الصراع على دارفور: توازن التهديد ومستقبل السلام
الجمل: شهدت العاصمة القطرية الدوحة مؤخرا قيام الحكومة السودانية وحركة العدل والمساواة بتوقيع الصيغة النهائية لما أطلقت عليه تسمية "الاتفاق الطارئ", هذا, وقد صدرت المزيد من التصريحات المتفائلة باحتمالات أن يكون هذا الاتفاق الطارئ, بمثابة الخطوة الأساسية التي تقود إلى تحقيق السلام والاستقرار في إقليم دارفور المضطرب.
الاتفاق الطارئ لسلام دار فور: الخلفيات والمكونات:
يعتبر الاتفاق الطارئ الذي تم التوقيع عليه في الدوحة, بمثابة السياق الكلي الذي سوف يتضمن محتوى مفاوضات السلام, وكما هو معروف وفقا لتقاليد معطيات خبرة التفاوض, أن أطراف التفاوض, وبمساعدة الوسطاء الدوليين والإقليميين, تسعى إلى التفاهم أولا لجهة تحديد جوهر الخلافات, وبمجرد أن يتم اتفاق وجهات النظر حول القضايا الأساسية التي تمثل موضوع الصراع, فإنه يتم بواسطة أطراف الصراع والأطراف الثالثة الضامنة, والشهود الإقليميين والدوليين, تتم بعد ذلك عملية إعادة جدولة المفاوضات, هذا, وفي حالة الاتفاق الإطاري لسلام دار فور, نلاحظ الآتي:
• يتضمن الاتفاق الإطاري 12 بندا ملزمة للطرفين, وهما الحكومة السودانية, وحركة العدل والمساواة.
• أبرز بنود الاتفاق الإطاري, أكدت على: وقف إطلاق النار إضافة إلى وقف العداوات-الدخول في مفاوضات السلام مباشرة بين الطرفين-الاستفادة من دعم كل الأطراف لجهة التوصل إلى اتفاق سلام-مطالبة كل الأطراف الدولية والإقليمية المشاركة في دعم المفاوضات-الانفتاح إزاء أطراف الصراع الأخرى لجهة دعوتها للمشاركة في عملية السلام.
تشير التوقعات إلى أن خيار استمرار طرفي الصراع المتمثلين في الحكومة السودانية وحركة العدل والمساواة, في مفاوضات الدوحة, أصبح أمرا لا سبيل إلى تفاديه في الوقت الحالي على الأقل, وحاليا يتم بذل المزيد من الجهود لضم الأطراف والحركات الدارفورية الصغيرة الأخرى, والتي أصبح من المأمول انضمامها، خاصة وأن حركة العدل والمساواة التي وقعت على الاتفاق تمثل الفصيل الرئيسي, الذي يشكل حوالي 85% من مفاعيل الصراع المسلح على المستوى الميداني.
قوام الحركات المسلحة الدارفورية:
بدأت مفاعيل الحركات المسلحة الدارفورية تظهر بشكل حاسم على المستوى الميداني في مطلع عام 2003م, وتمثلت أولى الحركات في حركة تحرير السودان, التي كان زعيمها السياسي المحامي عبد الواحد محمد نور, وقائدها العسكري ميني أركميناوي, وقد اعتمدت الحركة على برنامج سياسي يتميز بطابعه العلماني, المأخوذ بشكل تفصيلي من برنامج الحركة الشعبية لتحرير السودان التي كانت ناشطة بقيادة الزعيم الراحل جون قرنق في جنوب السودان, الأمر الذي أكد بشكل واضح أن هذه الحركة تمثل امتدادا جديدا, يهدف إلى توسيع دائرة الصراع في جنوب السودان, لجهة نقل الحرب الجنوبية لإقليم دارفور في غرب السودان.
بعد فترة قليلة ظهرت حركة العدل والمساواة, بقيادة الدكتور خليل ابراهيم, والذي كان واحدا من أبرز قادة المليشيات المسلحة التي أنشأتها حكومة الرئيس البشير, وتقول المعلومات والتقارير بأن الدكتور خليل ابراهيم قد ظل لفترة طويلة يقود عمليات وحدات مليشيات الدفاع الشعبي, والتي نفذت المزيد من عمليات العنف السياسي والديني في جنوب السودان.
أدت التطورات الدراماتيكية الخاصة بصراع دارفور, إلى تزايد الانشقاقات والانقسامات في أوساط هذه الحركات, وعلى وجه الخصوص حركة تحرير السودان, وتقول المعلومات, بأن عدد الحركات المسلحة الدارفورية قد وصل إلى 30 حركة وفصيل مسلح, وحاليا, يمكن الإشارة إلى توزيع الحركات والفصائل الدارفورية قد استقر على الشكل الآتي:
• المجموعة الأولى: وتضم الأجنحة الآتية:
- حركة تحرير السودان (جناح ميني أركميناوي): وقعت اتفاق السلام مع الحكومة.
- حركة تحرير السودان (جناح محجوب حسين): لم توقع اتفاق سلام مع الحكومة.
- حركة تحرير السودان (جناح عبد الواحد محمد نور): لم توقع اتفاق سلام مع الحكومة.
- حركة تحرير السودان (جناح مجموعة الـ19): لم توقع اتفاق سلام مع الحكومة.
- حركة تحرير السودان (جناح أحمد عبد الشافع): لم توقع اتفاق سلام مع الحكومة.
• المجموعة الثانية: وتضم الأجنحة الآتية:
- حركة العدل والمساواة: (جناح الدكتور خليل ابراهيم)
- حركة العدل والمساواة: (جناح عبد الرزاق أزرق)
تمثل هذه المجموعات, ومكوناتها الفصائلية, الكيانات الفصائلية المسلحة, ولكن تجدر الملاحظة, إلى أن ما هو فاعل ميدانيا من بين هذه الحركات يتمثل في:
• حركة تحرير السودان جناح ميني أركميناوي والتي دخلت في اتفاقية السلام مع الحكومة السودانية, ويتولى زعيمها ميني أركميناوي حاليا منصب مساعد الرئيس عمر البشير.
• حركة العدل والمساواة, جناح الدكتور خليل ابراهيم. والتي نجحت الحكومة السودانية مدعومة بواسطة السلطات القطرية والتشادية من توقيع الاتفاق الإطاري معها, ومن المتوقع أن يتم التوصل إلى اتفاقية سلام شاملة معها, خلال الأشهر القادمة.
أما بالنسبة لبقية الحركات, فهي غير فاعلة عمليا, ولا يتجاوز عدد عناصرها مجتمعة أكثر من 500 عنصر في أحسن الأحوال, لذلك فمن السهولة بمكان القضاء عليها.
الوضع الراهن في الصراع الدارفوري:
حدثت في مجرى الصراع الدارفوري, على مدى السبعة أعوام الماضية, العديد من التغييرات, فقد كانت حركة تحرير السودان تمثل الفصيل الرئيسي, وحركة العدل والمساواة تمثل الفصيل الثانوي, ولكن, بعد انقسام حركة تحرير السودان, إلى جناحين, فقد دخلت حركة تحرير السودان (جناح ميني أركميناوي) في اتفاق سلام مع الحكومة السودانية, الأمر الذي أدى بالمقابل إلى صعود حركة العدل والمساواة, والتي انفردت بالعمل الميداني العسكري, على خلفية الدعم التشادي المكثف, وذلك بما أدى إلى أن تمثل حركة العدل والمساواة الفصيل الرئيسي الدارفوري, أما حركة تحرير السودان (جناح عبد الواحد محمد نور) فقد بقيت تتمثل في شخص عبد الواحد محمد نور المقيم في فرنسا, وبعض الناشطين السياسيين التابعين له, والمقيمين في الخارج, وإضافة لذلك فقد بقيت الحركات الدارفورية الصغيرة الأخرى, ضعيفة وهامشية التأثير.
بعد التوقيع على الاتفاق الإطاري, فقد توقفت العمليات العسكرية بشكل كامل, ما عدا بعض الاشتباكات المحدودة بواسطة الفصائل الصغيرة الساعية إلى إثبات وجودها في المسرح العسكري على أمل الحصول على وزن أكبر في المسرح التفاوضي, هذا, ويمكن الإشارة إلى التوازنات الجارية على المسرح التفاوضي الحالي, على النحو الآتي:
• الحكومة السودانية: تسعى إلى توقيع اتفاق السلام بشكل رئيسي مع حركة العدل والمساواة, باعتبارها تمثل الفصيل الرئيسي, خاصة وأن توقيع الاتفاق مع هذه الحركة, سوف يقضي على 75% من مفاعيل الصراع الدارفوري.
• حركة العدل والمساواة: تسعى إلى التوقيع على اتفاق السلام مقابل الحصول على أكبر قدر من المكاسب والتنازلات, إضافة إلى إقصاء الفصائل الصغيرة الأخرى من المسرح التفاوضي.
• الفصائل الصغيرة: أصبحت تجلس على هامش طاولة المفاوضات, وتحاول بقدر الإمكان الدفع إما باتجاه توقيع اتفاق إطاري خاص بها مع الحكومة السودانية بما يفتح مسار تفاوضي جديد خاص بها أو بالانضمام للاتفاق الإطاري الذي تم التوقيع عليه بعد إجراء بعض التعديلات التي تتضمن مطالبها.
تشير مجريات السيناريو التفاوضي, إلى أن حرية الحركة والمناورة أصبحت محدودة وضيقة للغاية أما الفصائل الصغيرة, فهي لا تستطيع عمليا شن أي عمليات عسكرية بالشكل الذي يضغط على الحكومة السودانية لجهة القبول بتقديم المزيد من التنازلات لها, وذلك ببساطة, لأن تشاد قد قررت الوقوف الكامل إلى جانب الاتفاق الإطاري بين الحكومة السودانية وحركة العدل والمساواة, وإضافة لذلك فقد طلبت السلطات التشادية من عناصر وزعماء الفصائل الدارفورية الصغيرة مغادرة الأراضي التشادية, وإضافة لذلك, فإن السكان المحليين في دار فور أصبحوا أكثر دعما وتأييدا لاتفاق حركة العدل.
سيناريو الصراع الدارفوري: إلى أين؟
خلال السبعة أعوام الماضية, برز بوضوح أن احتواء الصراع الدارفوري لم يكن ممكنا, فالحسم العسكري لم يكن واردا بسبب التدخل الدبلوماسي الدولي المكثف إضافة إلى عدم قدرة الحركة والفصائل المسلحة فرض السيطرة والحسم العسكري, وبالنسبة للحكومة السودانية, لم يكن التوصل لاتفاق السلام ممكنا, وذلك بسبب الشروط التعجيزية المتجددة التي ظلت تسعى لفرضها الحركات والفصائل المسلحة.
نجحت السلطات السودانية بدعم وتعزيز قدرات الحركات والفصائل المسلحة التشادية, على النحو الذي شكل تهديدا حقيقيا للحكومة التشادية الحالية الداعمة لحركات التمرد الدارفوري, وقد أدى ذلك إلى تحقيق ما يمكن أن نطلق عليه تسمية توازن التهديد بين الخرطوم وأنجمينا, وكان طبيعيا أن يصل الطرفان إلى صفقة تم بموجبها تحقيق الآتي:
• قيام الحكومة التشادية برفض وجود الحركات والفصائل الدارفورية على أراضي التشاد.
• قيام الحكومة السودانية برفض وجود الحركات والفصائل التشادية المسلحة على أراض السودان.
وعلى خلفية الرفض المتبادل جاءت مبادرة السلطات القطرية للسلام بين الحكومة السودانية وخصومها الدارفوريين, وعلى ما يبدو أن مبادرة أخرى سوف يتم إجراءها لاحقا للمصالحة بين الحكومة التشادية وخصومها المعارضين, وبكلمات أخرى لقد أصبح سيناريو خيار السلام واردا, وحاضرا بقوة, فالذي يرفض أن يوقع من الفصائل الدارفورية على اتفاق السلام سوف يكون قد أدخل نفسه في نفق العدمية السياسية, وذلك, لأن تشاد لن تقبل بوجوده على أراضيها, ونفس الشيء ينطبق على الفصائل المسلحة التشادية المعارضة, طالما أن السودان لن يقبل بوجودها على أراضيه, وبرغم ذلك, فكل شيء متوقع, طالما أن السياسة هي فن الممكن, ومن يدري, فقد تطرأ بعض المستجدات والأوضاع الجديدة, التي تقلب التوازنات, وتعود التوترات بين الحكومتين السودانية والتشادية!.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد