إعادة صدام إلى السلطة الخيار الأقل سوءا بالنسبة للعراقيين
الجمل: تناولت الصحف الأمريكية الصادرة صباح اليوم 26 تشرين الثاني 2006م،المشهد العراقي من عدة زوايا، وضمن وجهات نظر متعددة، وفي صحيفة نيويورك تايمز اعد محررا الجريدة جون بورنيس، وكيرك سيمبل تقريراً يقول: إن حركة التمرد العراقي أصبحت تجد تمويلاً كافياً للقيام بأنشطتها، وذلك استناداً إلى المعلومات الصادرة من بغداد وتقارير البنتاغون، والتي تؤكد جميعها أن حركات التمرد في العراق أصبحت تحصل على دخل سنوي يصل إلى حوالي 200 مليون دولار، وأكدت نفس الموضوع صحيفة الواشنطن بوست الصادرة صباح اليوم في تقرير نشرته الصحيفة نقلاً عن وكالة رويتر.
ومن بين الآراء المتعددة حول الملف العراقي، كتب المحلل السياسي الأمريكي جوناثان شايت في صحيفة لوس انجلوس تايمز الصادرة صباح اليوم 26 تشرين الثاني 2006 تحليلاً سياسياً مثيراً للجدل، حمل عنوان (إعادة صدام حسين)، ويقول التحليل.
الحوار والخلاف حول العراق قد تحرك وانتقل إلى ما وراء السؤال الذي يقول: هل سوف يكون من الخطأ (الجميع يعرفون –ذلك الخطأ-)طرح السؤال المحبط المتعلق بمدى إمكانية تجنب الكارثة الشاملة.
إن كل محلل مختص بالسياسة الخارجية، يحترم نفسه، لابدّ أن تكون له خطته حول العراق، والمشكلة تكمن في أن هذه الاستطراقات المحددة محتم عليها أن تكون مقنعة، إلا إذا قامت بتقديم تفسير يجيب على السؤال القائل: لماذا تفشل كل الخطط الأخرى.
يبدو الأمر معتماً وغامضاً بشكل مخيف، ومن ثم، ارجو أن تسمحوا لي بافتراض ما هو غير معقول، أو ما لم يفكر فيه أحد: من الممكن وفقط تماماً من الممكن، أن يكون خيارنا الأفضل هو إعادة صدام حسين إلى السلطة.
نعم، فأنا أعراف أن صدام حسين قاتل جماعي مهووس، وتحت حكمه، قتل العراقيون وعذبوا، وعاشوا في خوف مستمر وثابت، وإعادة الدكتاتور –مرة أخرى- تبدو قاسية وفظة إذا لم تكن من الحقيقة التي مفادها أن كل هذه الأشياء ظلت وأصبحت تحدث الآن، وربما بحجم أكبر وأشمل وأوسعز
في أول مستهل الحرب، لم تكن آمالي كبيرة حول الديمقراطية العراقية، ولكنني لم أعط انتباهاً حول إمكانية أن يصل العراقيون وينتهي بهم الأمر إلى حكومة أسوأ من تلك التي كانت لهم فيما قبل.
وعلى أية حال، فقد بدا واضحاً أن ثمة شيئاً شنيعاً فظيعاً مهولاً ما هو مجرد شمولية، وهو كارثة هاوية الفوضى اللانهائية، والحرب الأهلية.. لا أحد –على ما يبدو- يتطلع ناظراً لإمكانية واحتمالية حفظ النظام في العراق، وهنا توجد وتكمن المعضلة الرئيسية: الحكومة يسيرها الشيعة، وأجهزة الأمن تسيرها الميليشيات وفرق الموت، والحكومة قوية بما يكفي لإرهاب السنة وتحويلهم إلى متمردين، ولكنها –أي الحكومة- ليست قوية بالقدر الكافي للقضاء على هذا التمرد.
في هذه الأثناء، توجه جهودنا بإعجاب وفخر –إزاء- عملية تدريب قوات شرطة عراقية محترمة وغير طائفية، وتشجع التسوية والمصالحة بين السنة والشيعة، ولكننا لم ننجح، وقد نكون أقوياء بالقدر الكافي لكي توقف –عملية- الاحتراب أو المذبحة الكبيرة، ولكننا لسنا أقوياء بالقدر الكافي لكي نوقف الاختلال وحالة الفوضى المضطربة العارمة المتشربة.
صدام حسين –على أية حال- قد كان له سجل قياسي مثبت في هذه الناحية، وسوف يكون من الممكن تماماً وجيداً إعادة تشكيل الجيش العراقي وأجهزة الدولة البيروقراطية التي سرحناها، وإذا تم ذلك، فمن الممكن أن يكون ذلك بمثابة القوة الوحيدة القادرة على فرض النظام في العراق.
الفوضى والنظام، لكل واحد منهما منطق للاستدامة والاستمرارية الذاتية، وعندما يفهم ويدرك الناس –عملية- الافتقار الى النظام، فإنهم يتصرفون ويسلكون طرقاً وسبلاً تعمق الاضطراب وحالة عدم النظام. وإذا كان السني يعتقد انه في خطر من جراء خوف قتل الشيعة له، فإنه سوف يقدم دعمه وتأييده للمتمردين السنة والذين ينظر إليهم باعتبارهم القوة الوحيدة التي يمكن أن تحميه. والمتمردون السنة، من الناحية الأخرى، سوف يعملون على إفزاع وإرهاب الشيعة بما يدفعهم –أي الشيعة- إلى دعم وتأييد ميليشياتهم الخاصة المعادية للسنة.
وليس فقط العراقيون، هم الذين يتصرفون بهذه الطريقة، فمن الممكن أن تجد صيغة –أو أنموذجاً- صغير الحجم لهذه الديناميكية في أي اضطراب أو تظاهرة في أي من المدن أو المناطق الحضرية في الولايات المتحدة.. ولكن عندما يكون هناك ثمة توقعاً بوجود النظام الاجتماعي، فإن الناس سوف يتصرفون وفقاً للطريقة الحضارية.
إن الإبقاء على توقع حدوث النظام في العراق سوف يحمل معه نوعاً من الصدمة السيكولوجية الكبيرة والهائلة الحجم. وقد كان هناك توقعاً بأن الانتخابات العراقية سوف تطرح وتقدم هذه الصدمة، إلا أنها لم تفعل ذلك. والعودة إلى صدام حسين-الرجل الذي يعرفه كل عراقي، والذي يخافه ويتهيبه الكثير منهم- سوف تقود وتؤدي إلى الفعل والمفعول السحري غير المتوقع.
إن مساوئ إعادة تنصيب صدام حسين واضحة وجلية، ولكن علينا أن نأخذ في الاعتبار الجانب المفيد من العملية، فهو لن يسمح أن تتم السيطرة والهيمنة على العراق بواسطة إيران، والتي هي العدو الإقليمي الرئيس للولايات المتحدة في المنطقة، وراعية الإرهاب والمحرضة للحرب بين لبنان وإسرائيل. وقد كان من الصعب تماماً التعامل مع صدام قبل الحرب –أي غزو العراق- وقدر كبير من ذلك كان يرجع ويعود إلى اعتقاد صدام حسين الكبير أن بمقدوره هزيمة أي غزو أمريكي يتم القيام به، والآن أصبح صدام حسين، يعرف ويدرك أن ذلك الأمر ليس بمقدوره، ومن ثم فمن المحتمل –بل ومن المكن- أن يكون مطواعاً وأكثر سهولة في الانقياد، وذلك لأن البديل الآخر الوحيد أمامه هو الموت شنقاً.
أعرف وأعلم تماماً، كم هي فكرة سيئة أن تعيد طاغية قاسياً وفظاً للسلطة، ولكن، هل من أحد ما يستطيع أن يفسر لي، ويقنعني، بأن هذه الفكرة، أسوأ من البدائل الأخرى؟!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد