المسلمون والمسيحيون في الهند يطالبون بحقوق دفن موتاهم
في مدن الهند المكتظة بالسكان، حيث يتصارع الأحياء لإيجاد فسحة عيش لهم، ما من أمكنة متوافرة لدفن الموتى. ففي حين يعمد الهندوس إلى حرق جثامين موتاهم، يواجه المسلمون والمسيحيون تهديدا لشعائر الدفن.
يبلغ عدد المسلمين والمسيحيين في الهند 185 مليونا. وتشير الاحصاءات الى ان المسلمين يشكلون 13 في المئة من مجموع السكان، في حين لا تتعدى نسبة المسيحيين 2 في المئة. وتكمن المشكلة الكبيرة في ايجاد المرء قطعة أرض في المدينة يدفن فيها فقيده، على ما يقول مسؤولون دينيون. فالمدن الهندية تحتقن أكثر فأكثر بالسكان، مما يجعل من كل قطعة أرض موضوع نزاع قائم في ذاته.
ويقول الإمام عمر أحمد الياسي، الذي يترأس "منظمة أئمة الهند" في نيودلهي: "حيثما توجهت، تجد المدافن امتلأت إلى أقصى حدها. وقد عملت الحكومة طوال عقود عدة للسيطرة على الموضوع". ويلفت إلى أن "النقص في الأراضي المخصصة للدفن لم يعد مشكلة محصورة في المدن الكبرى، مثل نيودلهي ومومباي وكولكاتا، بل انتشر ليطال عددا كبيرا من المدن الصغرى".
يعمد المسلمون إلى دفن موتاهم بأسرع وقت ممكن، ويعارضون بشدة عملية حرق الجثث، ويتجهون أكثر فأكثر الى شراء مساحات صغيرة من أراض قاحلة وتحويلها مدافن لهم أو "قبرستان"، لتلبية حاجاتهم. ويقول محمد أريف من نويدا، احدى ضواحي دلهي، والذي ابتاع مع إخوته وأنسبائه قطعة أرض مسجلة: "عندما قضى ابن أخي في حادث سير، جهدنا كثيرا لتأمين مثوى أخير له في أحد مدافن دلهي. لذا نريد تفادي أزمة مماثلة في المستقبل".
غالبا ما يعاني المسلمون الهنود من تمييز واسع الانتشار، فيقطنون المناطق الأكثر اكتظاظا وفقرا في المدن الداخلية. وفي تقرير أعدته الحكومة عن "الأوقاف الإسلامية" العام 2008، تبين أن 50 في المئة من مجموع الأوقاف الموزعة على كل الأراضي الهندية مساحات تم الاستيلاء عليها واحتلالها. ويشير النائب في لجنة الأوقاف البرلمانية رحمن خان الى أن "مكاتب الإدارات الرسمية والفنادق والمدارس، شيدت على أملاك تابعة للوقف على غرار عدد كبير من الأحياء الفقيرة". ويقول: "لا تعوضونا بأراض جديدة، لكن على الأقل أعيدوا إلينا ما نملكه من أراض، ونحن نشيد مدافننا الخاصة".
أما المسيحيون الذين يعتبر عددهم منخفضاً نسبياً بالمقارنة بسواهم من المواطنين الهنود، فيتجهون أكثر فأكثر إلى خيار حرق جثامين موتاهم لأسباب تتعلق بالمساحة، كما بالتكلفة. ويلفت رئيس "لجنة مدافن دلهي" الأب ريبيللو إلى أن "المسيحيين الذين يترددون قبل التخلي عن عادة دفن موتاهم كثر. عائلات عدة تعمد إلى تحويل قبر فردي مدفنا يتسع لجميع أفراد العائلة. على الأقل يمكن دفن أربع جثامين إضافية في المكان نفسه". ويقول: "نوجه العائلات نحو حرق جثامين موتاهم. واخيرا حرق جثمان كاهن في دلهي، للترويج للأمر. لكنه لا يمكن إرغام الجميع".
كان مفهوم المدافن العائلية، حيث توضع النعوش فوق بعضها البعض، انطلق في الهند في ولاية كيرالا الجنوبية. وراح المسيحيون يتقبلونه ببطء.
وتقول بريانكا توماس، وهي أرملة تعيش في نيودلهي، انها اضطرت مرغمة الى دفن زوجها في قبر والده الشهر الماضي، وكان ذلك قرارا محتوما. ولاحقا سأدفن كما أولادي في القبر نفسه. إنه أمر اقتصادي، بحيث لا تضطر العائلات إلى زيادة مصاريفها...".
في ولاية بهار الشرقية، تطالب الكنيسة الكاثوليكية كل مؤمن بالمساهمة في دفع 60 ألف روبيه (1280 دولاراً) لحجز قطعة أرض تخصص للقبور. ويقول الكاهن في باتنا عاصمة بهار فينسنت فرنسيس: "ما من أمكنة شاغرة في المدافن الموجودة أساسا. والحكومة لن تؤمن لنا مزيدا من الاراضي".
من جهة اخرى، كانت بعض قبور مدينة شيناي أعيد فتحها مرات لإضافة جثامين جديدة من العائلة. ويخبر كاهن المحلة الاب فرنسيس فرنانديس عن "الصدمة التي تعرضت لها إحدى العائلات عندما رأى أفرادها جثة شبه متحللة، فيما كانوا يضعون جثة أخرى في القبر نفسه".
من جهتها، تشدد الاستاذة الجامعية المتخصصة في التنظيم المدني سبها ديال على "ضرورة أن تولي السلطات المدنية حاجات المواطنين المتعلقة بدفن موتاهم الأهمية نفسها التي توليها أيا من متطلبات البنى التحتية". وتسأل: "الإعلانات تروج لعقارات مع برك للسباحة وملاعب غولف. لكن هل سمعتم يوما أحدهم يتحدث عن تخصيص أراض لمراسم الدفن أو حرق جثامين الموتى؟ المشكلة هنا أن ذلك لا يدر أرباحا مادية، والحكومة تعمد في أحيان كثيرة إلى هدم مدافن قائمة لتوسيع طرق أو تشييد شركات تجارية".
في الهند، تحرق جثامين نحو 80 في المئة من المتوفين، وفقا للتقاليد الهندوسية. وغالبا ما يحصل ذلك على ضفة أحد الأنهار، حيث توضع الأزهار على الجثمان الذي يغطى بالسمن، قبل أن تكسر جمجمته بهدف تحرير روحه. اما الزرادشتيون (وهم طائفة صغيرة في الهند)، فلديهم مراسم مختلفة عند الوفاة، اذ يسجون جثمان فقيدهم على "أبراج الصمت" أو "دخما"، كي تأتي الطيور الجارحة وتنهشها. ثم توضع عظام الميت في فجوة البرج، من دون أن تدفن.
ويقول أحد المسؤولين في وزارة التطوير المدني أن "النقص في المساحات المخصصة لدفن الموتى يثير استياء الأقليات لكنه قد يشكل مادة للانتخابات البلدية. في الحقيقة، هذه مسائل صغيرة وتكفي معالجتها محليا".
روبام جاين ناير
المصدر: و ص ف
إضافة تعليق جديد