كيف سيراوغ بيرلوسكوني الوكالة الذرية للوصول إلى إيطاليا نووية
الجمل: أكدت التقارير وجود صفقة إيطالية – فرنسية تقوم بموجبها فرنسا تطوير القدرات النووية الإيطالية، وبرغم أن ظاهر الصفقة يشير إلى أن التعاون النووي الإيطالي – الفرنسي سيركز على تعزيز الاستخدامات المدنية السلمية، فإن باطن الصفقة يسير إلى المزيد من الدلالات الغامضة المبهمة.
* ماذا تقول المعلومات؟
جرى على خط روما – باريس الحدث اللافت للانتباه عندما وقعت روما مع باريس يوم 24 شباط 2009 اتفاقية تعاون نووي تقوم بموجبها باريس بصيانة وتطوير أربعة على الأقل من المفاعلات النووية الإيطالية "إيبر". وقد تمت عملية التوقيع في العاصمة الإيطالية روما بواسطة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ورئيس الوزراء الإيطالي سلفيو برلوسكوني، وتعتبر عملية التوقيع على هذه الاتفاقية بمثاية نقطة الانطلاق الجديدة للبرنامج النووي الإيطالي الذي تعطل طويلاً وفي هذا الخصوص تشير معطيات خبرة هذا البرنامج إلى الآتي:
• في عام 1987 وتحديداً بعد مرور 19 عاماً على كارثة مفاعل تشرنوبيل تزايدت الانتقادات الرافضة في الشارع الإيطالي إزاء القيام بنشر الطاقة النووية في إيطاليا.
• صوت الإيطاليون في الاستفتاء بأغلبية عالية لصالح رفض التوسع في صناعة الطاقة النووية.
• بعد رفض الإيطاليين بشهرين وقع رئيس الوزراء الإيطالي آنذاك جيوفاني غوريا قراراً بإبطال العمل في مفاعل مونتالتو دي كاسترو الواقع شمال العاصمة روما التي كان آنذاك قد شارف على الانتهاء.
• تم خلال العام 1990 إغلاق اثنين من محطات التوليد الكهربائي النووي الموجودتين في منطقة شمال غرب إيطاليا.
موقف الرأي العام الإيطالي المعادي للطاقة النووية كان بسبب صعود حركة الخضر في إيطاليا وسائر أوروبا إضافة إلى مخاوف الإيطاليين من تكرار سيناريو تشرنوبيل إضافة إلى أن حجم إيطاليا الصغير سيجعل منها غير قادرة على الصمود في وجه كارثة نووية فكارثة تشرنوبيل بلغ تأثيرها الإشعاعي أضعاف مساحة إيطاليا.
* الأبعاد غير المعلنة: نوايا روما النووية:
خلال الفترة من عام 1987 حتى 2009 جرت مياه كثيرة على الطواحين الأوروبية ومنها الطاحونة الإيطالية، فقد تزايدت تطورات الأحداث والوقائع الإقليمية والدولية بما دفع الرأي العام الإيطالي والنخبة السياسية الإيطالية إلى إدراك أهمية بناء القدرات الإيطالية، وفي هذا الخصوص سعت روما إلى:
• بناء القدرات الاقتصادية عن طريق رفع معدلات التجارة الإقليمية والاستثمارات الإيطالية العابرة للحدود وعلى وجه الخصوص مع دول الشرق الأوسط والقوقاز وآسيا الوسطى وإفريقيا.
• بناء القدرات العسكرية عن طريق التوسع في تدريب العناصر البشرية وإنتاج المزيد من الأسلحة التقليدية.
• بناء القدرات السياسية عن طريق تعزيز قدرات الدبلوماسية الإيطالية والدخول في المزيد من العلاقات الثنائية مع بلدان العالم الثالث.
الإدراك الإيطالي لأهمية بناء القدرات جاء على خلفية صعود تكتل الاتحاد الأوروبي الذي وجدت فيه إيطاليا نفسها دولة من الدرجة الثانية في مواجهة ألمانيا وفرنسا وبريطانيا علماً أن إيطاليا ظلت على مدى عشرات القرون تمثل الفارس الأوروبي المغوار.
ظهور إيطاليا كدولة من الدرجة الثانية أدى لإشعال المشاعر القومية في أوساط الإيطاليين الأمر الذي أدى لصعود حركات يمين الوسط واليمين الإيطالي وإقصاء حركات اليسار ويسار الوسط التي كانت تملأ الساحة الإيطالية.
* الخيار النووي الإيطالي: إلى أين؟
يقول الإيطاليون أنهم يريدون تحقيق الاكتفاء الذاتي من الكهرباء، وبكلمات أخرى يرى الإيطاليون ضرورة أن تنتهي روما من استيراد الكهرباء من فرنسا لأن ذلك سيؤدي إلى المعاناة من التبعية لفرنسا في مجال الطاقة.
المشكلة التي ستواجه إيطاليا تتمثل في أن بناء القدرات النووية العسكرية غير ممكن لأن هزيمة إيطاليا وألمانيا واليابان في الحرب العالمية الثانية كان من أبرز نتائجها الإقرار الإيطالي – الألماني – الياباني بالخضوع لضوابط عمليات ضبط التسلح المفروضة بواسطة الحلفاء الذين انتصروا بقيادة الولايات المتحدة.
برغم ذلك، وعلى غرار القول السائد بأن السياسة هي فن الممكن، فقد ظلت النخب الإيطالية تتحمل طوال الخمسة وستين عاماً الماضية تبعات وجود إيطاليا غير نووية في ظل جود القوى النووية الكبرى (أمريكا – الصين – فرنسا - بريطانيا...) وقد أصبح من غير الممكن إن لم يكن من المستحيل لهذه النخب تحمل وجود إيطاليا غير نووية في ظل وجود قوى نووية جديدة كالهند وباكستان وكوريا.. وربما إيران.
السؤال المحرج: كيف سيراوغ بيرلوسكوني وكالة الطاقة الذرية الدولية وواشنطن ومجلس الأمن الدولي وروسيا وفرنسا وبريطانيا وإسرائيل والاتحاد الأوروبي لإعداد وتنفيذ سيناريو إيطاليا النووية!!؟
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد