الخارجية الأمريكية تدعو علناً لمساندة قوى 14 آذار
اعتبر مساعد وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد ولش، أن النجاح في تطبيق القرار 1701 مهم جدا للسياسة الخارجية لواشنطن، مشددا على ضرورة دعم مقاومة الحكومة اللبنانية لالانتهازيين اللبنانيين والإقليميين الذين يعملون على إضعاف البلاد لتحقيق مكاسبهم الشخصية.
وأكد ولش أن واشنطن تعرف أن نزع سلاح حزب الله سيتم عبر الحوار الداخلي، إلا انه اعتبر أن السماح للمجموعات بالمشاركة في الحياة السياسية، مع الإبقاء على ميليشياتها المسلحة، يشكل نقيضاً مباشراً للديموقراطية والاستقرار. وأعرب عن ثقته بأن لبنان سينجح في جهود إعادة الإعمار، موضحا أن الولايات المتحدة ستعمل على مساعدة لبنان وتنشيط العلاقات المالية بين الديموقراطيات الصاعدة في المنطقة.
وشرح ولش، لمؤتمر مجلس الأعمال للتفاهم الدولي في نيويورك أمس الأول سياسة الولايات المتحدة لإعادة اعمار لبنان. وقال لبنان هو احد الدول الأكثر تنوعا في الشرق الأوسط. وكان تاريخيا جنة للقبائل والمجموعات الدينية الهاربة من القمع والاضطهاد في مناطق أخرى من الشرق الأوسط. لبنان موطن المسيحيين والمسلمين والدروز.
وأضاف ولش منذ العام ,1943 عندما نال استقلاله عن فرنسا، تعايشت هذه المجموعات بطريقة مذهلة، عبر تقسيم السلطة السياسية في صيغة استثنائية بين المسيحيين والشيعة والسنة. من الواضح أن قوة لبنان الديموقراطية مستمدة من ثقافته السياسية النابضة بالحياة ومجتمعه المدني. على هذه الأسس، نشأ اقتصاد لبنان المزدهر وأمّن خدمات تجارية لدول أخرى في المنطقة.
وتابع ولش قبل اندلاع الصراع هذا الصيف، كان لبنان وسط تغيرات دراماتيكية. أراد اللبنانيون استخدام صيف 2006 لإظهار انتصار لبنان على عدم الاستقرار والمحن حيث كان هناك عدد ضخم من السياح والعائدين اللبنانيين للاستمتاع بالفنادق والمنتجعات الجميلة، والحياة الليلية المثيرة، والقرى الجبلية الجذابة، والمناخ المتوسطي المعتدل. آنذاك، في 12 تموز عبر إرهابيو حزب الله إلى الأراضي الإسرائيلية، وخطفوا جنديين إسرائيليين وقتلوا آخرين. شاهد العالم كله الصراع الذي نشأ نتيجة ذلك.
واعتبر ولش أن الولايات المتحدة واجهت قرار صعبا وقتذاك. كان لا يمكن تجاهل حصيلة الصراع الذي يتحمله لبنان، ودعا عدد من الدول العالمية إلى وقف مبكر لإطلاق النار. نحن فهمنا أن وقفا لإطلاق النار لا يجد حلا لأسباب الصراع سيسبب فقط عودة إلى جولة جديدة من العنف. وقررت الولايات المتحدة إطلاق حملة دبلوماسية مكثفة من اجل توطيد قواعد سلام دائم. وأمضت الوزيرة (كوندليسا) رايس وقتا كبيرا في محاولة إيجاد قبول من كل الأطراف لمبادئ السلام الدائم، وقادت مفاوضات دبلوماسية مع شركائنا في المنطقة وأوروبا والأمم المتحدة. أنا أمضيت حوالى ثلاثة أسابيع اتنقل بين بيروت والقدس، اعمل مع الأطراف على الأرض.
وأوضح ولش أن الحرب توقفت عندما صادق مجلس الأمن الدولي القرار .1701 انه إنجاز دبلوماسي يعرض لوقف إطلاق نار دائم وقوي. ويدعو القرار 1701 إلى وقف للأعمال العدائية ويوفر للحكومة اللبنانية الأدوات اللازمة لتثبيت سيادتها الكاملة على البلد. ويعدد القرار 1701 المبادئ السياسية لسلام دائم.
وشدد ولش على ضرورة التطبيق الكامل لشروط القرار .1701 هذا هو التحدي: مساعدة حكومة لبنان على بناء مؤسساتها الديموقراطية وتقويتها وتشجيع النمو الاقتصادي بينما يتم إيجاد ديناميكية جديدة في المنطقة لاستقرار اكبر وسلام. هدفنا هو مساعدة حكومة لبنان في الدفاع عن سيادتها في كل مكان من البلد، وتامين حدودها، وأخيرا نزع سلاح جميع الميليشيات. نحن نحرز تقدما كبيرا نحو هذا الهدف. بالمصادقة على القرار ,1701 فإن المجتمع الدولي أوجد أداة جديدة مهمة لأمن لبنان. فرض القرار حظرا دوليا على شحن الأسلحة التي لم تصادق عليها الحكومة إلى لبنان، وأجاز للقوة الدولية اليونيفيل مساعدة القوات اللبنانية على الانتشار في الجنوب. هذه هي العملية الأساسية الأولى لمهمة قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في الشرق الأوسط منذ العام 1982 عندما أنشأت الأمم المتحدة القوة المتعددة الجنسيات والمراقبين في سيناء. وتتشكل اليونيفيل الجديدة من قوات عسكرية ذات قدرة عالية من دول أوروبية أساسية. كما أن لديها عنصرا بحريا جديدا.
وقال ولش لقد استكمل الجيش اللبناني انتشارا تاريخيا في الجنوب. لم يكن لأكثر من 40 عاما متواجدا بأي طريقة ذات معنى في أقصى جنوب البلد. كما تأخذ اليونيفيل مهمتها الجديدة على محمل الجد. في نهاية الأسبوع الماضي، كان هناك حوالى ستة آلاف عنصر على الأرض، وأكملت المرحلة الأولى من المراحل الثلاث لانتشارها.
وأضاف ولش نحن نرى تقدما جيدا في تطبيق القرار .1701 إن نجاحه مهم جدا للسياسة الخارجية للولايات المتحدة في المنطقة ومصداقية عملية حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. إن الولايات المتحدة، ومعظم المجتمع الدولي، ملتزم بمساعدة لبنان في إعادة تأكيد نفسه كدولة ديموقراطية مسالمة ومزدهرة وذات سيادة.
إلا أن ولش اعتبر انه ما يزال هناك بعض التحديات. ففي العام الماضي، ألهم اللبنانيون العالم عندما نزلوا إلى الشوارع للمطالبة باستقلالهم من الهيمنة السورية. لقد أخرجوا القوات السورية من بلدهم واستعادوا كامل السيادة. وتابع ولش على مدى الأسابيع الأخيرة، سمعنا خطاباً سياسياً، يبدو انّه يشكل تقويضاً للحكومة الحالية المنتخبة ديموقراطياً. هذا الخطاب يأتي من قبل لاعبين لبنانيين وإقليميين. ومن اجل الشعب اللبناني، علينا أن ندعم الحكومة المنتخبة ديموقراطياً بقدر ما تقاوم الهجمات من الانتهازيين الذين يعملون على إضعاف البلاد لتحقيق مكاسبهم الشخصية. علينا أيضا أن ندعم، عدم قدرة اللاعبين الإقليميين، كسوريا، على استعادة نفوذهم وتقويض السيادة اللبنانية.
اضاف وفي النهاية فإن نزع سلاح حزب الله على المستوى الوطني، سيكون احد أهم التحديات للتقدم إلى الأمام، ونحن ندرك أن هذا الأمر سيتحقق فقط من خلال الحوار الوطني، وأنّه سيستغرق وقتا، ولكن هذه العملية يجب أن تستمر بهدف تعزيز ثقة المجتمع الدولي، فالسماح للمجموعات بالمشاركة في الحياة السياسية، مع الإبقاء على ميليشياتها المسلحة، يشكل نقيضاً مباشراً للديموقراطية والاستقرار.
وشدد ولش على أن إعادة إعمار لبنان تشكل أيضاً أمراً أساسياً من وجهة نظر اقتصادية. للولايات المتحدة مصلحة اقتصادية كبرى في المنطقة، ولا يمكننا أن ننكر هذه الحقيقة. في فترة ما قبل 11 أيلول، سجلت أسعار النفط أرقاما عالية، وقد عززت تدفق رؤوس الأموال في كافة أنحاء الشرق الأوسط. للولايات المتحدة خمس اتفاقيات للتجارة الحرة مع بلدان في الشرق الأوسط، وهو يعتبر رقماً عالياً بالمقارنة مع مناطق أخرى من العالم، ويعكس التزام الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط.
وأضاف ولش وجاء النزاع خلال الصيف، في وقت كان فيه لبنان يتوقع موسماً سياحياً، ونمواً اقتصادياً يصل إلى ستة في المئة. وفيما كان النزاع قصيرا، حيث دام حوالى شهر، فإنّ أكثر من 900 ألف شخص هجروا في لبنان، والعديد من منازلهم وأعمالهم ومجتمعاتهم تهدمت، فيما يتوقع أن تكون نسبة النمو سلبية بمعدّل خمسة في المئة. وبرغم ذلك، فإنّ إعادة الاعمار جارية، فأكثرية المهجرين عادوا إلى منازلهم في الجنوب، والموظفون عادوا إلى أماكن عملهم، والنقص في النفط والمواد الأخرى انتهى، كما رفع الحصار الإسرائيلي، مفسحاً المجال أمام استئناف النشاط السياحي والتجاري والصناعي. وقامت الحكومة اللبنانية بدور ريادي، كما أنّ المجتمع الدولي يقف وراءها بشكل رائع.
وتابع ولش كما عقد مؤتمر دولي لإيجاد الحلول الأولية في أستوكهولم في آب، أدى إلى الحصول على تعهدات تفوق 900 مليون دولار، أي ضعف المبلغ المستهدف. وواصلت الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، في اختبار وسائل إضافية لدعم إعادة اعمار لبنان. وبطلب من الحكومة اللبنانية أعلنت فرنسا (الاثنين)، أنها ستستضيف مؤتمراً للدول المانحة في كانون الثاني المقبل، سيكون مخصصاً لمناقشة إعادة الاعمار في لبنان، كما أن وزراء المال والاقتصاد العرب اجتمعوا في بيروت لتوفير دعم اقتصادي إضافي لإعادة الاعمار. وكجانب من إعادة البناء، أعرب رئيس الوزراء فؤاد السنيورة وحكومته عن التزامهم بالقيام بإصلاح اقتصادي ضروري، من شأنه إطلاق الاقتصاد اللبناني.
وأعرب ولش عن ثقته بأن لبنان سينجح في جهود إعادة الاعمار، والشعب اللبناني معروف بذكائه في مجال الأعمال. وجيرانه نظروا بإعجاب إلى قدرته على خلق المؤسسات وسط الفوضى، ونحن سنعمل على مساعدة لبنان وتنشيط العلاقات المالية بين الديموقراطيات الصاعدة في المنطقة. أعلم أن المشاريع الاقتصادية الاميركية ستتابع مصالحها في لبنان، وحتى الآن هناك أربعة من رؤساء القطاعات الخاصة المختلفة يعملون معاً لإيجاد شركاء مع المجتمع اللبناني لإعادة اعمار البلاد، حيث تقدّم موارد مهمة للمساعدة في جهود إعادة الاعمار، وهم رئيس شركة انتل كريغ بارّيت، رئيس مجلس إدارة أنظمة سيسكو جون تشامبر، رئيس شركة الغفري يوسف الغفري، ورئيس مجلس إدارة شركة اوكسيدنتال بتروليوم الدكتور راي عيراني.
وقال ولش إذا كان النزاع قد أدى إلى إلحاق المزيد من الدمار ووجع القلب، فإنّ حله قد وفر لنا العديد من الفرص التي تمتد إلى ما بعد لبنان، حيث يقف الشرق الأوسط عند منعطف طرق، بالإضافة إلى الاعتبارات المتعلقة بالأمن القومي بالنسبة للولايات المتحدة. وفيما نجد ميلاً نحو الديموقراطية فإنّ هناك مقاومة لها. علينا أن نواصل العمل لكي نضمن أنّ الأصوات العالية ليست تلك التي يطلقها أولئك الذين يريدون محو سجل الأحداث، والبدء مجدداً في إطار وجهة عالمية غير متسامحة. علينا مواصلة الهجوم على الأصوليين والمتطرفين، الذين يستغلون النزاعات لتقويض النظام المسالم والليبرالي.
وشدد ولش على انه في حين يبقى تحقيق تقدم في العراق والنزاع العربي الإسرائيلي نقطة الاهتمام الجوهرية، تبقى المسائل المتعلقة بتحسين الأوضاع الاقتصادية والسياسية في الشرق الأوسط، الطريق الوحيد لإيجاد الشروط اللازمة للتغيير الحقيقي والاستقرار الدائم. وبقدر ما قد ننجح، فإنّ تطلعات الأصوليين والمتشددين ستفشل، ما سيؤدي إلى توسيع نطاق الحرية السياسية وتخفيض معدلات البطالة، وإيجاد الفرص للتطور الاقتصادي ورفع مستوى المعيشة، والتوجّه إلى الأسباب الجذرية للإرهاب، وتقليص جاذبية الحركات السياسية المتطرفة. نعم، تبقى العديد من التحديات الحقيقية، لسنا واهمين، ولكني أبقى متفائلاً. ستواصل الولايات المتحدة جهودها لدعم الحكومات المعتدلة، كالحكومة المنتخبة ديموقراطياً في لبنان، وسعيها لتلبية رغبات شعبها وتجذّر الحرية الصادقة.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد