فيلم وعود شرقية .. المافيا وحيونة الإنسان
في سينما الشام وهو فيلم ينتمي لأفلام العنف والجريمة، ففي المشهد الأول يتم ذبح شخص في محل للحلاقة الرجالية بدم بارد والكاميرا تنقل لنا تفصيل عملية الذبح المرعبة و لا تتوارى خلف إيحاءات.. فعملية القتل تجري بأبشع صوره بواسطة سكين الحلاقة..وتنتهي برزمة نقود أجر الحلاق وقريبه، فالنقود هي (أجمل شيء في الحياة)كما يعبر كيريل
أحداث الفيلم تدور عشية عيد ميلاد السنة الجديدة في لندن ، أبطاله من الروس المهاجرين وأبنائهم الذين يؤلفون عصابات المافيا التي تتشعب علاقاتها مع عصابات أخرى وأجهزة استخبارات...
يركز الفيلم على محور واحد هو (منهج وأسلوب عمل المافيا الروسية)، والتصفيات المتبادلة بين أفرادها وجماعاتها، وكيف تسعى أجهزة الأمن الروسية والبريطانية إلى اختراقها والسيطرة عليها، بينما لا يقترب الفيلم من المشكلات الاجتماعية التي قد يواجهها المهاجرون الروس في المجتمع البريطاني...
الفيلم هو أحدث أفلام المخرج الكندي ديفيد كروننبرج، المعروف بأفلامه المغرقة في المناظر المقززة والعنيفة والغريبة والصادمة في آن، يعتمد المخرج أسلوب الفيلم البوليسي المثير، من خلال جريمة قتل فتاة أرغمها زعيم إحدى المافيات الروسية على احتراف الدعارة، واغتصبها ثم ضربها بعد أن عرف أنها حاملا منه.
تقع الفتاة في صيدلية وهي تصرخ ساعدوني مع تدفق الدماء منها في مشهد بمنتهى القسوة، يحدث قطعا هنا لنرى الممرضة الشابة الروسية الأصل بجانب المصابة فيما الطبيب يقول أنقذنا الجنين وماتت الأم..
تتطور القصة بعد أن تكتشف الممرضة ، وجود مفكرة في حقيبة المتوفاة دونت فيها الفتاة الروسية يومياتها تفصيلا، تقول الفتاة في صفحة مفكرتها الأولى (توفي والدي في منجم وأنا صغيرة والمنجم هو القبر كما هي أرض روسيا.. )في إشارة لحقبة الاتحاد السوفيتي كغمز سياسي للنظام الاشتراكي السابق الذي تحولت أرضه لمقبرة...
الممرضة لا تعرف اللغة الروسية، فتلجأ إلى زوج أمها ليترجم لها المذكرات فيرفض قائلا إن الأشياء الخاصة يجب دفنها مع الميت ولا يجوز لأحد الاطلاع عليها..
لكن وجود كرت في المفكرة مكتوب عليه اسم مطعم وعنوانه يفتح أمام الممرضة خزائن أسرار المافيا الروسية، يرحب صاحب المطعم بالممرضة بوجه بشوش طيب ودود ويعدها بترجمة المفكرة التي تتضمن أسراره كزعيم مافيا يخفي مظهره الخارجي عنف لا يحد في داخله إضافة لأسرار ابنه وسائقهما.. المفكرة خطر على المافيا لذلك يلجأ زعيم المافيا مع الممرضة للمقايضة بين (الطفلة)والمفكرة..
أم الممرضة فتقنع زوجها العميل السابق لـ (كي جي بي) بترجمة المفكرة ومع قراءة محتوياتها لزوجته نكتشف عالما من الجريمة المروع...يطلب زعيم المافيا من السائق قتل زوج أم الممرضة لكونه قرأ المفكرة ...لكن في لحظة إنسانية يبعد السائق زوج الأم إلى مدينة أخرى عوضا عن قتله...
يدفع القلق الزعيم لأمر ابنه بخطف الطفلة من المستشفى ورميها في البحيرة كما فعل في جثة الشخص الذي قتل في بداية الفيلم على يد الحلاق المأجور، وفي مشهد مؤثر يناغي ابن زعيم المافيا الطفلة الباكية رغم أنه يهم بإلقائها في الماء وهو يقول أنه لا يستطيع مخالفة الأوامر في هذه اللحظة يصل السائق برفقة الممرضة فيخاطب السائق معلمه كيريل (نحن لا نقتل الأطفال.. ويجب أن تصبح الزعيم بعد قتلنا لأبيك) وفي لحظات صراع بين الجانب الإنساني الكبير عند كيريل وقانون المافيا ينتصر الجانب الإنساني فيسلم كيريل الطفلة للممرضة..
يغالي المخرج في تصوير مشاهد العنف والقتل ومشاهد الدم، فنحن نرى بشكل تفصيلي كيف يقوم أفراد المافيا بتقطيع أصابع رجل قتلته المافيا الروسية ثم أرادوا التخلص من جثته، بحيث لا يمكن التعرف عليه من خلال بصمات أصابعه، قبل إلقاء الجثة في نهر التايمز العابر للندن.
إضافة لمشاهد المشاجرات العنيفة التي تصل إلى حد غرس سكين مدبب في عين رجل، ودق مسمار ضخم في يد رجل آخر، وقطع الرأس وفصلها تماما عن الجسد مع تناثر الدم في كل مكان، وغير ذلك من المناظر المصحوبة بمؤثرات صوتية شديدة التأثير على النفس.
يتميز فيلم وعود شرقية في براعة مخرجه الشديدة في الإخراج والابتكار في تصميم الحركة ضمن المشاهد والسيطرة عليها واستخراج أكبر شحنة من الإثارة من داخلها عبر توليف ذكي بين أداء الممثل والموسيقا والمكياج والمؤثرات الخاصة، في حين يؤدي الممثل الألماني الشهير أرمين موللر ـ ستال دور سيمون (زعيم المافيا) بأسلوب رائع وممتع رغم بشاعة الدور والتناقض بين مظهره الإنساني الوديع وبشاعة ما يقوم به من عمليات قتل وتصفيات....
المخرج الكندي ديفيد كروننبرج. أخرج عشرين فيلما حتى الآن ولد عام 1943 في تورونتو. ودرس الأدب الإنجليزي وتخرج، 1967 وبدأ صنع الأفلام وهو طالب عام 1965 حيث أخرج فيلمين قصيرين. ثم 18 فيلما طويلا خلال (40 ) من مسيرته السينمائية، من أفلامه (ذبابة) 1986. و(الغذاء العاري)1992 و(تصادم) 1996 و(تاريخ للعنف)2005.
أحمد الخليل
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد