مفاعيل ثورة الجياع العرب وامتداداتها من المحيط إلى الخليج
الجمل: أخذت الاحتجاجات الشعبية التونسية طابعاً جديداً، فقد اتسع نطاقها بحيث انتقلت عدواها إلى الجزائر بما أصبح يهدد المغرب وموريتانيا إضافة إلى دول عربية أخرى: فما هي حقيقة هذه الأزمة؟ وهل سيتواصل سيناريو الاحتجاجات الغاضبة بما يمكن أن يؤدي إلى تهديد الاستقرار في المنطقة؟ وما مدى مصداقية القدرات المتاحة لجهة احتواء هذه الأزمة؟
* توصيف بؤرة الأزمة: أين تكمن المنابع؟
تشير المعطيات والمعلومات إلى أن الأزمة التي بدأت تونسية ثم اتسعت لتصبح جزائرية إضافة إلى احتمالات كبيرة أن تصبح أردنية وسعودية بسبب الظروف المشابهة هي أزمة ناشئة بفعل العديد من العوامل والتي تمثل المكونات الاقتصادية قوامها الأساسي. وفي هذا الخصوص يمكن أن نشير إلى العيوب والتشوهات الاقتصادية الماثلة في الساحتين التونسية والجزائرية على النحو الآتي:
• تونس: تقول الأرقام بأن حجم الناتج المحلي الإجمالي التونسي هو 40.2 مليار دولار بمتوسط دخل سنوي للفرد في حدود 3851 دولار، وفي هذا الخصوص يبلغ عدد السكان 11 مليون نسمة وعند معايرة متغير الناتج المحلي بمتغير عدد السكان نلاحظ الآتي:
- يمثل القطاع الزراعي 11% من الناتج المحلي، ويستوعب 18.3% من إجمالي عدد السكان.
- يمثل القطاع الصناعي 35.5 % من الناتج المحلي، ويستوعب 36.9% من إجمالي عدد السكان.
- يمثل قطاع الخدمات 53.7 % من الناتج المحلي، ويستوعب 49.8 % من إجمالي عدد السكان.
وتأسيساً على هذه الأرقام نلاحظ ما يقرب من نصف السكان يعملون في القطاع الخدمي وهو قطاع لا يحتاج إلى كل هذا الحجم في بلد لا تمثل الزراعة فيه سوى 11% وحتى الصناعة التي تمثل 35.5% هي مجرد صناعة تحويلية تعتمد بقدر كبير على استخدام المواد الأولية.
أما بالنسبة للأرقام الأخرى المتعلقة بأوضاع الاقتصاد الكلي التونسي فمن الممكن الإشارة إلى أهمها على النحو الآتي:
- معدل النمو 3% سنوياً.
- معدل التضخم 3.5% سنوياً.
- معدل نمو السكان 3.8% سنوياً.
ومن خلال هذه الأرقام نلاحظ أن النمو الاقتصادي السنوي البالغ 3% يقضي عليه التضخم البالغ 3.5% وبالتالي، فإن الزيادة السكانية البالغة 3.8% لا تجد ما يقابلها من نمو، وبكلمات أخرى، فقد تراكمت مفردات هذه المعادلة بما أدى إلى تزايد الضغوط.
وإضافة إلى ذلك تشير الأرقام إلى أن حجم الدين العام التونسي قد بلغ حوالي 47.1% من حجم الناتج الإجمالي أي أن حجم الدين يعادل حوالي نصف حجم الناتج الاقتصادي فكيف تستطيع تونس بناء مشروعات التنمية وهي تعاني من هذا الدين؟ وهل يا ترى بالمزيد من الدين أم بالمزيد من البطالة وعدم التوظيف؟
• الجزائر: تقول الأرقام بأن صافي حجم الناتج المحلي الإجمالي الجزائري هو 241 مليار دولار، بمتوسط دخل للفرد في حدود 7100 دولار، وفي هذا الخصوص يبلغ عدد السكان حوالي 35 مليون نسمة وعند معايرة متغير الناتج المحلي بمتغير عدد السكان نلاحظ الآتي:
- يمثل القطاع الزراعي 8.4% من حجم الناتج المحلي ويستوعب 14% من حجم السكان.
- يمثل القطاع الصناعي 61.1 % من حجم الناتج المحلي ويستوعب 13.4 % من حجم السكان.
- يمثل قطاع الخدمات 30.5 % من حجم الناتج المحلي ويستوعب 72.6 % من حجم السكان.
وتأسيساً على هذه الأرقام نلاحظ أن حجم القطاع الصناعي البالغ 61.1% من حجم الناتج المحلي لا يستوعب سوى 13.4% من حجم السكان، ويرجع السبب إلى أن الأنشطة الغالبة تتمركز في مجالات النفط والتي لا تحتاج إلى عدد كبير من الأيدي العاملة وبالمقابل فقد أصبح حجم قطاع الخدمات الذي يمثل 30.55 من حجم الناتج المحلي يستوعب حوالي 72.6% من السكان، وبكلمات أخرى، فإن 72.6% من قوة العمل الجزائرية تنصب في مجالات السمسرة والمكاتب الخدمية والباعة المتجولين وما شابه ذلك.
أما بالنسبة للأرقام الأخرى المتعلقة بأوضاع الاقتصاد الكلي الجزائري فمن الممكن الإشارة إلى أهمها على النحو الآتي:
- معدل النمو 2.2%.
- معدل التضخم 5.7%.
- معدل نمو السكان 2.3%
ومن خلال هذه الأرقام نلاحظ أن معدل التضخم يبلغ ما يقارب ثلاثة أضعاف معدل النمو ويفوق أكثر من ضعفي معدل النمو السكاني.
إضافة لذلك، تقول المعلومات بأن حجم الدين العام يعادل 20% من الناتج المحلي وهي نسبة كبيرة غير معقولة بالنسبة لبلد نفطي كالجزائر.
تشير التوقعات إلى أن الأرقام التونسية والجزائرية المتعلقة بأوضاع الاقتصاد الكلي هي أرقام غير حقيقية وعلى وجه الخصوص تلك المتعلقة بمعدلي التضخم والبطالة، وفي هذا الصدد تشير التقديرات إلى أن معدل التضخم في تونس هو 3.5% بحسب الأرقام المعلنة أما المعدل الحقيقي غير المعلن فهو لا يقل عن 10 أو 11% في أحسن الأحوال، أما بالنسبة لمعدل البطالة المعلن فهو 13.74 ولكن المعدل الحقيقي غير المعلن فهو لا يقل عن 24 إلى 26% في أحسن الأحوال.
وبالنسبة للجزائر، فإن معدل التضخم المعلن هو 5.7% وتقول التقديرات بأن معدل التضخم الحقيقي غير المعلن لا يمكن أن يقل في أحسن الأحوال عن 11 إلى 13% سنوياً، وبالنسبة لمعدل البطالة المعلن فهو 10.2% ولكن معدل البطالة الحقيقي غير المعلن لا يقل عن 25 إلى 30% في أحسن الأحوال.
* الأزمة الاقتصادية في بلدان المغرب العربي: إشكالية الاحتواء
توجد العديد من النظريات التفسيرية التي يمكن أن تتصدى لتوضيح أسباب وأبعاد وخلفيات الأزمة الاقتصادية المتزايدة في بلدان المغرب العربي، وتشير المعطيات التحليلية إلى أن هذه الأزمة تعبر عن الآتي:
• على أساس الاعتبارات الهيكلية تعبر هذه الأزمة عن وجود المزيد من التشوهات والاختلالات في بنية اقتصاديات بلدان المغرب العربي.
• على أساس الاعتبارات الوظيفية تعبر هذه الأزمة من ناحية عن فشل عملية صنع واتخاذ القرار في هذه البلدان، ومن الناحية الأخرى تعبر أيضاً عن فشل النخب القائدة في هذه البلدان في التقاط وفهم إشارات الإنذار المبكر التي طرحتها أرقام الأداء الاقتصادي الكلي في هذه البلدان، ومنذ بضعة سنوات.
تسعى السلطات التونسية والجزائرية لجهة التمادي في استخدام الأساليب العنيفة من أجل احتواء الأزمة، ولكن، لما كانت هذه الأزمة نابعة من أسباب اقتصادية فإن استخدام الأساليب القمعية من الصعب أن يحقق النجاح المطلوب لاحتواء الأزمة، والتي يتطلب التعامل معها التركيز على استخدام الأساليب الاقتصادية طالما أن أسباب الأزمة هي اقتصادية وليست سياسية.
* قارة الأزمة الاقتصادية: من هم الركاب الجدد المحتملين؟
تحدثت التقارير الجارية عن تزايد المؤشرات الدالة على أن الجزائر لن تكون هي الدولة التي ركبت في قطار الأزمة وذلك بسبب وجود عدد من المرشحين للركوب في هذه القاطرة ومن أبرزهم:
• المملكة الأردنية الهاشمية: ظهرت بعض المعالم الدالة على مؤشرات أن عدوى الأزمة الاقتصادية قد بدأت تظهر بالفعل من خلال حركة الاحتجاجات التي ضمت مجموعات العاطلين عن العمل في منطقة لواء ذيبان.
• المملكة العربية السعودية: ظهرت بعض المعالم الدالة على مؤشر أن عدوى الأزمة الاقتصادية قد بدأت تظهر بالفعل من خلال حركة الاحتجاجات التي ضمت مجموعة العاطلين عن العمل الذين نفذوا اعتصاماً في العاصمة السعودية الرياض.
هذا، إضافة لذلك فإن أبرز الدول المرشحة للركوب في قاطرة الأزمة هي: مصر التي تعاني أساساً من أزمة اقتصادية ولكن بفضل وجود الأزمة السياسية وأزمة العنف الديني فإن مفاعيل الأزمة الاقتصادية لم تظهر بالفعل وإن كانت موجودة، أما المرشح الثاني فهو المملكة المغربية التي تعاني أوضاعاً شبيهة بالأوضاع التونسية وعلى الأغلب أن تظهر أعراض الداء التونسي في المغرب قريباً!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
التعليقات
احتمال ؟
ثمن الثورة
للثوره هدف فماهو ومن وراها
إضافة تعليق جديد