هل تنجح الغارة الأمريكية على الاقتصاد الصيني
الجمل: تشهد الساحة السياسية الأمريكية في هذه الأيام تحركات متزايدة من أجل احتواء خطر عجز الميزان التجاري الأمريكي-الصيني، والذي أدى إلى تراكم أرصدة صينية تجاوز حجمها الـ 2 تريليون (2000 مليار) دولار، الأمر الذي دفع بعض خبراء الاقتصاد السياسي الأمريكي إلى الحديث عن ضرورة لجوء الإدارة الأمريكية إلى استخدام الردع الاقتصادي للحد من خطر تنامي الأرصدة الصينية الدائنة للاقتصاد الأمريكي: ما هي حقيقة العجز التجاري الصيني-الأمريكي؟ وما هي تداعياته؟ وهل ستؤدي الإجراءات الأمريكية العلاجية والوقائية إلى حرب اقتصادية صينية-أمريكية؟
* توترات واشنطن-بكين: أين توجد بؤرة الأزمة؟
تزايدت التوترات الجارية في دبلوماسية علاقات خط واشنطن-بكين، وبرغم أن التحليلات السياسية الجارية تسعى بشكل مستمر إلى تنميط هذه التوترات ضمن تصنيفات نوعية اقتصادية-سياسية-عسكرية-أمنية، فإننا نرى بأن ما يحدث الآن من توترات علاقة خط بكين-واشنطن سببه الرئيسي يتمثل في مساعي واشنطن لجهة ردع نمو القدرات الإستراتيجية الصينية بما يمنع بكين من التحول إلى قوة عظمى، وحالياً تدور عملية الصراع بشكل ينطوي على الآتي:
• تسعى واشنطن لجهة إجهاد بكين عن طريق الضغوط العسكرية والسياسية والأمنية بما يؤدي في نهاية الأمر إلى إخضاع الصين ضمن مظلة مشروع الهيمنة الأمريكية.
• تسعى بكين لجهة إجهاد واشنطن عن طريق إخضاع الولايات المتحدة الأمريكية ضمن مظلة مشروع النفوذ الاقتصادي الصيني.
تقول المعلومات الجارية بأن واشنطن قد نجحت في بناء تحالفات إستراتيجية مع الأغلبية العظمى من دول الجوار الصيني، ما عدا كوريا الشمالية ومنغوليا وروسيا، أما بكين، فقد نجحت في تحقيق اختراق كبير مكنها من النفوذ إلى قلب الاقتصاد الأمريكي. وحالياً، كلما سعت واشنطن إلى فرض الشروط على بكين من أجل تخفيف التغلغل الاقتصادي الصيني، حاولت واشنطن إلى الضغط على بكين من أجل الحصول على تنازلات صينية دون مقابل أمريكي، وذلك بما يتيح لواشنطن الإمساك بالكامل على زمام المبادرة والسيطرة في إدارة دولاب الصراع الأمريكي-الصيني، وفي هذا الخصوص ركزت خطة الضغط الأمريكي على إرغام بكين بالوسائل الدبلوماسية العسكرية-السياسية-الأمنية، بما يؤدي إلى قبول الصين بإجراء بعض التعديلات المتعلقة بإعادة هيكلة النظام الاقتصادي الصيني، بما يتماشى مع مصلحة الاقتصاد الأمريكي، وحتى الآن ما تزال بكين أكثر قدرة ليس في رفض المشروطيات الأمريكية، وإنما أيضاً في المراوغة والالتفاف عليها.
* مفهوم واشنطن للخطر الصيني: قواعد اللعبة الأمريكية
أشارت دراسة الخبراء الأمريكيين إلى أن الأرصدة الصينية سوف تشكل عبئاً اقتصادياً دائناً للاقتصاد الأمريكي والسبب في ذلك يعود إلى الآتي:
- تزايدت تدفقات السلع الصينية الرخيصة الثمن إلى الأسواق الأمريكية بما يقابله النقصان الكبير في تدفقات السلع الأمريكية المرتفعة الثمن إلى الأسواق الصينية.
- عدم جدوى اتفاقيات التعاون الاقتصادي الصيني-الأمريكي في تغطية فجوة عجز الميزان التجاري المتزايد باضطراد لصالح الصين.
حدد الخبراء المشكلة في كيفية إيجاد السبيل لجعل السلع الأمريكية تتدفق بمعدلات أكبر إلى الأسواق الصينية، وهنا برزت المشكلة:
• انخفاض قيمة عملية اليوان الصيني في مقابل الدولار الأمريكي.
• انخفاض القدرة الشرائية الصينية بسبب انخفاض مستوى الدخل.
تحدث الخبراء الأمريكيون عن مدى إمكانية زيادة متوسط دخل الفرد الصيني، وقد تبين أن هذا الحل غير ممكن من الناحية العملية، طالما أن عدد سكان الصين يفوق المليار شخص، وهذا معناه أن زيادة مستوى الدخل تتطلب توفير مبالغ طائلة من المستحيل على بكين الحصول عليها، ومن هنا برزت فكرة الحل الآخر والمتمثل في رفع قيمة عملة اليوان الصيني بحيث تصبح القدرة الشرائية أكبر داخل الصين، بما يمكن المواطن الصيني من شراء السلع الأمريكية المرتفعة الثمن، وهنا برزت المشكلة الأخرى، هي كيفية إقناع بكين لجهة القيام برفع قيمة عملتها مقابل الدولار، خاصةً وأن رفع قيمة عملة اليوان سوف يؤدي إلى الأضرار التالية:
• نقص معدلات الصادرات الصينية إلى الخارج، وهذا معناه عدم تصريف السلع الصينية والذي سوف يؤدي بدوره إلى تراكم مخزونات السلع، بما يدفع إلى وقف عملية الإنتاج والتخلص من العمالة المؤدي إلى تزايد السخط الشعبي والاحتجاجات السياسية.
• نقص معدلات النقد الأجنبي بما يلحق ضرراً أكبر بقدرة الصين على استيراد احتياجاتها من الخارج.
ولكن، وبرغم حسابات المخاطر والفرص أمام واشنطن، فقد سعت واشنطن إلى الضغط على بكين بما يتيح لأمريكا استغلال الفرص وترك بكين تواجه المخاطر.
* النوايا الأمريكية الجديدة إزاء الصين
رصدت التقارير الجارية قيام أحد مراكز الدراسات الأمريكية، وهو معهد برستون بإعداد دراسة تضمنت توصيات واضحة للإدارة الأمريكية لجهة ضرورة قيام واشنطن بإعلان حرب العملة ضد الصين، وذلك بما يتيح لأمريكا إلحاق الهزيمة المالية-النقدية بالصين وإجبار بكين على القبول طائعة بخيار رفع قيمة عملة اليوان الصيني مقابل الدولار الأمريكي.
أشار تقرير معهد برستون إلى ضرورة لجوء الإدارة الأمريكية باتجاه تفعيل الخطوات التالية:
- القيام بعمليات شراء كبيرة واسعة النطاق في البورصات المالية لعملة اليوان الصيني بما يؤدي إلى خلق طلب كبير على هذه العملة، الأمر الذي سوف يؤدي بالضرورة إلى رفع قيمة اليوان الصيني في الأسواق والبورصات.
- بسبب تحكم الصين في إصدار وتداول عملة اليوان الصيني، فقد رأت دراسة معهد برنستون إلى ضرورة أن تتم عمليات بيع وشراء اليوان في البورصات ضمن صفقات البيع والشراء الآجلة لأرصدة افتراضية يتم تقويمها بالدولار الأمريكي وغيره من العملات الأخرى القابلة للتداول.
وعلى خلفية ذلك، فقد رأت دراسة معهد برنستون بأن الارتفاع الافتراضي المتوقع في اليوان سوف يكون في حدود 25% من قيمته الحالية، وأشارت الدراسة إلى أن عمليات بيع وشراء اليوان في الأسواق المالية والبورصات يجب أن تتم على أساس اعتبارات الدفع بكميات كبيرة من مخزونات السلع الصينية مقومة بعملة اليوان.
افترضت الدراسة أن تسعى الإدارة الأمريكية إلى ترتيب مسرح السوق الاقتصادي العالمي وفقاً لخطوتين:
• توفير الأموال اللازمة للقيام بالمضاربات
• تخفيض الرسوم الجمركية المفروضة على السلع الصينية.
وعلى خلفية ذلك، عندما تنخفض الرسوم ، فإن حجم تدفقات البضائع والسلع الصينية في الأسواق الأمريكية والأوروبية سوف يكون أكبر، بما سوف يتيح بناء مخزونات أكبر من هذه السلع، ثم بعد ذلك العمل على تحويل هذه المخزونات في شكل أذونات استلام آجلة مقومة باليوان الصيني بحيث يتم عرضها بسعر أعلى من سعرها الحقيقي وفقاً لنظم البيع الآجل.
علق العديد من الخبراء على توصيات معهد برنستون والتي جمعت بين الخبث والسذاجة، ولكنها على كل حال تنطوي على قدر كبير من الرغبة في إطلاق نيران الشرور الاقتصادية، وفي هذا الخصوص، فقد أطلق بعض الخبراء على الفكرة عنوان: "الغارة الاقتصادية الأمريكية ضد الصين"!!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
التعليقات
فلسطين
إضافة تعليق جديد