النفط السوري وحسابات «الحرّ» والأكراد
خلال الأشهر الماضية، فقدت الحكومة السورية، التي تعتمد إلى حدّ كبير على الموارد النفطية، سيطرتها على العديد من حقول النفط الرئيسية في البلاد، في وقت حقّق كل من «الجيش الحرّ» والأكراد مكاسب مهمة لجهة الشرق.
وبالنسبة لألوية «الجيش الحرّ» فإن النفط يعني لهم سلاحاً بالمقابل، أما بالنسبة للأكراد فهو يعني تعزيزاً للنزعة الاستقلالية.
في الواقع، لم تكن سوريا معروفة خاصة بالوفرة النفطية، في منطقة تضم أكبر مصدري النفط حول العالم. ولكن بالنسبة للحكومة السورية فإن النفط كان وسيلة أساسية كي توازن حساباتها، فهو عنصر أساسي في ميزانية الدولة، كما كان المصدر الرئيسي للعملة الصعبة.
في العام 2010، قبل أن تبدأ الأزمة، وصلت عائدات النفط إلى أربعة مليارات دولار، وهي تشكل ربع موارد الصادرات السورية.
وتتركز الحصة السورية الأكبر من الموارد النفطية بين منطقتي الحسكة، في الشمال الشرقي حيث يشكل الأكراد الأغلبيّة، ودير الزور في الجنوب.
وبعد انسحاب القوات السورية من منطقة الرميلان في محافظة الحسكة في تشرين الأول الماضي، سيطرت قوات حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي، وهو الحزب الكردي الرئيسي في سوريا، على المنطقة.
وقد صرّح المتحدث الرسمي للحزب الكردي آلان سيمو من لندن بأن «القوات الكردية سيطرت على حقول النفط بهدف حمايتها وتوزيع الموارد بعدالة».
وفي أيلول الماضي، صرّح أحد مديري الإنتاج في الرميلان قائلاً إن الحقول كانت تنتج 166 ألف برميل في اليوم قبل الصراع، أي ما يعادل نصف الإنتاج النفطي في سوريا. ولكن النزاع قلّل الإنتاج في الحسكة إلى النصف، بحسب المدير الذي رفض الكشف عن اسمه لأنه كان موظفاً حكومياً في وقت سابق.
يُذكر أن محافظة الحسكة تنتج النفط الخام الثقيل الذي يصعب استخراجه، وهو صعب في عمليات التكرير وسعره أرخص من النفط الخفيف. ولكن في ظلّ اقتصاد مدمّر بفعل الحرب، تصبح حقول النفط كيفما كانت أصولاً ذات قيمة.
والحزب الكردي في موقع العداء مع الحكومة، لكنه يتوجّس من المسلحين السوريين الذين اشتبكوا مع قواته مرات عدة. وسيطرة الحزب على بعض الحقول النفطية في التفاوض على استقلالية أكبر كما يساعد في تمويل صفقات السلاح التي تعزّز من سيطرة الحزب على الأرض.
أما في دير الزور، حيث نجح «الجيش الحرّ» في السيطرة على مواقع نفطية مهمة نهاية العام الماضي، فيتم إنتاج النفط الخفيف. هناك كانت خسارة المنطقة بمثابة صفعة للنظام. وحتى عندما استعاد السيطرة كان هناك العديد من المشاكل، حيث شكّل حظر النفط صعوبة في البيع لأوروبا، وهي كانت قبلة معظم الإنتاج النفطي السوري.
قبل الحرب، كانت سوريا تصدّر حوالي نصف إنتاجها النفطي اليومي وتكرّر الباقي، ولكن معامل التكرير لم تكن قادرة على تلبية حاجة البلاد بأكملها، وهو ما دفع الحكومة إلى تصدير النفط الخام واستيراد الديزل.
والجدير ذكره هنا أن آليات الحكومة تعمل على الديزل، ومن دون الإنتاج النفطي، فالقوات لن تستطيع القتال، لأن تأمين منابع النفط بات في غاية الصعوبة.
وفي تقرير نُشر الشهر الحالي لمؤسسة «هيومن رايتس فيرست» الأميركية وُصفت إمدادات الديزل للحكومة السورية بأنها «مورد حيوي وقاتل، ولا يُنتج بالشكل الكافي في سوريا». وفي أيار العام 2012، أعلن وزير النفط والثروة المعدنية السوري سفيان العلاو أن البلاد أنفقت 3,5 مليارات دولار لاستيراد الموارد النفطية منذ بداية الأزمة، بحسب وكالة «سانا» للأنباء.
وفي شمال لبنان، ازدادت حدة استهداف الصهاريج النفطية المتجهة إلى سوريا، وذلك بهدف الحدّ من حصول النظام على الموارد الحيوية. في المقابل، لم تشهد الحقول النفطية اعتداءات مباشرة من المسلحين، إلا في حالات قليلة، إذ أدرك هؤلاء أهميتها لهم، وقدرتهم على الاستفادة منها مستقبلاً.
وفيما لا تزال الحقول النفطية سليمة في معظمها، إلا أن عمليات الإنتاج والبيع تشكل الأمر الأكثر صعوبة بالنسبة للمجموعات التي تسيطر على المنابع. وهنا يبدو «الجيش الحرّ» غير قادر، في المدى القصير، على إدارة هذه الحقول، بسبب حاجته إلى الخبراء والمهندسين المتخصصين باستخراج النفط.
وكانت قد وردت تقارير عن عمليات تهريب للنفط الخام يقوم بها المسلحون إلى الدول المجاورة، حيث يبيعونه بسعر منخفض. ومع استمرار الحرب بالاحتدام، قد يكون هناك بدّ من التفكير بتسويات مفيدة مع كل من «الجيش الحرّ» وحزب الاتحاد الكردي لاستخراج النفط وبيعه.
السفير نقلاً عن (عن «نيويورك تايمز»ـ جوش وود»)
إضافة تعليق جديد