الجمـارك السوريـة بـؤر للفسـاد: تمرر كل شيء حتى الأسلحة
كشفت الأحداث التي تمر بها البلاد حالياً عن ثغرات هائلة في عمل كثير من المؤسسات و الجهات العامة، فالحدود التي اعتقدنا أنه لا يعبرها سوى المازوت و بعض السلع الصناعية، اتضح أنه كان يعبرها كل شيء، وربما تكون الأسلحة المتطورة و المخازن الكبيرة التي ضبطت، أو التي قتلت مواطنين سوريين(مدنيين أو عسكريين) خير دليل لا يمكن أو حتى التفكير بالشك بصحته....
لا نقلل هنا من أداء بعض العناصر الشريفة في مديرية الجمارك وغيرها من الجهات المعنية بضبط الحدود، لكن بالمقابل يحق لنا أن نسأل من أين أتت تلك الأسلحة و كيف دخلت؟! و إذا كانت كل هذه الأسلحة دخلت بلدنا فيا ترى كم هو حجم السلع الصناعية و التجارية و المشتقات النفطية التي تهرب في الاتجاهين؟!. وكم يضيع على الخزينة العامة من إيرادات و رسوم سنوياً جراء التهريب؟!.
في هذه المرحلة التي تسودها الشفافية و الوضوح في الطرح و النقاش، نفتح من جديد ملف التهريب، مع العلم أن جريدة (الخبر) في أعدادها الأولى، و تحديداً منذ عامين و نصف تقريباً، كانت قد نشرت تحقيقاً تناولت فيه الفساد في مديرية الجمارك فكان أن تم منع العدد من التوزيع في السوق المحلية...
و نشير أخيراً إلى أننا حاولنا الوقوف على رأي مديرية الجمارك، فكان جوابها أن الوقت غير مناسب...!!.
تُجمع أغلبية الآراء الصادرة عن الصناعيين والتجار، على أن المشكلة الأساسية والسبب الرئيسي لمشكلة التهريب التي تتعرض لها بلادنا, وخاصة في الفترة الأخيرة، والتي لم تنحصر بمادة أو سلعة معينة بل امتدت إلى تهريب السلاح والمازوت أيضاً, لتشكل بهذه الحالة خطراً امنياً واجتماعياً بإضافة إلى النتائج السلبية التي تعود على الاقتصاد المحلي بسبب تهريب بعض السلع الغذائية و الأقمشة والألبسة، تتمثل في بؤر الفساد القائمة في نطاق عمل الجمارك والناتجة عن كثير من الأمور التي تتعلق بالتشريعات وبالرسوم الجمركية، والتي تتضمن هي الأخرى العديد من العقود والقيود والشروط المتعلقة بالمستوردات، بحيث فرض ذلك على ضعاف النفوس الاستثمار في عمليات التهريب وفتح بؤر في عمل الجمارك، لتصبح حدودنا مكشوفة, والأحداث المؤسفة التي مرت بها البلاد كشفت ذلك بوضوح..
ليس العناصر فقط!
في إشارة إلى أبرز سبل مكافحة هذا الفساد، يؤكد مازن حمور عضو غرفة تجارة دمشق, أنه يجب أن تكون الرسوم الجمركية متماثلة ومتطابقة مع دول الجوار، لأنه منذ الأزل، وبحسب الوضع الجغرافي، فإنه يجب أن تكون معظم القرارات الاقتصادية والجمركية موحدة مع الدول الأخرى المجاورة لنا كالأردن،لبنان وغيرها من الدول، بحيث لا يكون هناك تفاوت يفتح الباب لعملية التهريب، فمثلاً هناك الكثير من التجار الذين يستوردون موادهم من لبنان و الأردن وتستفيد الحكومتان من هذه التجارة ويتم دفع رسومها في هاتين الدولتين، ومن ثم يتم تهريبها إلى سوريا رغم أنها تكون قد دفعت رسوماً مقررة عليها في لبنان ودفعت كذلك تكاليف تهريبها إلى سوريا و مع ذلك تبقى السلعة أرخص مما تستورد إلى سوريا مباشرة، نظراً للرسوم الجمركية غير الطبيعية. فلو كان التاجر وجد أن السلعة إذا استوردت مباشرة إلى دمشق أرخص مما تستورد إلى لبنان والأردن ومع أجور نقلها إلى سوريا, لما كان هربها، وهذا يؤكد الفارق الكبير في الرسوم الجمركية بين الدول المجاورة وبين الواقع الموجود في سوريا. ومن ناحية أخرى فقد أشار حمور إلى أن العبء الآخر الملقى على عاتق الصناعي هو شركات المراقبة، التي تعد مصيبة، إذ كان يفترض أن يتم التعاقد معها على مراقبة النوعية والجودة, لا كما تم التعاقد معها في سوريا، فقد نقلت السيادة من إدارة الجمارك وأعطيت لشركتي المراقبة، وهو أمر يعد خطأ فادحاً ويجب التراجع عنه بسرعة. وطالب أن يكون عمل شركات المراقبة محصوراً ببعض الصناعات أو المواد الأولية الداخلة في صناعة المواد التي تتعلق بالاستهلاك البشري, لا على جميع المستوردات، لأن هذه العملية أدت إلى زيادة في التكاليف بمقدار 4بالألف على جميع المستوردات إضافة إلى رسوم الكشف على السلعة، مما أدى إلى زيادة سعر السلعة في السوق السورية أو زيادة تكاليف الإنتاج إذا كانت متجهة للمصنع، وفي النهاية يتحمل المواطن المستهلك هذه الزيادة،كما أن المنتج لم يعد منافساً في الأسواق الخارجية، فهذه البنود جميعها إضافة إلى الرسوم الأخرى المفروضة على هذا الرسم من إدارة محلية، نظافة، الدفاع، المالية، وغيرها من الرسوم و ما يتكبده المستورد من شركات المراقبة أدى إلى وجود فارق كبير في سعر السلعة في سوريا مقارنة بأسواق الجوار, وهذا شيء غير مقبول ولم يعد السكوت عنه مقبولاً.
في السياق ذاته أشار حمور إلى الاستعداد للعمل مع الحكومة الجديدة من أجل توضيح الرؤية لمعالجة هذه الأمور ووضع رسوم منطقية أسوة بدول الجوار، والتخلص من الاجتهاد في الجمارك أي الانتهاء من وجود البنود الكثيرة التي تعد إحدى بؤر الفساد، والتي تتم من خلال عمل الكشاف والمخلص الجمركي اللذين يحددان البند الجمركي واسم المادة كما يشاءان للتوفير على التاجر, مقابل الدفع من تحت الطاولة، مشيراً إلى أن إحدى الطرق لوقف عملية الاجتهاد والتفاوت في الرسم الجمركي هو توحيد الرسوم الجمركية بأقصاها 4 بنود جمركية وتوحيد الرسم الجمركي (5-10-15-20)فقط،وهناك ذرائع بسيطة جداً يتم استعمالها للدخول عبر أنفاق الفساد المتعددة، وأكد ضرورة تسليط الضوء اليوم على إدارة الجمارك لوضع نظام جمركي شفاف غير قابل للاجتهاد، مع نشر قيمة الرسوم الجمركية على موقع الجمارك ليتسنى لأي تاجر معرفة تكاليف أي سلعة يريد أن يستوردها خلال ثوان معدودة...
وحول تقديرات حجم التهريب أوضح حمور أن المعلومات المبدئية تشير إلى أن حجم الفساد من خلال المستوردات السورية, سواء كانت مواد سلع جاهزة للبيع, أم مواد أولية أو نصف مصنعة, بمليارات الليرات، وهذه تتضمن فقط الرسوم التي يجب أن تدفع إلى خزينة الدولة في حال كانت هناك قرارات صارمة فورية لإغلاق بؤر الفساد في عمل الجمارك، وهو بازدياد, إذ يتناسب طرداً مع أرقام المستوردات، فكلما زادت المستوردات زاد الهدر الموجود من خلال المستوردات. مضيفاً أن أكثر المواد التي يتم تهريبها بشكل دائم هي قطع تبديل السيارات، بعض المواد الغذائية، الأدوية, وذلك لعدم السماح باستيراد الأدوية, إضافة إلى الأقمشة والألبسة.
ومن جهة أخرى ولتطوير عمل الجمارك والعناصر التي تعمل فيها أشار إلى أنه بصدد تقديم دراسة للحكومة من أجل التعاون لتطبيق النظام الجمركي المطبق في جمهورية مقدونيا والعمل على تطبيقه بالسرعة القصوى، فضلاً عن استضافة المعنيين في إدارة الجمارك برعاية من وزير المالية للاطلاع على الوضع الجمركي في مقدونيا لتسهيل عملية تطبيق النظام بشكل سريع ومبسط.
الرسوم العليا يفرض تهريباً
ما سبق أكده من ناحية أخرى عضو غرفة صناعة دمشق بشار حتاحت الذي أكد أن الحدود يجب أن تضبط ضبطاً دقيقاً لمنع التهريب، وأن الفساد الموجود لدى بعض عناصر الجمارك أمر غير مقبول ومرفوض ولا يجوز السكوت عنه، و رغم جهود إدارة الجمارك التي تحاول جاهدة حل هذا الوضع إلا أنها لا تستطع الإمساك بكل أطراف القضية خاصة عندما يتعلق الأمر بتهريب المازوت والسلاح، ولفت إلى أن التهريب للمواد في الوقت الحالي ضعيف, وذلك لأن أبواب الاقتصاد مفتوحة أمام سوريا في الوقت الحالي، وكل ما هنالك أنه يجب إعادة دراسة الرسوم الجمركية، فالمادة الأولية اليوم رسومها 1% فقط و بالتالي لم يعد هناك من يهربها، لكن بالنسبة لموضوع الرقابة على المستوردات يجب أن تكون على المواد المنتهية الصنع, لا على المادة الأولية التي تأتي، فمثلاً الأقمشة عندما فرضت عليها الرقابة أصبحت كلفتها عالية ولم نعد نستطيع منافسة سعر البضائع التركية أو الصينية أو غيرها،فالصناعي تكفيه الرسوم الجمركية التي تؤخذ منه و التي سنفترض أنها تبلغ 23% ويتبعها أيضاً عمولة الشركتين مقدارها 20%( وهي تذهب 80% للشركات الأجنبية و 20% للدولة) وهذا يعني في النهاية أن قد يدفع ضعف قيمة البضاعة، وهو أمر لم يعد مقبولاً.
وأشار حتاحت إلى أن ارتقاع قيمة الصادرات التي وصل إليها قطاع الألبسة، و البالغة نحو 6 مليارات دولار وعمالة تصل إلى 35% من أصل العمالة في القطاع الخاص السوري، واقع يجب المحافظة عليها و دعمه، مشيراً إلى أن أقل ورشة يملكها الصناعي يعمل فيها نحو ثلاثين عاملاً, وهؤلاء كلهم (انتهوا) بسبب عدم القدرة على المنافسة، فعامل دوران رأس المال يلعب دوراً كبيراً وفي حال عدم دورانه يؤدي إلى ضعف الصناعة الوطنية.
وحول الرسوم الجمركية المفروضة أشار حتاحت إلى أنها تحتوي عدة رسوم لم نعرف إلى الآن ما معناها ولماذا فرضت (رسوم إدارة محلية، رسوم نظافة، رسوم مالية)؟! علماً أن الدولة تأخذ ضريبة مالية، وهذا يعد بمثابة ازدواج ضريبي غير مبرر أتى نتيجة التفكير الإفرادي لكل وزارة أو جهة معنية بهذا الموضوع, وهذا خطأ، مشدداً على ضرورة توحيد الرسم الجمركي لجميع الوزارات من مالية، دفاع، إدارة محلية، نظافة، والذي يؤدي إلى إنفاق أموال كثيرة مما يؤدي إلى قلة المنافسة.
وحول العناصر التي تعمل على ضبط الحدود أشار حتاحت إلى أن الواقع الآن يعبر عن أن بعض الموظفين المعنيين يتم شراؤهم ببساطة, لذا يجب أن يكون هناك استطلاع دائم ومراقبة لعمل الجمارك التي يجب أن تضبط الحدود بشكل نظامي، و إذا لم تكن قادرة على أداء هذا العمل بشكل كامل فعليها أن تطلب مساعدة الحكومة، و لذلك يجب أن يحاسب كل شخص يعمل مع الجمارك على المناطق الحدودية وتبين مخالفته, كما يجب إعادة النظر في الكفاءات التي تعمل على الحدود واستبعاد كل عنصر غير قادر بكفاءته ونزاهته أن يضبط حدود وطنه، خاصة أن سوريا تعد منطقة ترانزيت ومتوسطة بين الدول الأخرى، لبنان, الأردن، العراق، تركيا.
مشيراً أيضاً إلى الحاجة إلى تطوير الأجهزة المستخدمة على الحدود، ويجب أن نملك الأجهزة المتكاملة. وأكد حتاحت أن العامل الأكبر في الفساد الموجود في عملية ضبط الحدود هو أن بعض العناصر المشرفة على هذه العملية وجدت بهذه المناصب بسبب الواسطة, لا على أساس كفاءتها. ضبط الشريط الحدودي الذي يعتبر الآن (فلتاناً)، يجب أن يوازيه من ناحية أخرى وبما يخص الصناعيين تخفيف الظلم الواقع على التجاريين والصناعيين, المتمثل بالرسوم الجمركية المفروضة على استيراد المواد والسلع، فكل السلع التي تعد كلفتها عالية يصبح تهريبها أمراً لا مفر منه.
منار ديب – الخبر
التعليقات
فساد!!
إضافة تعليق جديد