بعدخمس سنوات على حكم المحافظين: اليونان تديرالدفة باتجاه اليسار
الجمل: شهدت الساحة السياسية اليونانية يوم أمس الأحد 4 تشرين الأول 2009 معركة الانتخابات البرلمانية العامة التي انجلى غبارها مساء اليوم نفسه بحصول الحركة الاشتراكية الهيلينية (PASCO) بزعامة جورج باباندريو (الصورة) على 43.94% من إجمالي الأصوات مقابل 33.48% من الأصوات حصل عليها تيار الديمقراطية الجديدة اليميني (ND) الذي يتزعمه كوستاس كارامانليس، أما بقية الأصوات فتوزعت بين بقية الأطراف المتنافسة.
* توازن القوى الجديد في الساحة السياسية اليونانية:
يتكون البرلمان اليوناني من 300 مقعداً وعلى أساس اعتبارات التحليل المقارن يتضح لنا أن جولة الانتخابات البرلمانية العامة الأخيرة أحدثت تغييراً معتبراً في صيغة معادلة توازن القوى داخل البرلمان الجديد ويمكن الإشارة إلى ذلك على النحو الآتي:
• زادت مقاعد الحركة الاشتراكية 58 مقعداً وبالتالي أصبح إجمالي مقاعد الاشتراكيين في البرلمان 160 مقعداً بعد أن كان 102 مقعداً.
• خسرت الحركة الديمقراطية الجديدة 61 مقعداً وبالتالي أصبح إجمالي مقاعدها في البرلمان 91 مقعداً بعد أن كان 152 مقعداً.
إضافة لذلك نلاحظ أن عدد الأطراف السياسية التي خاضت الانتخابات هو 24 وبلغ عدد الأطراف التي حصلت على مقاعد في البرلمان 5 فقط، أما الـ19 الآخرون فلم يحصلوا على أي مقاعد بسبب عدم قدرتها على الحصول على الأصوات التي تتيح لها ملاءة برلمانية، وتقودنا هذه الملاحظة إلى الآتي:
• وجود تمركز تصويتي مكثف يتمحور حول القوتين السياسيتين الرئيسيتين: الحركة الاشتراكية الهيلينية التي يتزعمها جورج باباندريو، والحركة الديمقراطية الجديدة التي يتزعمها كوستاس كارامانليس.
• حصلت ثلاثة أطراف أخرى على عدد قليل من المقاعد هي: الحزب الشيوعي 21 مقعداً، التجمع الشعبي الأرثوذكسي 15 مقعداً، تحالف اليسار الراديكالي 13 مقعداً.
على هذه الخلفية نلاحظ أن الحركة الاشتراكية تستطيع بكل سهولة الحصول على مساندة الحزب الشيوعي واليسار الراديكالي بما يعني أن وزنها الحقيق سيكون 194 مقعداً، وفي حالة الحصول على مساندة سبعة من نواب البرلمان سيكون العدد قد وصل إلى 201 مقعداً بما يكفي لتحقيق أغلبية الثلثين التي تتيح الإدارة المطلقة للسلطتين التشريعية والتنفيذية.
* الصراع اليوناني – اليوناني: الطبيعة والخصوصية:
على أساس العلاقة الوثيقة بين الاقتصاد والسياسية يتم ترسيم خطوط كل الصراعات السياسية على أساس معطيات وإسقاطات منظور صراع السلطة والثروة، وبكلمات أخرى فإنه بسبب الصراع على الثروة يدور الصراع على السلطة وبسبب الصراع على السلطة يدور الصراع حول الثروة.
• الصراع على الثروة: يبلغ حجم الناتج الإجمالي اليوناني حوالي 351.8 مليار دولار حسب إحصائيات عام 2008 ويبلغ متوسط الدخل السنوي للفرد حوالي 32800 دولار كما يعتمد الاقتصاد اليوناني على السياحة والملاحة والنسيج والتبغ والكيماويات والصناعات الحديدية والغذائية. أما أبرز شركاء اليونان التجاريين فهم ألمانيا، إيطاليا، قبرص، بلغاريا، رومانيا، فرنسا، الولايات المتحدة، تركيا، إسبانيا. هذا، ويخضع تنظيم الاقتصاد اليوناني لمبادئ الاقتصاد السياسي الرأسمالي وقد كان واضحاً أن التزام اليونان بعضوية الاتحاد الأوروبي سيفرض عليها الالتزام بمبادئ اقتصاد السوق الرأسمالي إضافة إلى ارتباط اليونان التاريخي خلال فترة الحرب الباردة بالولايات المتحدة وبذلك استطاعت قوى اليمين المحافظ السيطرة على السلطة في مواجهة اليسار اليوناني الذي كان يسيطر على النقابات ومنظمات المجتمع المدني.
• الصراع على السلطة: تطور الاتحاد الأوروبي وصعوده القوي مع وجود اليونان كبلد أوروبي مؤسس ساعد حركات وقوى اليمين اليوناني في إبقاء سيطرتها على السلطة ولكن على خلفية الأزمة الاقتصادية الحالية وضغوطها الزاحفة أصبح الاقتصاد اليوناني يواجه المزيد من المصاعب والضغوط الأمر الذي أدى إلى اندلاع حركات الاحتجاج السياسي بشكل متزايد وعلى وجه الخصوص خلال الأشهر الماضية ضد حكومة الحركة الديمقراطية اليمينية.
تحت تأثير ضغوط الأزمة الاقتصادية وتزايد الاحتجاجات السياسية اضطر الزعيم اليميني كارامانليس إلى الإعلان في 2 أيلول 2009 أنه سيطلب من الرئيس اليوناني كارلوس بابولياس حل البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة، الأمر الذي أدى إلى تهدئة الاحتجاجات ضده، وبالفعل فقد أعلن الرئيس بابولياس حل البرلمان وعقد الانتخابات المبكرة التي كان محدداً لها أن تتم في أيلول 2011.
أدى حل البرلمان إلى إشعال الشارع السياسي لجهة تزايد عمليات التسويق السياسي وكان جدول أعمال السياسة الداخلية اليونانية هو الطاغي على جدول أعمال السياسة الخارجية اليونانية وبكلمات أخرى كانت شعارات الإصلاح الاقتصادي وضرورة التراجع عن برامج الليبرالية الجديدة هي الأكثر نجاحاً في التأثير على تفضيلات الناخبين اليونانيين.
وهكذا فقد صعد اليسار اليوناني بقيادة يسار الوسط الاشتراكي وأقصى اليسار الشيوعي والراديكالي مسيطرين على البرلمان وبالتالي على تشكيل الحكومة الجديدة.
* جدول أعمال حكومة اليسار اليوناني: إلى أين؟
بالتأكيد لن تكون الحكومة اليونانية الجديدة حكومة يسار بالمعنى التقليدي المتعارف عليه، ولكنها بالأحرى ستكون حكومة يسار الوسط اليوناني وبالتالي ستظل بنية الاقتصاد وهيكليته كما هي وما هو جديد سيتمثل في الآتي:
• اللجوء للوسائل الاقتصادية الكلية لتخفيف الضغوط ومنها زيادة الضرائب على الواردات وتقليل الضرائب على الصادرات، وتقليل الضرائب على الرواتب مع زيادة الضرائب التجارية والرأسمالية.
• تطبيق سياسات الحد من التضخم.
• التحول من الليبرالية الجديدة باتجاه تطبيق الكينزية الاقتصادية التي تقوم على تدخل الدولة في الاقتصاد ولكن بشكل محدود.
• رفع مستوى التوظيف وزيادة فرص العمل مع زيادة معدلات الضمان الاجتماعي.
برغم ذلك، فمن الصعب أن تنجح حكومة الاشتراكيين في إنقاذ الاقتصاد اليوناني من "إنفلونزا الليبرالية الجديدة" التي أصبحت عدواها أكثر انتشاراً بسبب صعود قوى يمين الوسط في كل من فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا وهي القوى المسيطرة على مقاليد الأمور في السياسة الأوروبية واستطاعت هذه القوى أن تسيطر على البرلمان الأوروبي والمجلس الأوروبي، فهل ستصبح اليونان جزيرة اشتراكية تحكمها قوى يسار الوسط في بحر متلاطم من الليبرالية الجديدة التي تسيطر عليها قوى يمين الوسط؟ هذا ما ستجيب عنه الأرقام والإحصائيات القادمة..
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد