أسباب فشل الرأسمالية
الرأسمالية وبكل بساطة غير صالحة للعمل كنظام اقتصادي وإليكم الأسباب
قدم الاقتصادي توماس بيكيتي نظرية غير مبشّرة عن اتساع الهوَّة بين الأغنياء والفقراء، وهو ما يهدّد بتدميرنا.قام توماس بيكيتي بعملية بحث في بيانات صادرة بتسلسل زمني يصل الى 2000 سنة سابقة من الآن ليوفر الدعم لنظريته التي تتحدث عن عدم صلاحية النظام الراسمالي.بصورة مفاجئة ظهر عالم اقتصاد حلّل الاقتصاد وتموجاته وهو هذه المرة ليس من جناح اليمين المدافع عن الرأسمالية. في مؤتمر معهد الفكر الاقتصادي الجديد والذي عقد في تورنتو – كندا الاسبوع الماضي، تم ذكر اسم كتاب توماس بيكيتي في جميع المداولات خلال الجلسة. لم تحظَ أي نظرية اقتصادية بمثل هذا الاهتمام منذ سنة 1970 حيث جاء ميلتون فريدمان بأفكار أثارت اهتمام الاقتصاديين حينها.
وكما كان فريدمان وقتها هو رجل المرحلة فإن بيكيتي وكما يبدو قد أصبح رجل المرحلة الحالية. في سنة 1970 كان التضخم هو ما يثير القلق واليوم تم استبدال القلق من التضخم بالقلق من الطبقة الغنية الحاكمة (البلوتوكراتيك) وتأثير هذه الطبقة على الاقتصاد والمجتمع. بيكيتي متأكد بصورة قاطعة، حيث أشار في مقابلة معه أن المرحلة الحالية من ازدياد غير المتكافئ في الثروات لا زالت تنمو وتتوسع سريعاً، وهي تهدد استمرارية الرأسمالية في المستقبل القريب. وقد قام بيكيتي بإثبات ذلك.إن أولئك الذين ينظرون للرأسمالية وعدم المساواة على أنهما بحاجة إلى بعضهما يعتبرون كلام بيكيتي طرحاً عجيباً وغير مقبول. في الحقيقة الرأسمالية بحاجة إلى عدم تساوي الثروات وهذا يؤدي إلى فتح المجال للطبقة المتوسطة وتحفيز خوض المخاطرة والجهود. تحاول الحكومة أن تقيّد نمو الفوارق الاجتماعية من خلال فرض الضرائب سواءً على الثروة، رأس المال، الميراث، وضرائب أخرى. مما يؤدي إلى نمو مفهوم (اقتل الوزة التي تستلقي على البيض الذهبي). إن السادة كاميرون وأوزبورن (مسؤولين حكوميين بريطانيين) بأمانة وصدق هم أبطال تخفيض الضرائب على الميراث، حيث رفضوا إعادة صياغة محتوى الوعاء الضريبي المحلي وتفاخروا بتخفيض أرباح رأس المال.
نشر بيكيتي بيانات اقتصادية لـ 200 سنة سابقة ليثبت أنهم على خطأ، حيث اعتبر رأس المال أعمى لأنه يعيد الاستثمار في كل شيء ابتداءً من شراء الملكية وبيعها وصولاً الى استثماره مثلاً في مصنع سيارات وبذلك فإن نمو رأس المال يتجاوز النمو الحقيقي للأجور والمخرجات، بحسب تاريخ النظام الرأسمالي فإن ذلك كان يحصل دائماً (ما عدا الفترة بين 1910 و 1950 ) ثم وبكل تاكيد فإن أسهم رأس المال سترتفع بدون تناسق وأسرع من خط المخرجات. عدم تساوي الثروة يزداد ويرتفع بطريقة أسّية (2 ، 4 ، 8 ، 16 ، 32).
تكون عملية اقتطاع الضريبة اسوأ في الميراث. في الولايات المتحدة وبريطانيا يكمن سوء الإدارة في الرواتب العالية للـ “المدراء الخارقين”، حيث أن هذه الرواتب غير ذات صلة بالإنجازات التي يحققها هؤلاء المدراء فهي أقل بكثير في دول أوروبا واليابان مثلاً. بالأحرى إن تلك الرواتب أصبحت عادة انجلوسكسونية طمّاعة تم القبول بها عن طريق إيديولوجية “التطرف في الأفضلية”، في جوهرها، تحمل معنى تقديم خدمة ذاتية من المدير لشخصه هو، وذلك للمحافظة على مستوى معاشي يتناسب مع مستوى عيش الأغنياء الآخرين. هذا عنصر مهم في تفكير بيكيتي: زيادة فوارق الثروة ليس موضوعاً غير قابل للتغيير. بإمكان المجتمعات أن تنغمس فيه أو أن تغيّره.
إن فوارق الثروة في أمريكا وأوروبا أكبر من فوارق الدخول الموزعة بمرتين – 10% يمتلكون 60% او 70 % من الثروة بينما تكون %25 الى 35 % من الدخول من نصيب 10% من السكان. إن تركز الثروة الآن يعود الى مرحلة ما قبل الحرب العالمية الأولى حين كان من المتوقع أن يرث البعض عناصر رئيسية مهيمنة على الاقتصاد والحياة الاجتماعية. هناك مفعول للأنانية بين المال والثروة: تضيف الثروة دخلاً غير مكتسب إلى الدخل المكتسب، وهي بالتالي تزيد من الفوارق بين الأغنياء والفقراء.إن البذخ والتوترات الاجتماعية في إنكلترا وحقبة الرفاهية في فرنسا والبارون السارق في أميركا كانت فترات تم فيها تخفيض الفوارق وعدم تركز الثروة بصورة كبيرة، لكن بيكيتي أظهر أن هذه الفترة بين 1910 و 1950 كانت فترة شاذّة. لقد تطلب الأمر كانت أزمة وحرباً كي تتوقف ديناميكية الفوارق في الاقتصاد الراسمالي، كما كان هناك كساد كبير بالإضافة الى وجود حاجة إلى فرض ضرائب عالية على الدخول العالمية، وبالأخص الدخول غير المكتسبة، من أجل المحافظة على السُّلْم الاجتماعي. إنّ العملية الديناميكية للفوارق في الثروات لا مفر منها وهي تشترك مع رأس المال الأعمى بصورة أسرع وفي أيادٍ أقل وبمقياس عالميّ. يقول بيكيتي إن العواقب ستكون وخيمة.
كبداية، ليس هناك شخص ريادي في تخليص النظام من هذه الفوارق، ما عدا شخص أو شخصين في وادي السيليكون باستطاعتهم الحصول على المال الكافي لتحدّي تركّز الثروة القوي والهائل. في هذه الحالة سيكون (الماضي يلتهم الحاضر). فالحاضر يخبرنا أن الدوق ويستمنستر وإيرل كادوغان هما اثنان من أغنى الرجال في بريطانيا. وهم كذلك لأنهم يمتلكون الحقول التي امتلكتها عوائلهم منذ قرون، وأيضاً بسبب عدم رغبة القانون في تضييق الثغرات التي تسمح باستمرار هذه الدويلة العائلية.
أي أحد لديه القدرة على زيادة ملكيته في وقت ما سيزيدها تلقائياً وسيصل إلى مرحلة اللاعودة وهؤلاء الناس هم الذين سيصبحون من مخرجات النظام التي تصنع الفوارق الاجتماعية وتزداد في الثروة. ستكون الحوافزُ لهذا السلوك الحصولَ على إيجار الملكية بدلاً من خوض المخاطر والدخول في انفجارات وأزمات مالية للوصول الى الثراء. لن تحتاج شركاتنا وأغنياؤنا إلى العودة لحدود الإبداع أو حتى الاستثمار من أجل الإنتاج: هم فقط سيكونون بحاجة لِحصاد عوائدهم بعد اقتطاع الضرائب منها، وستنجز بيوت الوعاء الضريبي والضريبة المركبّة باقي المهمة.
إن الديناميكية الرأسمالية مقوّضة جداً، ولكن تنضمّ إليها قوى أخرى أيضاً لتدمير المنظومة. يقول بيكيتي إن الأغنياء ناجحون جداً في حماية أموالهم من الضرائب، وإن العبء الضريبي يتمّ تدريجياً نقله إلى الطبقة المتوسطة الذين ستكون دخولهم قد ارتفعت بالأساس. في بريطانيا، قد يكون صحيحاً أن 1% يدفعون ثلث ضريبة الدخل، لكن ضريبة الدخل تشكل فقط 25% من عوائد الوعاء الضريبي: تأتي 45% من ضريبة القيمة المضافة التي يتحمل المستهلك معظمها ومن الرسوم المستحقة والتأمين الوطني الذي يتم تحصيله من السكان بصورة شاملة.
كنتيجة. فإن الدفع للخدمات العامة مثل التعليم والصحة والإسكان يتم تحميله وبصورة متزايدة على دافعي الضرائب العاديين الذين لا يملكون مقدار دفع بدل الايجار للسكن لجعلهم يستقرون. إن عدم التساوي في الثروة أصبح إجراءً للإبطاء وكره الابداع واقتصادات ريعية، وسبّب أوضاع عمل اصعب وخدمات عامّة متدهورة، في الوقت الذي يزداد الأغنياء غنى وينفصلون أكثر عن محيطهم الاجتماعي الذي هم جزء منه، مع أنهم لم يكسبوا ذلك بالعمل الدؤوب وإنما فقط لأنهم أكثر حظاً من غيرهم في التحكم برؤوس الاموال وتحقيق عوائد أكبر بمرور الوقت، حتى المنطق الذي نحمله تم انتهاكه.
لقد علمنا الماضي أن الشعوب تحاول حماية نفسها من خلال إغلاق الحدود أو القيام بثورة أو الاتّجاه نحو الحرب. بيكيتي يتخوّف من أن يعيد التاريخ نفسه، وكما يقول حسب نقده إنه مع وجود المقاييس العالية لرفاهية حياة الأغنياء، فإن الاستياء من ذلك ممكن ألا يكون عظيماً. تخضع بيانات بيكيتي الآن لفحص مكثف ولذلك فإنها لا تعتبر نظرية لحد الآن.ولا يبدو أن مفهوم العدالة الإنسانية قد مات في نفوس البشر. بالطبع سيلعب رد الفعل دوراً كبيراً باتجاه آخر غير الاتجاه الذي تسير به المنظومة الحالية: كان لدي شك أن الطاقات الكامنة خلف الروح الوطنية الاسكتلندية سببها الرغبة في بناء بلد حيث تكون الفوارق في الثروة أقل انغماساً من إنكلترا.
الحل- تقييم ضريبي فوق 80% للدخول العالية، ضريبة فاعلة على الميراث، ضريبة ملكية لائقة، ضريبة عالمية على الثروة ـ لا يمكن تصوّره. وكما يقول بيكيتي، فإن مهمة الاقتصاديين الآن أن يجعلوا ضريبة الثروة قابلة للحساب والمسائلة. رأس المال بإمكانه فعل ذلك بكل تأكيد.
ويل هوتون/ صحيفة الكارديان اللندنية
إضافة تعليق جديد