أسلحة ألمانية إلى دول الخليج لقتال الشوارع
«Made in Germany»، لم تعد رمزاً لجودة صناعية متينة، بل حوّلتها حكومة المستشارة أنجيلا ميركل إلى رمز للقتل السريع والدمار الأكيد عبر مضاعفتها في العام الماضي لحجم الأسلحة المصدّرة إلى دول الخليج، وتحديداً إلى البحرين وقطر والعربية السعودية والكويت وعمان والإمارت، وحتى إلى الجزائر.
والملاحظ هنا أن نوعية الأسلحة المصدّرة إلى هذه الدول ليست صالحة بمعظمها للحروب الخارجية، وخصوصاً الدبابات والمدرعات الصغيرة الحجم والأسلحة اليدوية، والتي تقدّر فعاليتها في قتال حرب الشوارع والطرقات الضيّقة وتفريق التظاهرات في دول تعيش مأزق حقوق إنسانها وربيعها الديني.
وكان وفد من مصانع السلاح الألماني، «كراوس _ فيكمان»، قد توجّه في شهر حزيران الماضي إلى الرياض والدوحة، حيث جرى التوقيع على صفقة أسلحة تقضي بتسليم السعودية 800 دبابة من نوع «ليوبارد _ 2» السريعة والمتطورة جداً، والتوقيع على صفقة تقضي بتسليم قطر مئتي دبابة خفيفة من النوع ذاته.
وتفيد مصادر وزارة الاقتصاد الألمانية أنّ صفقة أسلحة تقدّر بحوالي 1,1 مليار يورو هي صالحة لحماية الحدود فقط. وكشفت موازنة عام 2012 أنّ حجم صادرات الأسلحة إلى السعودية وحدها وصل إلى حدود 1,2 مليار يورو، وإلى البحرين وصل إلى حدود 4,3 ملايين يورو، وإلى قطر تجاوز 17,6 مليون يورو، وهذا كله في عام واحد فقط. وبالنسبة إلى الجزائر، بلغ حجم الصادرات العسكرية في عام 2010 نحو 20 مليون يورو، وفي عام 2011 تجاوز 217 مليون يورwو، ليصل في عام 2012 إلى حدود 287 مليون يورو.
وردّاً على سؤال من كتلة اليسار الألماني حول حجم موازنة الأسلحة التي شُحنت إلى دول الخليج في 2012 ، أجاب وزير الاقتصاد الألماني بأنها تقدّر بنحو 1,42 مليار يورو. وتجدر الإشارة الى أن سقف الموازنة المصرّح به في عام 2011 كان بحدود 570 مليون يورو، ما يعني أن الرقم تضاعف بوضوح خلال عام واحد من دون أي مبرّر.
وتعمل المصانع الألمانية حالياً بكامل طاقتها على تجهيز طلبات البوارج البحرية و«دبابات فوكس وليوبارد» السريعة والخفيفة لقتال الشوارع. وبحسب تقارير الخبراء العسكريين، فإن الدبابة «ليوبارد _2» هي الأقوى من نوعها في العالم، نظراً إلى سرعة حركتها على الرمال وتمتعها بقدرات سلاحية، وهي تصلح لقتال الشوارع. ومن أجل تلبية كثرة الطلبات الخليجية على هذا النوع المميّز من الدبابات، (قطر دفعت ملياري دولار)، سعى مصنع «كراوس مافاي فيكمان» إلى حيلة تقضي بمنح إسبانيا، وتحديداً مصنع «جنرال ديناميكا _ سانتا بربارة»، رخصة تصنيع هذا النوع من الدبابات كي تتمكن بعض دول العالم الثالث مداورة من الحصول عليها.
أما حكومة المستشارة ميركل فقد اعتمدت «بدعة سياسية» لتبرير صفقات السلاح إلى دول الخليج، ومنها مثلاً التوقيع على عقود «توأمة وتعاون» بين مدن خليجية ومدن ألمانية، كحال «التوأمة بين مدينتي الرياض وبرلين». وسمح هذا النوع من العقود بمدّ السعودية ببوارج حربية مجهّزة بآلات إلكترونية متطورة جداً تساعد على كشف حركة الطيران المعادي وتعطيل فعاليتها عبر خلق «مظلة إلكترونية صاروخية واقية»، وبالدبابات الألمانية.
وقد أيقظ هذا الرقم المالي الكبير واللافت أحزاب المعارضة الألمانية من غفوتها، وبدأت بطرح الأسئلة المحرجة على حكومة المستشارة من دون سماع جواب مقنع. ورأى رئيس كتلة الحزب «الاشتراكي الديموقراطي» المعارض، توماس أوبرمان، أن حكومة المستشارة «تسعى إلى تسليح السعودية وبقية دول الخليج من دون أي اعتبار لحقوق الإنسان، وهذا مخالف للسياسة المتفق عليها، والتي تقضي بعدم تقديم السلاح إلى هذه الدول».
وطالب حزب البيئة «الأخضر» حكومة المستشارة بتقديم تقرير واضح حول عمليات تصدير السلاح الألماني إلى دول الخليج. وقالت رئيسة الكتلة البرلمانية لهذا الحزب، كاتيا كويل، إن «المستشارة تستند إلى قاعدة عدو عدوي هو صديقي لتبرير تصدير السلاح إلى دول الخليج، وهذا خطأ كبير»، فيما انتقد النائب يان آكن (كتلة اليسار) تساهل الحكومة الألمانية حيال الموافقة على تصدير السلاح إلى دول الخليج بقوله إنّ «دول الخليج تطلب السلاح والحكومة الألمانية مستعدة لمدّها بما يلزم. إنّها دول من أفضل الزبائن، وليس مهماً بالنسبة إلى الحكومة الألمانية أوضاع حقوق الإنسان في هذه الدول».
وبرّرت حكومة المستشارة، في حينه، موقفها في مواجهة انتقادات أحزاب المعارضة الألمانية بالقول إن «مجلس الأمن الألماني الاتحادي كان يسعى داخل حلف شمالي الأطلسي منذ فترة طويلة إلى مدّ بعض دول العالم الثالث، ومنها قطر والسعودية وإندونيسيا، بما تحتاج إليه من السلاح لأسباب استراتيجية»، ومن دون أي تفسير أو تحديد للمقصود بتعبير «الأسباب الاستراتيجية».
وفي ندوة حوار تلفزيوني، دافع هورست فايغل، وهو أحد خبراء صناعة السلاح، عن هذه الصناعة بالقول إن «تجارة السلاح دائماً رابحة. إن إنتاجها دائم الفعالية، وبالتالي التسويق والانتشار. والأهمّ، إنها التجارة الوحيدة في العالم التي بإمكانها، في حال لامست الخسارة، أن تبني زبائنها عبر افتعال وتأجيج الحروب».
وكانت منظمة «العفو الدولية» أصدرت في شهر تموز الماضي تقريرها السنوي حول تجارة السلاح، ليكشف أن ألمانيا تأتي في طليعة 16 دولة منتجة للسلاح، مشيرة إلى خطورة مدّ دول لا مراعاة فيها للحريات وحقوق الإنسان بالسلاح.
وكانت مجلة «درشبيغل» قد أصدرت مع مطلع أزمات «الربيع العربي»، على غلافها، صورة ميركل بثياب عسكرية مرقطة، في إشارة إلى «الزبائن» الخليجيين، الجدد.
عسان أبوحمد
المصدر: الوطن
إضافة تعليق جديد