أسئلة وأجوبة حول زيارة نجاد لبغداد
الجمل: تندرج زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ضمن ما يعرف بـ"دبلوماسية القمة" وتشير المعطيات إلى أن وصول الرئيس الإيراني إلى العاصمة العراقية بغداد هو وصول يحمل أكثر من دلالة ويطرح أكثر من تساؤل.
* أبرز التساؤلات:
يرتبط العراق بعلاقة جوار إقليمي مباشر مع إيران وبرغم أن الكثير من الفرص قد لاحت من قبل، خاصة بعد سقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين، فإن الرئيس الإيراني لم يقم بمثل هذه الزيارة، فلماذا اختارت إيران هذا الوقت بالتحديد، وهل للأمر علاقة بالاقتحام العسكري التركي لشمال العراق أم يهدف إلى تطبيق وإنفاذ قدر من الدبلوماسية الوقائية الإيرانية ضد الولايات المتحدة، أم يهدف إلى موازنة زيارة الرئيس بوش في شهر كانون الثاني الماضي إلى منطقة الخليج؟ الأمر الذي ينقل رسالة إلى زعماء الخليج والرأي العام الخليجي بأن ثمة اقتساماً للنفوذ بين إيران والولايات المتحدة قد أصبح على وشك أن يصبح أمراً واقعاً.
* البعد الداخلي للزيارة:
كشفت زيارة الرئيس الإيراني إلى بغداد عمق الخلافات والانقسامات العراقية على الخطوط الإثنو-طائفية، ففي وسط وجنوب العراق كان تأييد السكان الشيعة للزيارة يترافق مع معارضة سنية لها، وتجسد ذلك الانقسام في مواكبة مظاهر الحفاوة التي ظهرت في الجنوب العراقي ومواكب ومظاهر الغضب والاحتجاج التي ظهرت في الوسط العراقي. أما بالنسبة لأكراد الشمال فقد كانت مجموعة "السليمانية" التابعة للرئيس جلال الطالباني زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني أكثر حفاوة وترحيباً بزيارة الرئيس الإيراني، أما بالنسبة لمجموعة "أربيل" التابعة لمسعود البرزاني زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، فقد كان رد فعلها مختلفاً، فقد كان معروفاً خلال الفترات السابقة أن جلال الطالباني هو حليف إيران ومسعود البرزاني هو حليف أمريكا وإسرائيل وحليف تركيا وبالذات خلال فترة النظام العراقي السابق.
كانت التوقعات تشير إلى احتمالات رفض التكتل الكردي الحليف في بغداد، ولكن على خلفية الاقتحام العسكري التركي المدعوم بواسطة أمريكا وإسرائيل، فقد اضطر التكتل الكردي إلى التصرف ببراغماتية وذرائعية إزاء زيارة الرئيس الإيراني الذي –كما أشارت المعلومات- كانت تقع مسؤولية حمايته خلال تواجده في العراق حصراُ على قوات البشمركة الكردية وليس القوات العراقية أو المليشيات الشيعية.
* الجانب الإقليمي:
باشرت الإدارة الأمريكية بالإشراف على عملية اصطفاف إقليمي يهدف إلى تجميع الدول الخليجية والسعودية ومصر والأردن ضمن ما عرف بـ"المعتدلين العرب" لمواجهة الخطر الإيراني المفترض أمريكياً وإسرائيلياً، ولما كان تجمع المعتدلين العرب ينظر إلى الولايات المتحدة باعتبارها صاحبة الكلمة العليا واليد القوية في المنطقة، فإن هبوط طائرة الرئيس العراقي في بغداد عاصمة العراق الذي يحتله منذ أكثر من ربع مليون جندي أمريكي هو هبوط يحمل ليس المغزى والدلالة وإنما أيضاً يرفع راية التحدي للوجود الأمريكي في المنطقة، وتشير تفسيرات المراقبين والمحللين إلى أن المؤشر الإقليمي لزيارة الرئيس الإيراني على خلفية مفاوضات طهران – واشنطن الجارية في المنطقة الخضراء، إلى أن واشنطن لن تكون وحدها المسير على المنطقة!! وبتتبع المؤشر الإقليمي فإنه يقودنا إلى أن على الزعماء الخليجيين إدراك أن القوة الإقليمية الإيرانية قد أضحت أمراً واقعاً يجب التعامل معه على غرار ما فعل "المتعاملون" في نظام بغداد.
* الجانب الدولي:
رفضت الإدارة الأمريكية القبول بزيارة الرئيس الإيراني إلى العراق، وبرغم الرفض الأمريكي وبرغم سيطرة المتعاملين على نظام بغداد وبرغم وجود القوات الأمريكية المكثف واحتلالها العسكري والأمني للعراق، فقت تمت زيارة الرئيس الإيراني وبرفقته وزير الخارجية الإيراني ووزير الطاقة ووزير الاقتصاد والمالية ووزير الطرق والمواصلات. ومعنى هذا:
• إن علاقات إيران – العراق سوف تمتد لتشمل الجوانب السياسية والطاقة والاقتصاد والمواصلات.
• إن علاقات إيران – العراق في المجالات الأمنية والعسكرية هي أمر مفروغ منه طالما أن الجميع وأولهم جورج بوش يعرفون بوجود فيلق القدس والحرس الثوري الإيراني في العراق ومدى ارتباط الميليشيات الشيعية وبعض الميليشيات غير الشيعية بطهران، لذلك لا داعي لاصطحاب الرئيس الإيراني لوزير الدفاع وقادة الحرس الثوري والمخابرات الإيرانية.
أقوى الرسائل التي وجهتها لواشنطن زيارة الرئيس الإيراني لبغداد تمثلت في التزام المتعاملين مع الاحتلال الأمريكي بطرد منظمة "مجاهدي خلق" الحليفة لأمريكا من الأراضي العراقية. وعلى ما يبدو فإن هذا الإجراء يشير في حد ذاته إلى حدوث بعض التغيرات في مواقع تحالف المتعاملين العراقيين، ففي الفترة السابقة كان وجود منظمة مجاهدي خلق مطلباً أمريكياً يؤيد حلفاء أمريكا في المنطقة، وكانت القوات الأمريكية ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية تستعين بعناصر مجاهدي خلق في شن العمليات السرية ضد إيران. وحالياً، فإن إخراج عناصر المنظمة من العراق سيترتب عليه:
• إضعاف قدرة الأجهزة الأمريكية على التغلغل السري داخل إيران انطلاقاً من الأراضي العراقية.
• كسر إحدى الحلقات الهامة التي يعتمد عليها مخطط مهاجمة أمريكا لإيران لأن عناصر مجاهدي خلق ستوكل لهم مهمة التغلغل من الأراضي العراقية وتنفيذ العمليات التخريبية ضد المنشآت الإيرانية.
• إضعاف مصداقية واشنطن إزاء جماعات المعارضة الإيرانية.
وضع خبراء البنتاغون خطة ضرب إيران ووضع خبراء وزارة الخارجية الأمريكية خطة مواجهة إيران دبلوماسياً في الساحة الإقليمية والدولية، أما جماعة المحافظين الجدد فقد أكد خبراؤها أولاً وقبل كل شيء على ضرورة التركيز على مواجهة إيران في المسرح العراقي بما يؤدي إلى استنزافها وإضعافها تمهيداً لضربها، والآن وبعد مرور عامين على مخطط مواجهة إيران في المسرح العراقي جاءت زيارة الرئيس الإيراني إلى بغداد لتؤكد بأن معادلة الصراع الإيراني – الأمريكي في المسرح العراقي قد أصبحت تنطوي على النتائج التالية:
• إخراج منظمة مجاهدي خلق من الساحة العراقية معناه أن واشنطن قد خسرت نقطة وطهران كسبت نقطة.
• قيام قوات البشمركة الكردية (حلفاء أمريكا) بحماية الرئيس الإيراني معناه أن واشنطن قد خسرت نقطة وطهران كسبت نقطة.
• زيارات بوش السرية الليلية غير المعلنة إلى العراق عند مقارنتها بزيارة الرئيس الإيراني المعلنة في وضح النهار معناه أن واشنطن قد خسرت نقطة وطهران كسبت نقطة.
وإزاء كشف حسابات الربح والخسارة، هل يمكن القول بأنه قد بدأ الصراع بين طهران وواشنطن حول "لعبة العراق"، وما هي قواعد هذه اللعبة؟ وإذا كانت كل من طهران وواشنطن تمثلان لاعبين أساسيين فمن هم اللاعبون الآخرون وما هو دورهم وما هو تأثيرهم، وهل يوجد لاعبون عراقيون ينتظرون دوراً جديداً؟ وهل ستؤدي لعبة العراق إلى تغيرات جذرية في خارطة التحالفات العراقية – العراقية والعراقية – الإقليمية والعراقية – الأمريكية والإقليمية – الأمريكية؟ بكلمات أخرى، لقد قاطع السنة العراقيون "المعادون لأمريكا" زيارة الرئيس الإيراني الذي "تعاديه أمريكا" بينما رحب الشيعة الأكراد (حلفاء أمريكا) بزيارته، فهل ستمثل الزيارة فاتحة لتفاهم أمريكي – سني يهدف لمواجهة النفوذ الإيراني؟ وهل سيرتبط هذا التفاهم بتفاهم الرياض – واشنطن حول نفس الموضوع؟ وهل سيترتب على ذلك توتر شيعي – أمريكي داخل العراق بحيث يتحالف السنة العراقيون المدعومون سعودياً مع أمريكا حليفة السعودية تحت واجهة محاربة النفوذ الإيراني في العراق؟ بكلمات أخرى، هل ستستطيع أمريكا مواجهة التمرد الشيعي القادم الذي قد يحل محل التمرد السني الحالي؟
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد