إعلان مبادئ موسكو الخمسة ومدى إمكانية إعادة تشكيل النظام الدولي

01-09-2008

إعلان مبادئ موسكو الخمسة ومدى إمكانية إعادة تشكيل النظام الدولي

الجمل: تحدث الرئيس الروسي ميدفيديف بلهجة أكثر صرامة ووضوحاً وتحدياً قائلاً بأن عالماً تهيمن عليه الولايات المتحدة سوف لن يكون مقبولاً من جانب روسيا، هذا ومن الواضح أن لحديث الرئيس الروسي الكثير من الأبعاد والدلالات المتعلقة بواقع ومستقبل النظام الدولي الراهن.
* مبادئ السياسة الخارجية الروسية الجديدة: مدى إمكانية إعادة تشكيل النظام الدولي:
تناقلت أجهزة الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية التقارير والمعلومات الإخبارية حول مبادئ السياسة الخارجية الروسية الخمسة التي أعلنها الرئيس ميدفيديف والتي تتمثل في الآتي:
• المبدأ الأول: تعترف روسيا بأولوية الأسس القانونية الدولية التي تحدد العلاقات بين الأمم المتحضرة.
• المبدأ الثاني: يجب أن يكون العالم متعدد الأقطاب فالقطبية الواحدة هي أمر غير مقبول ولن تقبل روسيا بنظام عالمي يتم اتخاذ القرارات فيه بواسطة بلد واحد حتى إذا كان هذا البلد هو الولايات المتحدة الأمريكية.
• المبدأ الثالث: روسيا غير راغبة في المواجهة مع أي بلد، ولا ترغب في الانعزال، وستعمل بقدر الإمكان من أجل تطوير علاقات الصداقة مع أوروبا والولايات المتحدة وبلدان العالم الأخرى.
• المبدأ الرابع: إعطاء الأولوية القصوى لحماية حياة وكرامة المواطنين الروس والعمل من أجل مصالح روسيا الخارجية وعلى الجميع أن يعرف بأن العدوان سيتم ردعه.
• المبدأ الخامس: بالنسبة للمصالح الروسية فإن روسيا ستتصرف وتتعامل مثلها مثل البلدان الأخرى التي لها مجالات لمصالحها الحيوية والتي تعمل على الارتباط معها بعلاقات الصداقة ولا يشمل ذلك فقط البلدان المجاورة وإنما البلدان غير المجاورة أيضاً.
القراءة المتأنية بين ثنايا سطور مبادئ السياسة الخارجية الروسية الخمسة تشير إلى أنه ليست مبادئ سياسية شكلية تتعلق بالأداء الدبلوماسي والعلاقات الثنائية الروسية مع البلدان الأخرى، وإنما هي معايير تتعلق بدور روسي مرتقب في عملية ضبط وتقويم النظام الدولي القائم هيكلياً ووظيفياً.
* موسكو وقواعد اللعبة الجديدة مع واشنطن:
بإسقاط المضمون السياسي لمبادئ السياسة الخارجية الروسية الخمسة على مسرح المواجهة الافتراضي على خط موسكو – واشنطن فإنه يتبين لنا الآتي:
• مبادئ السياسة الخارجية الروسية الجديدة تشير بالأساس إلى ظهور مفهوم استراتيجي روسي جديد، لجهة علاقات روسيا مع الولايات المتحدة وأوروبا وبقية بلدان العالم.
• تضمنت مبادئ السياسة الخارجية الروسية الجديدة قيام موسكو بإعادة تحديد قواعد الاشتباك لجهة الآتي:
- الالتزام بالقانون الدولي هو الذي يحدد الصديق وعدم الالتزام بالقانون الدولي هو الذي يحدد العدو.
- الالتزام بحماية المصالح الحيوية الروسية وممارسة النفوذ على المناطق ذات الأهمية لهذه المصالح.
- التأكيد على تعددية أقطاب النظام الدولي والتعامل على قدم المساواة مع الولايات المتحدة الأمريكية.
- التأكيد على استقلالية روسيا وعدم خضوعها لأي قوى دولية أخرى.
وعلى خلفية مبادئ السياسة الخارجية الروسية الجديدة وما ترتب عليها من خطوط عامة لقواعد الاشتباك الدبلوماسي الروسي فإن تحليل الأداء السلوكي الجاري حالياً يشير إلى الآتي:
* على الجانب الروسي:
• تهديد دول الاتحاد الأوروبي عن طريق وضعها أمام الاحتمالات الآتية:
- مواجهة أزمة إمدادات النفط والغاز الروسي في حال فرض العقوبات ضد روسيا.
- مواجهة إمكانية أن تقوم روسيا بالاتفاق مع أمريكا وتمديد خط أنابيب مقل النفط والغاز عر المحيط الباسفيكي.
• تهديد الولايات المتحدة عن طريق وضعها أمام الخيارات الآتية:
- مواجهة أزمة تقسيم البلدان الحليفة لأمريكا على غرار نموذج تقسيم صربيا إذا تمادت أمريكا في تقسيم البلدان الحليفة لروسيا.
- مواجهة المصاعب المتزايدة على مسارح الحروب الأمريكية لأن قيام روسيا بإمداد خصوم أمريكا بالأسلحة المتطورة من الممكن أن يترتب عليه أن تفقد الولايات المتحدة تفوقها العسكري على المقاومة العراقية والمقاومة الأفغانية.مواجهة مخاطر تعزيز العلاقات الروسية – الإيرانية التي سيترتب عليها حصول إيران على العتاد العسكري الروسي المتطور على النحو الذي يجعل من أي عملية عسكرية أمريكية ضد إيران أمراً باهظ التكاليف والخسائر.
* على الجانب الأوروبي:
• تهديد روسيا بالتلويح بكرت العقوبات.
• تهديد حلفاء روسيا بقطع المعونات ووقف التعاون الأوروبي معهم.
• محاولة إقناع واشنطن بعدم قدرة الاتحاد الأوروبي على القيام بتصعيد ملف الاستهداف ضد روسيا.
* على الجانب الأمريكي:
• التلويح ببناء تحالف دولي ضد روسيا.
• التلويح ببناء تحالف مع الصين على النحو الذي يؤدي إلى استثمار الصين مرة أخرى في استهداف روسيا وإعادة إنتاج سيناريو قطيعة موسكو – بكين على غرار النموذج الذي كان سائداً في فترة الحرب الباردة.
• إغراء حلفاء روسيا الإقليميين بالدعم الأمريكي على النحو الذي يحفزهم على التخلي عن روابطهم مع روسيا.
• التمادي في محاولة نشر بطاريات شبكة الدفاع الصاروخي في المناطق القريبة والمتاخمة لروسيا.
• التلويح والتهديد بضرب إيران.
• التلويح والتهديد بدعم الأقليات الساعية للانفصال عن روسيا.
• التلويح والتهديد بدعم الاحتجاج المدني بما يؤدي إلى ثورة ملونة داخل روسيا.
* هل من توازن قوى جديد في النظام الدولي؟
حتى الآن لا يوجد أي إجماع بين المراقبين والمحللين على وجود توازن قوى محدد لجهة ضبط وتقويم النظام الدولي، وما كان سائداً خلال الفترة الممتدة من لحظة انهيار الاتحاد السوفيتي وحتى الحرب الجورجية – الروسية يتمثل في الآتي:
• سيادة القطبية الواحدة بقيادة الولايات المتحدة باعتبارها الدولة العظمى الوحيدة.
• تعدد القطبية على خلفية وجود العديد من القوى التي تمتلك مزايا الرعب والدمار الشامل.
• عدم وجود نظام محدد للقطبية وما يحدث يتمثل في أن النظام الدولي يشهد مرحلة انتقالية لم تتحدد نتائجها والنهائية بعد ويحتاج حسم مصير التوازن الدولي إلى المزيد من الوقت.
برغم وجود ما يسند كل واحدة من وجهات النظر الثلاثة هذه، فقد اعتبر الأمريكيون والأوروبيون الغربيون إضافة إلى بعض الدول الأخرى أن مصير النظام الدولي قد أصبح واضحاً لجهة سيطرة وهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية وصعودها إلى مكانة القطب الواحد، ولكن عيب وجهة النظر هذه تمثل في عدم اعتراف بقية دول العالم بهذه المكانة لأمريكا وكان واضحاً أن روسيا والصين لن تقبلا بصعود أمريكا لمثل هذه المكانة.
والآن، على خلفية الحرب الروسية – الجورجية، وإعلان موسكو للمبادئ الرئيسية الخمسة المحددة لاستراتيجية توجهات سياستها الخارجية يمكن التكهن بأن النظام الدولي أصبح أقرب ما يكون في اتجاه العودة لنظام القطبية الثنائية على خط واشنطن – موسكو ويمكن أن تتعدل هذه القطبية لتصبح ثلاثية إذا ما نجحت الصين في حسم المواجهة مع أمريكا والقضاء على نفوذها في مناطق جنوب شرق آسيا وبحر الصين الشرقي.

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...