مؤسسة الإنتاج التلفزيوني والإذاعي.. لماذا؟

10-07-2010

مؤسسة الإنتاج التلفزيوني والإذاعي.. لماذا؟

سَبَّبَ إحداثُ المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي صدمةً لعدد كبير من العاملين في مديرية الإنتاج التلفزيوني من مخرجين، وكتاب، وفنيين، وموظفين إداريين. وأثار بينهم تساؤلات عما سيكون مصيرُهم في ظل هذه المؤسسة الجديدة.
هذا الموضوع يحتاج- في اعتقادي- إلى مناقشة هادئة، ومتروية، وأن يبتعد المتحاورون فيه، بقدر ما يستطيعون، عن إبداء ردود الفعل المتسرعة التي من شأنها إدخال الحوار في خانة الجدل الذي لا طائل من ورائه.
يجدر بنا أن نلاحظ، بدايةً، أن إحداث "المؤسسة" بالقانون رقم (16) لعام 2010، لم يكن أمراً عادياً كقرارات تغيير شخص المدير العام، أو مدير الإنتاج، أو رئيس دائرة النصوص، أو رئيس دائرة المخرجين، بين الحين والآخر، بل هو، على وجه التحديد: انعطافة كبيرة في مسيرة الإنتاج التلفزيوني المستمرة منذ نصف قرن.
ذلك أن الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، البالغة من العمر الآن نصف قرن، إنما هي هيئة ذات طابع (إداري)، مهمتها: تقديم الأخبار، والتعليقات، والتحليلات السياسية، والمنوعات الغنائية، والمنوعات التمثيلية، وبرامج التوعية الاجتماعية والصناعية والزراعية والحرفية، والبرامج الثقافية، والبرامج الرياضية.. وتعملُ، في ما تعمل، على إنتاج المسلسلات الدرامية، ليس بقصد البيع والاتجار أو تحقيق الربح، ولكن بقصد تأمين حاجة التلفزيون السوري من الأعمال الدرامية، بقناته الوحيدة في البداية، ثم بقناتيه الأولى والثانية، ثم أضيفت الفضائية السورية.. ثم تطور الأمر كثيراً فأُحدثت قناة (سورية- دراما) التي تعرض المسلسلات السورية على مدى أربع وعشرين ساعة.
لقد حصلتْ عمليةُ قطع لسياق الإنتاج التلفزيوني الذي كان محصوراً بمديرية الإنتاج التلفزيوني، في أواخر الثمانينيات ومطلع التسعينيات من القرن العشرين، وذلك حينما غامر كل من الأستاذين داود شيخاني وهيثم حقي فأنتجا أعمالاً تلفزيونية (قطاع خاص)، وكانت تجربتهما ناجحة، بدليل أنها أغرت عدداً لا بأس به من المستثمرين بالدخول إلى ميدان الإنتاج الخاص، وتأسستْ، على إثر ذلك، شركاتٌ كثيرة، منها شركات أفلست، أو انسحبت من السوق، لضعف رساميلها وقلة الخبرة لدى أصحابها، ومنها شركات استمرت، لامتلاكها عوامل النجاح، وتأسستْ، في وقت لاحق، شركاتٌ إنتاجية جبارة، قادرة على الإنتاج دونما توقف، إضافة إلى وجود شركات تنتج لمصلحة شركات أو محطات بث خليجية، بصفة منتج منفذ.  
الآن.. ثمة خطان عريضان جداً، يمكننا الإشارة إليهما، بقصد أن نصل إلى لب الحديث الذي نحن بصدده.
الخط العريض الأول هو أن الإنتاج التلفزيوني، بعد دخول القطاع الخاص على خطه، قد تحول من ضرورة تفرضُها تغطية ساعات البث الطويلة، إلى (صناعة) ذات تقنيات عالية، تنتجُ سلعاً ذات قيمة ومواصفات فنية متفاوتة من حيث الجودة، وقد فتحتْ الأسواق العربية أبوابها لهذه السلع على مصاريعها، ودفعت لمنتجيها (الصناعيين) مبالغ لا يجوز الاستهانة فيها، وبالقطع النادر في معظم الأحيان.
وبالنظر إلى النجاحات الباهرة التي حققتها الدراما السورية، فإن واردات هذه الصناعة أصبحت تؤخذ بالاعتبار ضمن توقعات إيرادات الخزينة التي تعطي- في نهاية المطاف- تحسناً في ميزان المدفوعات.
الخط العريض الثاني الذي يسوغ هذه الانعطافة الكبرى في آلية الإنتاج التلفزيوني لدى القطاع العام هو أن السياسة الاقتصادية التي أعلنت، صراحة ومن دون مواربة، ضمن مقررات المؤتمر القطري التاسع لحزب البعث، قد اتجهت نحو "اقتصاد السوق الاجتماعي" وهو، كما تعلمون، اقتصاد حر، مع مراعاة وجود بعض الضوابط والتدخلات الحكومية للتخفيف من آثار آلية السوق السلبية- إن وجدت.
تعالوا نقرأ، بتمعن إذا سمحتم، بعض (الحيثيات) التي نص عليها االقانون رقم (16) الذي نحن بصدده لنتأكد من صحة وجود الانعطافة الكبيرة التي زعمنا حصولها:
إن المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني، هي مؤسسة ذات طابع (اقتصادي)، ترتبط بوزير الإعلام، وتتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري، وتهدف، من خلال ما تنتجه، لتحقيق الارتقاء بمستوى الإنتاج الفني إلى المستوى العالمي، ودراسة السبل الكفيلة بتحويل الدراما السورية إلى (صناعة) دائمة التطور. وتهدف إلى الإسهام في إحياء التراث العربي الأدبي والعلمي والفني، وتوظيفه لتحقيق الإنتاج الفني الذي يخدم القضايا الوطنية والقومية والإنسانية.. إلى آخره.
أرجو ألا يفهم من هذا الكلام أنني أراهن- وأعتقد أن غيري لا يراهن الآن- على نجاح هذه المؤسسة، لأنه من المحتمل جداً أن تتدخل آليات الإنتاج القديمة المعروفة للجميع فتكبح جماح انطلاقتها، وتُفشلُها.
ومعروف أن الآلية القديمة كانت تنتج في بعض الأحيان أعمالاً جيدة، ولكنها أنتجت، في الوقت نفسه، عدداً كبيراً من الأعمال الضعيفة، الكاسدة، التي رفضت الهيئة العامة للإذاعة (نفسها) عرضها على شاشات قنواتها الأربع!!
على كل حال: إن إحداث هذه المؤسسة، من الناحية (النظرية) أمر جيد، وموفق، ويمكن أن يُخْرِجَ عمليةَ الإنتاج في القطاع العام من مأزقها الخطير. ولكن هذا لن يحصل بسهولة، ويحتاج إلى نوايا حسنة، وعمل جماعي.. مضن.

خطيب بدلة

المصدر: جريدة البعث

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...