المغتربون السوريون: 73 مليون مغترب و80 مليار دولار
تكرّر أم علي، على مسامع ابنها الأصغر والمدلل، مقولة لطالما آمنت بها، مستنكرة فيها فكرة السفر، حتى ولو كان بقصد السياحة، قبل أن تكون هجرة أو غربة. هي دائماً تقول: إنَّ ترك البلد دليل فشل.. قانعة إياه بأنَّ الذي يفشل في بلده يفشل في أيّ بلاد أخرى.
التاريخ يعيد نفسه في كل هجرة
كان للأزمات الاقتصادية، التي تعرّضت لها بلاد الشام زمن الحكم العثماني، دور مهم لبداية الهجرة السورية رسمياً، لاسيما إلى دول أمريكا الجنوبية والدول العربية في العام 1820، تلتها هجرات العام 1900 إلى أمريكا الجنوبية وأوروبا، مع استمرار الأزمة الاقتصادية وبداية شرارة الحروب، لحقها، بعد الحرب العالمية الأولى، هجرات إلى ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية وهجرة إلى فرنسا من أجل الدراسة أثناء الانتداب الفرنسي؛ حيث استقرَّ قسم منهم هناك، ثم تكرَّرت الهجرات إلى أمريكا الجنوبية وأوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، بالإضافة إلى هجرة أخرى إلى دول الخليج بعد ظهور النفط ونمو المعيشة فيها. واتجه بعض السوريين، بعد العام 1970، إلى أستراليا والصين وإندونيسيا. ومع الوقت الحالي، لم يتغيَّر الوضع كثيراً؛ حيث إنَّ الاستثمار المحلي مازال يخطو خطواته الأولى؛ ما جعل عدد السوريين (والذين لهم أصول سورية) المقيمين في الدول العربية (عدا لبنان) يصل إلى ما يقارب 2 مليون و750 ألف سوري. أما عدد السوريين (ومن لهم أصول سورية) المقيمين في الدول الأوروبية فهو 5 ملايين سوري. أما في كندا والولايات المتحدة الأمريكية، فينقسم السوريون إلى من تجنّسوا بالجنسيات الأمريكية وانصهروا في المجتمع الأمريكي وفقدوا الهوية السورية. ويقدَّر عددهم بـ8 ملايين. وهناك قسم تمسَّك بجنسيته وأصوله، ويقدّر عدده بـ4 ملايين سوري. وفي أمريكا الجنوبية، الحديث يطول ويطول؛ حيث يُقدَّر عدد السوريين الفاقدين لهويتهم وجنسيتهم والذين ذابوا في المجتمع الأمريكي وتجنّسوا بجنسيته وما زالوا محتفظين بولائهم لسورية نحو 19 مليون سوري، بينما يبلغ عدد الذين ما زالوا محتفظين بأصولهم السورية وجنسيتهم 11 مليون سوري. والسبب، في هذا الاختلاف، يرجع إلى الهجرات القديمة منذ العام 1820.
عندما يصبح الإحصاء مخيفاً والجواب مستحيلاً لم يكن الأمر بهذه السهولة. فوزارة المغتربين، ومنذ شهر تقريباً، أرسلت بعض الأسئلة للاستفسار حول بعض الأمور، والتعرف إلى آلية عمل الوزارة مع المغتربين وماذا تقدّم لهم. وطلب إليها، مراراً وتكراراً، الإجابة عن استفسارات وأسئلة حول النشاطات والفعاليات التي تقوم بها الوزارة لجذب المغتربين وإعادتهم إلى بلدهم الأم، أو للتواصل معهم على أقل تقدير في بلاد الاغتراب، بالإضافة إلى سؤال ثانٍ بخصوص دورها في جذب الاستثمارات إلى سورية ومشاريع التنمية، وكيفية استثمار سورية للمغتربين بما يدعم قضايا سورية في الخارج. لكن، ومن أسف، حتى تاريخ كتابة هذا التحقيق لم تدلِ وزارة المغتربين بأي ّ معلومة تذكر؛ ما أعطانا الحق بسؤال آخر: هل عدم الجواب هو الجواب؟!.. وبخصوص عدد سكان سورية (المقيمين على أرض سورية في لحظة كتابة هذا التحقيق) أشار الدكتور شفيق عربش (مدير المكتب المركزي للإحصاء) إلى أنه وصل إلى 20 مليوناً و757 ألفاً و934 نسمة. وهو الرقم الذي يتبدَّل بشكل ساعي، مؤكداً أنه في ازدياد واضح، كما يرتفع هذا الرقم إلى أكثر من 23 مليون نسمة وفقاً للمسجلين في السجل المدني السوري.
80 ملياردولار.. الأموال السورية في الخارج
يرى زياد عربش (دكتور في الاقتصاد) أنَّ «الخسارة ليست بهجرة رؤوس الأموال بقدر ما هي خسارة إنسانية، تتمثل في هجرة العقول والكفاءات. فالهجرة، وإن كانت لعامل صغير، تعني نزيف ملايين الليرات السورية؛ ذلك لأنَّ المهندس أو الطبيب، حتى يصل إلى مقاعد الجامعة وينهي دراسته الأولية ويحصل على دبلوم جامعي عال في سورية، تكون الدولة والأسرة قد أنفقت عليه طوال هذه السنوات، ليذهب إلى أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية والخليج وأستراليا. ولا يستفيد البلد الأم من هذه الخبرات، وهو في أمسّ الحاجة إليها.
ففي ألمانيا والنمسا وحدها 8 آلاف طبيب سوري. وفكرة معظم الناس أنَّ تحويلات المغتربين هي دعم أساسي للاقتصاد الوطني، هي، على حد وصف الدكتور عربش، خاطئة. فبمجرد نظرة شمولية طويلة المدى، تكتشف أفضلية أن يعجَّ البلد بالكفاءات على أن يكون طالباً لها؛ لأنَّ هذه الهجرة تعني الدخول في حلقة مفرغة، يتحوَّل البلد فيها إلى بلد طارد للكفاءات وأصحاب المبادرات، ويتحول البلد الآخر إلى بلد ليس مؤهلاً لاستيعاب طاقته وكفاءاته داخل أراضيه فحسب، وإنما مستقطباً للكفاءات المهاجرة إليه ولرؤوس الأموال أيضاً.
وبينما يتمّ تجاهل النظر إلى النواحي العلمية والاجتماعية، يقتصر الاهتمام، بحسب عربش، على الناحية المالية للمغتربين؛ وذلك لعدة أسباب تتعلَّق بتدوال الصحافة أرقاماً عن أموال السوريين في الخارج تصل إلى 80 مليار دولار أو أكثر.
ومع ذلك، فبعض المغتربين من أصل سوري (ممن التصقوا في البلد الثاني) قد لايعودون باستثماراتهم إلى البلد الأم. وبعضهم الآخر، قد تكون استثماراته في سورية في مرحلة زمنية ليست بعيدة المدى.
وتبقى النقطة الأساسية، على حدّ تعبير عربش، غير متعلقة برأس المال؛ كونه العامل الأساسي في التنمية. ولو كان هذا صحيحاً، لكانت السعودية وليبيا (لغناها النفطي على سبيل المثال) تتقدَّم على السويد والدنمارك وغيرها من الدول المتقدمة.. إلا أنَّ الواقع يشير إلى أنَّ السعودية وليبيا لم تحقّقا التنمية المستدامة، بل ترتفع معدلات البطالة فيها أيضاً.
وفي الوطن العربي، أشار عربش إلى أنه، وبالمقارنة مع باقي الدول العربية، تشهد تونس والأردن انخفاضاً في نسبة المغتربين وهجرة الكفاءات قياساً بسورية. وهنا تبرز ضرورة العمل على إعادة إحياء العمل الفكري والفيزيائي وإعطاء القيمة للعمل على حساب الريع والمصادر الريعية.
في البرازيل.. سورية أخرى
أكبر جالية سورية في العالم تقيم في البرازيل، وعدد أفرادها 13 مليوناً، منهم 7 ملايين من السوريين الذين تعود أصولهم إلى مدينة حمص واللاذقية، تليها الجالية في الولايات المتحدة ثم الأرجنتين. أما السبب المباشر لوجود ما يقارب 5 ملايين سوري في إسبانيا، فهو أنَّ معظم الإسبان توالدوا من العرب الذين كانوا يحكمون الأندلس. ويقدَّر عددهم بنصف عدد سكان إسبانيا. ويشكل السوريون خمس المنصهرين العرب، بسبب انحدارهم من أصول أموية هجينة. وفي حال جمع هذا الرقم مع السوريين في بقية دول العالم، نصل إلى 73 مليون شخص، منهم 35 مليوناً فقدوا هويتهم السورية، و38 مليوناً يحملون الجنسية السورية، 20 مليوناً منهم يعيشون على أرض سورية، ويتوزع الباقي على بلدان العالم.
مناصب وتجار.. سمعة نظيفة
تمكّن الكثير من المنصهرين في دول أمريكا الجنوبية من السوريين من الوصول إلى أرفع المناصب وأعلاها، حتى إنَّ الرئيس الأرجنتيني السابق كارلوس منعم ترجع أصوله إلى سورية (جده وأبوه وأمه سوريون)، ووزير الداخلية الفنزويلي الحالي طارق العيسمي تعود أصوله إلى محافظة السويداء، بالإضافة إلى محافظ مدينة «بويرتو لكروس» الفنزويلية وليم صعب ذي الأصول السورية أيضاً. أما السوريون المقيمون في أمريكا الجنوبية، فهم من فئة التجار وأصحاب المهن الرفيعة. وجميع تقارير المنظمات الدولية والحكومات العالمية تشير إلى حسن سيرة وسلوك المواطن السوري بشكل عام. وتتمتّع الجاليات السورية في البلاد العربية والأوروبية والأمريكية بالسمعة الحسنة والسلوكات القويمة المحترمة.. فما الذي يحصل في بلادهم إذاً؟!.. لا أحد يدري.. ربما العدوى من السكان المقيمين، الذين تقدر زيادتهم السنوية، بحسب آخر إحصاءات للهيئة السورية لشؤون الأسرة، بنصف مليون نسمة.
هل يعودون إلى سورية؟..
يقول زياد جمال الدين (مغترب سابق): «لو درت كل البلاد وقُدّم لي كل شيء أتمنّاه، لما ساوى جزءاً صغيراً من شعوري عندما أشم هواء سورية، وبمجرد أن تطأ قدمي أرضها. فسورية (بلدي) أتذكرها تماماً بكل زواياها وبتفاصيل حياة ساكنيها حتى الصغيرة منها.. هي لا تقتصر على إدمان قهوة الصباح على الشرفة أو أرض الديار، ولا على تلك الرغبة التي تعتريك لتناول كأس شاي مع الجبنة البيضاء البلدية، ولا على النميمة ولعب الطاولة في قهوة رجالية والقهقهة في صبحية.. هي أحلام طفل يكره المدرسة ويريد أن يصبح طبيباً.. هي هموم صغيرة تكبر وأحلام كبيرة تتضاءل.. هي، باختصار، الحبيب الذي هجرناه ولم نستطع أن نعشق سواه، فعدنا إليه؛ لأني ومعظم المغتربين في بلاد غريبة نفتقد الحياة الاجتماعية المتماسكة التي رضعناها مع حليب أمهاتنا في بلادنا».
إحصائية تضمّ جميع الأفراد ذوي الأصول السورية (آباء أو أجداد منصهرون)، وكذلك من يحملون الجنسية السورية:
الدولة عدد السكان عدد السوريين النسبة للسكان
لبنان 6.000.000 800.000 13.3 %
الولايات المتحدة 350.000.000 8.000.000 2.28 %
كندا 38.000.000 4.000.000 10.52 %
المكسيك 120.000.000 600.000 0.5 %
كولومبيا 45.000.000 1.500.000 3.33 %
فنزويلا 30.000.000 1.500.000 5 %
البرازيل 200.000.000 13.000.000 6.5 %
الأرجنتين 45.000.000 6.000.000 13.3 %
استراليا 25.000.000 100.000 0.4 %
الكويت 3.000.000 500.000 16.67 %
السعودية 27.000.000 700.000 2.59 %
الإمارات 4.000.000 150.000 3.75 %
ايطاليا 70.000.000 100.000 0.14 %
بريطانيا 70.000.000 650.000 0.71
وعد زينية
المصدر: بلدنا
إضافة تعليق جديد