العدالة الإلكترونية على الطريقة السورية
منذ أصبح الفيسبوك وسيلة إعلام الهامشيين ومنبر الرأي غير الرسمي، بات المسؤولون حذرين تجاه هذا المنبر الشعبي الجديد الذي كسر هيمنتهم الإعلامية، فبادر وزير العدل السابق نجم الأحمد إلى تقديم مشروع لزراعة المحاكم الإلكترونية في كل أراضي القطر الحبيب، ولكنه لم يأكل من ثمارها إذ حكم عليه إخوتنا الفسابكة قبل سادتنا في الدولة، فذهب الوزير وبقيت آثاره التي تدل عليه: فبعد ظهر اليوم ناقش مجلس الشعب بحضور وزير العدل هشام الشعار مشروع قانون إحداث نيابة عامة ودوائر تحقيق تختص كل منها بالنظر في جرائم المعلوماتية والاتصالات في كل محافظة من محافظات القطر.. وبما أن أحدا لم يعلق على القانون فعليا كما يجب قبل طرحه للمداولة، فقد أدليت برأيي الذي أتخوف فيه من رغبة الحكومة بالوصاية على المجتمع الإلكتروني، في الوقت الذي تتقاعس فيه عن تطوير وتوسيع محاكم الإرهاب الذي يشكل العدو رقم واحد لمستقبل الدولة ورعاياها:
مقام الرئاسة:
يبدو أن وزارة العدل باتت تميل إلى التوسع في المحاكم بدلا من تحسين خدمات العدالة، حيث افتتحت مؤخرا العديد من المحاكم والدوائر ذات الاختصاص ولكننا لم نلمس بعد تراجعا للظلم والفساد ؟!
صحيح أن ضريبة التطور التكنولوجي تستدعي سن قوانين تنظم آلية استخدام منتجاتها وتدريب القضاة على طبيعة وماهية العدالة الإلكترونية وتقنياتها المعقدة، لكن علينا أن نسأل أولا: هل نحن من منتجي التكنولوجيا الإلكترونية؟ وهل تسمح قوانيننا بالتسوق الإلكتروني؟ هل لدينا حكومة إلكترونية، وهل يمكن لمحاكمنا العادية معالجة الجنح الإلكترونية التي نسميها جرائم بينما لا تعدو كونها تبادل القدح والذم ونشر الأخبار الكاذبة ؟
سيدي الرئيس:
إننا نخشى أن تستخدم المحاكم الإلكترونية كمحاكم التفتيش لمنع النقد وتقييد حرية التعبير وحماية الأثرياء والمتنفذين مثلما رأينا من أعمال "فرع الجرائم الإلكترونية " في وزارة الداخلية حيث تم خفر واحتجاز حرية العديد من الإعلاميين بتهمة أن مقالاتهم "المغرضة" قد نشرت على شبكة النت !؟ وهنا نسأل هل يوجد محطة تلفزيونية أو إذاعة أو صحيفة أو مؤسسة أو حتى سوبر ماركت ليس لديها موقعاً على الشبكة ؟ وهذا يعني أن جل القضايا المعروضة أمام القضاء سوف تغدو ضمن قطاع المحاكم الإلكترونية، وأن قوانين الجرائم الإلكترونية سوف تحل محل قانون الإعلام.. وهنا لابد من التذكير بأن الأفراد والمؤسسات والشركات ومؤلفي الكتب الجامعية في القطر ينعمون بمجانية استخدام البرامج والمعلومات دون أن يدفعوا ثمن حقوق الملكية للشركات المنتجة لها، وفي حال إنشاء محاكم إلكترونية سوف تفتحون الباب لممثلي ووكلاء هذه الشركات لمطالبتنا بحقوقهم المالية..
لهذا نقترح توسيع محكمة الإرهاب بدمشق وافتتاح محاكم لها في بقية المدن السورية بدلا من تبديد الجهد بالمحاكم الإلكترونية، حيث أسرّ لنا أحد قضاة محكمة الإرهاب بدمشق أن لديه أكثر من ألف قضية تنتظر الدراسة والحكم فيها، وإذا كان بمقدور القاضي البت في خمس أو عشرة قضايا في اليوم فإن على بعض المتهمين الانتظار عشرات السنين قبلما يمطر فوقهم ماء العدالة، ناهيك عن أقاربهم وذويهم الذين يأتون من كل المحافظات ليزيدوا في ازدحام العاصمة.
وقد أيدني الزميل أحمد الكزبري في الجانب الذي يخص ضعف نسبة الجرائم الإلكترونية وأهمية توسيع محاكم الإرهاب، بينما أجاب الوزير بأن الوزارة أصدرت قانون التوقيع الإلكتروني، وقانون جرائم المعلوماتية، وأن قضاة في الوزارة اتبعوا دورات في المحاكم الإلكترونية المختصة.. ومن ثم وافق غالبية نواب المجلس على مناقشة القانون المذكور والموافقة عليها .. فيا أخي المواطن انتبه الأخ الأكبر يراقبك..
نبيل صالح
التعليقات
آواه من مجلس الشعب...؟!
إضافة تعليق جديد