«يوم من أجل الرقص» في دمشق.. أجنحة من الوحل

03-05-2014

«يوم من أجل الرقص» في دمشق.. أجنحة من الوحل

أيام قليلة تفصل الاحتفالية التي قدمها طلاب قسم الرقص في المعهد العالي للفنون المسرحية احتفالاً بيوم الرقص العالمي «29 نيسان»؛ عن سقوط أربعة من موظفي المعهد ودار الأوبرا السورية بقذائف هاون ما زالت تتساقط على الأكاديمية الفنية الأعرق في المشهد الثقافي للبلاد، إلا أن ذلك لم يمنع إدارة المعهد من تنفيذ احتفالها السنوي بيوم الرقص العالمي الذي افتتحه الفنان سامر عمران، عميد المعهد، بدقيقة صمت على أرواح شهداء سورية، تلتها قراءة عمران كلمة يوم الرقص العالمي الذي كتبها هذا العام الراقص والكوريغراف الفرنسي ـ التونسي مراد مرزوقي.
الاحتفالية التي قُدمت على مدار ثلاثة أيام على مسرح سعد الله ونوس - العلبة الإيطالية حملت عنوان: «يوم من أجل الرقص». وجاءت كمحاولات جديدة عبر أربع عشرة لوحة قدمها الراقصون بحيوية عالية، تنوعت بين رقص «الهيب هوب» و«السالسا» و«الكاثاكالي» و«المودرن جاز» من جهة، وبين صياغات رقص جسدي ورقص معاصر من جهةٍ أخرى؛ وذلك وفق محاولة للإطلالة بجرأة على واقع المدينة السورية السابحة في بحر من العماء الدموي، مشهدية لم تغب عن لوحة «بُعد» التي أشرفت عليها الكريوغراف نورا مراد، مقدمةً مع جوقة الراقصين ما يشبه غلالة من الأجساد المتشابكة كجنزير حديدي، عكَسَ خبرة حركية ارتطم الجسد من خلالها بقضبانه اللامرئية في نهوضه وجسارته المادية لاختراق العالم المرئي للكارثة الوطنية التي تحياها البلاد. بالمقابل قدمت الكريوغراف نغم معلا لوحات عدة كان أبرزها «اللامنسي» و«أُفق» تقاطعت هي الأُخرى مع نشرات الأخبار اليومية، لنرى ما يشبه بذرة لعروض سورية يكون فيها الرقص بطلاً درامياً على الخشبة، وليس مجرد وصيف للحركة، بل كان الجسد الراقص هنا بمثابة احتجاج علني على موت نظرائه من الأجساد الحية التي تتخذ من كتلتها أجساماً تطفو في فضاء المدينة، ثم تموت ميتةً عبثية لا معنى لها. إذ لم يكن المسرح الجسدي بعيداً في احتفال يوم الرقص العالمي عن «آلة الروح» التي تحركها الفاجعة على الأرصفة والحدائق وبين جدران السجون والمشافي والمقابر الجماعية، كان ثمة جسد جماعي متحرك بدمائه اللزجة على خشبة المسرح الإيطالي بدمشق؛ جسد سوري هشمته قذائف الحرب، مصادرةً رغبته في الحياة والخروج إلى صباحات لا تفخخها سيارات الموت ولا رصاص قناص يكمن في بناء مجاور من أبنية المدينة؛ جسد شوهته النيران الشقيقة مقطعةً أوصاله.
لوحات عدة كانت لافتة في يوم الرقص السوري أنجزها الكوريغراف «معتز ملاطية لي» أيضاً؛ فتحت عناوين (هيام، هيجان، هيمنة، تحت الضغط) حقق «ملاطية لي» استجابة مباشرة للدم المتصاعد إلى الرأس، نحو مفازات جمالية تركت الجسد حراً ومتاحاً للضوء في هواء قفزاته ووثباته وارتطاماته اليائسة بجدران كتيمة ومتلاصقة وفولاذية. مشهدية تلاقت مع لوحات أشرفت عليها الكوريغراف حور ملص التي قدمت بدورها حركية مضادة تجلت في لوحة «360 to salsa» منتصرةً لرقص الشعوب، وذلك وفق حركية مفارقة خرج فيها الجسد من كوابيسه الوطنية إلى جنة رقص الصالونات وبتعاون فني لافت مع الفنان محمد شباط.
اللافت أيضاً في «يوم من أجل الرقص» (أنتجته وزارة الثقافة) افتتاح هذه التظاهرة بتسجيلات صوتية للراقصين والراقصات الذين حاول كلٌ منهم تعريف الرقص بكلمتين؛ فكانت أن تواترت تعريفات عديدة سمعها الجمهور قبل افتتاح العرض، من قبيل «أرقص لأتعلم، الرقص إدمان، الرقص هو أنا، أرقص بدلاً من أن أتكلم، الرقص تعبير عن نفسي، أرقص كي أصبح إنساناً، الرقص احتجاج، الرقص أسلوب حياة، الرقص مساحة الحرية الوحيدة التي أمتلكها، أرقص لأهرب من الواقع، الرقص هو الشيء الوحيد الذي أتقنه، أرقص لأطير على المسرح، أعيش من أجل الرقص».

سامر محمد إسماعيل

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...