الأسرة السورية في الأحياء الشعبية..كيف تأكل،كيف تعيش.؟

10-03-2006

الأسرة السورية في الأحياء الشعبية..كيف تأكل،كيف تعيش.؟

 

الأسرة السورية في الأحياء الشعبية..كيف تأكل،كيف تعيش.؟
     حين تصبح اللحمة و(تنكة الزيت) والبرتقالة حدثاً احتفالياً

خالد سميسم
"هل تعتقدون أن باستطاعتنا تأمين "مؤنتنا" هذا العام من زيت الزيتون؟، على الأرجح لا، و إذا ما وجد معنا بعض النقود، ربما سنشتري "تنكة" واحدة أو ربما سنستدينها لكن بكل تأكيد، سنقوم  بخلطها بزيت ابيض".
 قالها "محمد الشواف" بحرقة و تنهد، وهو رب لأسرة مؤلفة من طفلين و أمهم، يعيش في منزل صغير يقع على الأطراف القصية لحي القابون بدمشق، وتحديدا في الجزء المخالف منه.
أضاف الشواف :" إن معظم ما نسمعه و نشاهده على التلفزيون عن زيادة الرواتب أو المحافظة على الأسعار، أو حتى بيوت السكن الشبابي أو تلك القروض التي تمنحها مكافحة البطالة، كل تلك القصص لا تعنيني لا من قريب و لا من بعيد، لأني لست موظفا، و اعمل على عربة لبيع الخضار، فلا يوجد تاجر يكفلني و بيتي مستأجر، كذلك لا أستطيع تأمين أي دفعة للسكن الشبابي ، و كلما رغبنا أنا و زوجتي بأن نضع "مونة" في بيتنا و خاصة قبل فصل الشتاء تبدأ معها مشاكلي حول قلة الحيلة، فشراء الزيت صدقوني  هو "مشروع" بحد ذاته، و إذا ما أردنا أن نأكل طبخة فيها لحمة صدقوني أيضا أننا نعمل لها حفلة خاصة ، أنا من الناس التي تعمل لتطعم أولادها كل يوم بيومه كما يقولون، و طبعا لست وحدي، إذ يوجد الكثيرون ممن لا يحسبون في أي مشروع له علاقة بهذا البلد، وأتساءل هل الموطن في سورية هو فقط الموظف، وعل نحن مواطنون من الدرجة الثالثة لأننا غير موظفين عند الدولة، و هل الحكومة تحدد أسعار كل شيء  حسب دخل الموظف، ألا تعرف الحكومة أن حالة أمثالي أسوء من حالة أي موظف في سورية.؟؟ ".
و لكن ما علاقة الموظف بموضوعنا؟ أجاب محمد:" لأني كثيرا ما أسمع من الناس إن هذا الرجل موظفا و حالته المادية بالويل، و هذا الكلام لم يعد موجودا الآن فهناك آلاف الأسر و حتى الشباب لا يجدون حتى وظيفة و لا أي عمل ، ألم تسألوا أنفسكم كيف يعيشون، كيف يأكلون ، و من أين؟؟، فالموظف وضعه يعتبر راقيا بالنسبة لغيره هذه الأيام".
عل ما يبدو أن عددا لا بأس به من سكان الأحياء الشعبية المنتشرة حول دمشق و كذلك عدد كبير من سكان الريف يعملون بأعمال  ليس لها دخلا ثابتا ، بحيث تستطيع أي عائلة أن تحدد نظاما غذائيا محددا لها أو تعمل على إنجاز " مشاريع" حياتها التي تبدو صغيرة للبعض، فمن خلال لقاءاتنا مع بعض الأسر في تلك الأحياء تبين ، أن الكثير من المواد الغذائية الضرورية لا يحصلون عليها، وغالبا ما تستبدل بنوع رخيص و مغاير حتى لو لم يكن يتمتع بمواصفات صحية وغذائية جيدة، وفي هذا يشترك الموظفون وغيرهم من تلك الفئة الفقيرة و ربما المعدومة.
" أم جلال" ربة منزل تعيل أسرة مؤلفة من سبعة أفراد و معظمهم غير منتجين، أخبرتنا أنها تعمل " مستخدمة" في إحدى المدارس و لا يتجاوز راتبها الشهري خمسة آلاف ليرة سورية و لكن رغم ذلك "أعيش .." حسب قولها، و عندما سألناها كيف؟ أجابت:" عندما أتسوق الخضار من السوق، لا أذهب في الفترة الصباحية لأن الأسعار تكون مرتفعة الثمن، فأنا أقصد السوق بعد الظهر ، و اشتري الأنواع الباقية من الخضار ، بسعر رخيص جدا، و إذا ما عملت "مكدوس" أضع الفستق عوضا عن الجوز و زيت القطن عوضا عن زيت الزيتون،أما عن الطعام الذي فيه لحوم ، فأنا اشتري نصف كيلو غرام شهريا، و كل فترة أضع القليل منه في طبخة محددة، و رغم ذلك في بعض الأحيان أستدين من البقالية القريبة،بحيث لا تتجاوز ديوني الخمسمائة ليرة سورية، لكي أستطيع تسديدها في آخر الشهر".
أما ما تعلق بتلك العائلات التي لا تتمتع بدخل ثابت و خاصة تلك التي تعيش في مناطق المخالفات حول دمشق،و نتيجة للوضع المعيشي الصعب، فقد حصل نوع من التكيف مع هذا الواقع وصارت هذه العائلات تلتف على فقرها وقلة حيلتها من خلال الاشتراك في  الجمعيات الشهرية، التي تدار بين الجيران أو المعارف ، و التي تعتبر بمثابة بنوك خاصة لهؤلاء الفقراء مهمتها تأمين مبلغ من أجل شراء شيء ضروري للبيت أو من أجل رد بعض الديون المتراكمة أو من أجل توفير مستلزمات ونفقات خطبة لأحد الأبناء أو البنات وغيرها من الظروف التي تتعرض لها هذه الأسر ولا تجد وسيلة لتأمين النقود.
وبسهولة يمكن رصد لغة خاصة في تلك الأحياء تدل على اثر ووطأة تكاليف الأعباء المعيشية اليومية، كذلك يلاحظ استخدام مصطلحات معينة مثل : " الله بدبرها هذا الشهر... أستدن من أخيك...ما حدا بديّن حدا هذه الأيام، " و كذلك كتابة أصحاب المحال التجارية الصغيرة (البقاليات) المتواجدة للكثير من العبارات على قطعة كرتون تشير إلى ضرورة عدم الإحراج وطلب الاستدانه، و منهم ما أضاف عبارة  (خاصة للأصدقاء) مثل "أبو جمعة" الذي يقع محله في منطقة الحجر الأسود، والذي أجاب حين سألناه عن سر تلك الكتابة في أغلب المحلات قائلا : لا بد منها ، وبرهن على ضرورتها بعد أن حمل  بيديه أكثر من دفتر كان قد سجل عليها الديون قائلا :" هذه الدفاتر فيها ديون تتجاوز أكثر من خمسين ألف ليرة سورية ، و لا أحد يسدد، و لكن إذا أردتم الصدق فإنه ورغم كل ما نكتب نحن لا نستطيع أن نخجل أحدا، فالبعض من جيراننا المساكين يضرون أحيانا لإستدانة  شعيرية بعشر ليرات فقط و البعض الآخر يستدين سمنة ، و أيضا ملح و أشياء بسيطة لا تخطر على بالكم ، فهل يعقل أن نقوم بتخجيلهم وردهم من أجل عشر ليرات.؟؟ لكن  إذا ما استمرينا في الدين نخسر و إذا رفضنا نخجل من أنفسنا وكذلك نخسر، إنها مصلحة تحتاج الصبر.".
الاستدانة موجودة في تلك الأحياء ، و الكثير من العائلات تسير أغلب أمورها بتلك الطريقة، فإضافة إلى استدانة المواد الغذائية، هناك أيضا محلات الملابس و التي لا تخلو من دفتر للديون، و حتى أغلب المشاريع التي تنجزها العائلات تدخل في كثير من الأحيان في باب الاستدانة، فالبعض يريد أن يضع بابا حديديا أو نافذة أو ربما شراء خزانة، حتى هذه الأشياء التي تبدو بسيطة للبعض وعادية،  تعتبر لهذه الأسرة " مشروعا" كبيرا ، وغالبا ما تتحايل على أمرها وظروفها من خلال دفع سلفة صغيرة في البداية ويتم دفع الباقي على اقساط طويلة .
و السؤال هنا هل تأخذ الحكومة بعين الاعتبار هذه الشريحة الواسعة من الناس ، هل تفكر بحل أوضاعهم المعيشية عن طريق إقامة مشاريع أو خطط خاصة بهم.؟ و كذلك السؤال الأهم هل توجد أي دراسة اقتصادية قامت بها أي جهة كانت قد حددت أعداد تلك الشريحة ومداخيلها الحقيقية بدون أي مبالغات أو تجميل، كذلك هل وقفت عند احتياجاتها ..؟
إن هذه الشرائح التي لا تستطيع مجرد التفكير بالتقدم لأي عرض له علاقة بمكافحة البطالة أو أي قرض كان ، أو أي مشروع يمكن أن ينتشلهم من تلك الأوضاع المتردية أو حتى التفكير بأي معاملة مع دوائر الدولة إذ يعتقدون أنهم لن يجنوا أي فائدة وهي مخصصة للبعض دون الآخر..

 

خالد سميسم
الظروف التي تعيشها الآلاف من هذه الأسر، تستدعي من الجهات الحكومية وضع إستراتيجية اقتصادية "خاصة" لانتشالهم مما هم فيه، إن في ذلك مصلحة للجميع ودرءا لمخاطر كثيرة ومتنوعة.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...