوسط وذلك بسبب الاعتبارات المتعلقة بضمان أمن إسرائيل.
- مسار التأكيد على استخدام الضغوط كوسيلة للدبلوماسية الأمريكية في الشرق الأوسط لجهة العمل من أجل الضغط على خصوم إسرائيل بما يؤدي إلى إكراههم وقسرهم لتعديل مواقفهم.
وبرغم الاختلاف والتماثل فإن سياسة إدارة أوباما الخارجية إزاء الشرق الأوسط يمكن أن تتخلى عن التوجهات التدخلية ولكن حصراً إذا حدث الآتي:
• إذا أدركت إدارة أوباما طبيعة التأثير المتبادل بين السياسة الخارجية وتأثير ذلك على المصالح الأمريكية.
• إذا استطاعت إدارة أوباما التخفيف من تأثير ضغوط اللوبي الإسرائيلي لجهة توجيه قرار السياسة الخارجية الأمريكية الشرق أوسطية.
التفاؤل إزاء خيارات إدارة أوباما إزاء الشرق الأوسط يحمل قدراً من عدم التفاؤل لجهة ارتفاع احتمالات أن تنخرط إدارة أوباما في سياسة خارجية شرق أوسطية تدخلية بالوسائل الاقتصادية والسياسية، وانخفاض احتمالات أن تنخرط إدارة أوباما في سياسة خارجية شرق أوسطية متوازنة لجهة التأكيد على أن حل أزمة الشرق الأوسط هو أمر ممكن، إذا اعتمدت السياسة الخارجية الأمريكية جدول أعمال يقوم على أساس اعتبارات الضغط باتجاه فرض الحلول العادلة المشروعة على أطراف الصراع.
* دائرة صنع القرار في السياسة الخارجية الأمريكية:
تقول التسريبات الواردة من واشنطن بأن السياسة الخارجية الأمريكية الخاصة بإدارة أوباما الديمقراطية ستلعب العناصر الآتية دوراً كبيراً في عملية صنع قرارها:
• سوزان رايس: تولت الكثير من المناصب الهامة خلال فترة إدارة كلينتون إضافة إلى توليها المهام البحثية في مراكز الدراسات ذات التوجهات الديمقراطية وتحديداً في الجوانب المتعلقة بالسياسة الخارجية الأمريكية.
• أنطوني ليك: برغم انتمائه الديمقراطي فإنه يرتبط بعلاقات وثيقة مع الجمهوريين وقد سبق وعمل في منصب مستشار الأمن القومي الأمريكي خلال إدارة كلينتون الأولى وتقول التسريبات أن فرصته في تولي منصب في الخارجية أو في مجلس الأمن القومي تعتمد على مدى فعالية جماعات اللوبي الإسرائيلي في فرضه على قيادة الحزب الديمقراطي وذلك لأن ليك تعرض لحملة من الانتقادات بسبب تقصيره في مذبحة رواندا.
• زبينغنيو بريجنسكي: يعتبر من أبرز خبراء السياسة الخارجية الأمريكية، ولكن من أبرز الانتقادات الموجهة له بأنه المسؤول الأول عن دفع إدارة كارتر لتقديم الدعم للمجاهدين الأفغان خلال حربهم ضد القوات السوفيتية، وينظر إليه بعض الأمريكيون باعتباره المسؤول عن نشوء الحركات الإسلامية الموجودة في مناطق شبه القارة الهندية وآسيا الوسطى وبناء على ذلك يلقبه البعض باسم "صانع القاعدة".
• ريشارد كلارك: عمل خلال إدارة بوش الأولى كبيراً لمستشاري مستشار مجلس الأمن القومي لشؤون مكافحة الإرهاب ولكنه انقلب على إدارة بوش بعد أحداث الحادي عشر من أيلول وغزو أفغاشنستان والعراق، وتقول المعلومات أيضاً أنه سبق له العمل كمستشار لشؤون مكافحة الإرهاب لدى الوزير مادلين أولبرايت خلال توليها وزارة الخارجية في إدارة كلينتون الديمقراطية.
• إيفو دالدار: محلل سياسي أمريكي بارز وبكن تحوم حوله شبهات علاقاته بجماعة المحافظين الجدد وبالذات زعيمها روبرت كاغان الذي ساهم معه في إعداد الكثير من الدراسات والبحوث المشتركة.
• دينيس روس: تولى منصب مدير التخطيط السياسي في وزارة الخارجية الأمريكية خلال إدارة بوش الأب الجمهورية ثم تولى منصب المبعوث الأمريكي الخاص للسلام في الشرق الأوسط خلال إدارة كلينتون الديمقراطية وتحوم حولوه الشبهات الآتي:
- تأييده للحرب في العراق.
- عمله كمحلل سياسي لشبكة فوكس نيوز التابعة لجماعة المحافظين الجدد.
- عمله كخبير سياسي في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى التابع للوبي الإسرائيلي.
- ارتباطه بالمنظمات والجمعيات اليهودية الأمريكية الناشطة في أمريكا.
- ارتباطه بمجتمع اليهود الأمريكيين لأن أمه يهودية أمريكية.
• لاورانس كورب: يعمل خبيراً ومحللاً سياسياً في مراكز الدراسات التابعة للديمقراطيين وبرغم انتقاداته الواسعة لحرب العراق فإن العديد من الشبهات تحوم حوله بسبب:
- مطالبته بزيادة حجم القوات الأمريكية في العراق ونشر المزيد من القواعد العسكرية وتوسيع دائرة الحرب الأمريكية ضد الإرهاب.
- استخدام القوات الأمريكية والتدخل العسكري لتغيير أنظمة الشرق الأوسط وتحويلها إلى أنظمة تعتمد التعددية الليبرالية على غرار النموذج الأمريكي.
• بروس رايديل: يعمل محللاً سياسياً في مراكز الدراسات التابعة للديمقراطيين ولكن يعاب عليه تبني الآراء:
- توسيع نطاق دائرة الحرب ضد الإرهاب.
- التدخل في المزيد من بلدان العالم تحت ذرائع محاربة تنظيم القاعدة وحق الولايات المتحدة في القيام بعمليات التعقب الساخن ضد الإرهاب للدفاع عن النفس.
- تبني المواقف المتطرفة لجهة المطالبة بتوسيع الحرب في أفغانستان وباكستان وانتهاج سياسية خارجية تدعم ضم إقليم كشمير نهائياً إلى الهند.
• ستيفن فلاين: يعمل محللاً سياسياً في بعض مراكز الدراسات التابعة للديمقراطيين ولكن يعاب عليه تبنيه للآراء الآتية:
- ضرورة أن تقوم الإدارة الأمريكية بابتكار نظام أمني على غرار النظام الفيدرالي الأمريكي.
- أن تقوم الإدارة الأمريكية بتقسيم أمريكا إلى مناطق أمنية – عسكرية تتضمن كل واحدة منها مجالس ولجان فرعية لمكافحة الإرهاب.
- أن تشارك الولايات والمحليات في تمويل حملات الحرب ضد الإرهاب.
• مادلين أولبرايت: تولت منصب وزيرة الخارجية الأمريكية في فترة إدارة كلينتون ثم تولت عضوية مجالي إدارات بعض مراكز الدراسات السياسية التابعة للديمقراطيين وسبق أن تولت منصب السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة، ولكن تحوم حولها الشبهات لتورطها في:
- التباطؤ في مواجهة مذبحة رواندا وتداعياتها.
- المطالبة المستمرة بتشديد العقوبات ضد العراق خلال فترة إدارة كلينتون.
- عندما سمعت بالمعلومات حول موت أكثر من نصف مليون طفل عراقي بسبب العقوبات، علقت للصحافة قائلة بأن هذا العدد قد مات في هيروشيما!!
هذا، وقد علق البروفيسور الكندي ميشال خوسودوفسكي قائلاً بأن الطاقم الذي يقوم بصنع القرار في السياسة الخارجية الخاص بإدارة أوباما سوف لن يختلف كثيراً عن الطاقم الذي كان سيختاره جون ماكين لو فاز بالانتخابات الرئاسية وذلك لأن كلا الاثنين سيركز على الاختيار من بين أوساط الخبراء الموجودين في معهد بروكينغز ومجلس العلاقات الخارجية وغيرها من مراكز الدراسات السياسية التي قد تختلف في كل شيء إلا في الوقوف فإلى جانب إسرائيل.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد