الحدث السوري على خارطة الصراع في مجلس الأمن الدولي
الجمل: بدأت خلال اليومين الماضيين محاولة جديدة من أجل تدويل ملف الحدث السوري بواسطة مجلس الأمن الدولي، وفي هذا الخصوص تحدثت التقارير والتسريبات عن تزايد حجم الخلافات وتباين وجهات النظر، وذلك على النحو الذي يصعب معه تحديد النتيجة التي سوف تسفر عنها مداولات أعضاء المجلس: فما هي أبعاد محاولة التدويل الجديدة، وما مدى عمق مكانة الحدث السوري في خارطة صراع القوى العظمى والكبرى والدولية والإقليمية؟
* خارطة الصراع في مجلس الأمن الدولي: تأثير الحدث السوري
تقول المعلومات والتقارير بأن بعض الدول الأوروبية الغربية، قد سعت مجدداً إلى استئناف جهودها الرامية إلى دفع مجلس الأمن الدولي من أجل إصدار قرار دولي خاص لجهة إدانة دمشق وتحميلها المسؤولية عن عمليات العنف السياسي ـ الطائفي الدائرة حالياً في بعض المناطق السورية، وفي هذا الخصوص أشارت المعلومات إلى الآتي:
• مسودة مشروع القرار الأوروبي هي عبارة عن نسخة معدلة من مشروع القرار الأوروبي السابق، الذي تقدمت به (ألمانيا ـ فرنسا ـ بريطانيا ـ البرتغال)، ورفضته روسيا والصين.
• سعت ألمانيا إلى مطالبة المجلس بإصدار قرار دولي ضد دمشق، وذلك بعد انتهاء المجلس من الاستماع في جلسته المغلقة حول سوريا إلى إفادات أوسكار فيرنانديز نائب رئيس الإدارة السياسية بالأمم المتحدة.
• تحدث في جلسة مجلس الأمن المغلقة بعض كبار مسؤولي المنظمات الدولية الناشطة في مجال حقوق الإنسان، وبرغم عدم تسمية هذه المنظمات، فعلى الأغلب أن تكون منظمة العفو الدولية من أبرزها.
جاءت محاولة الأطراف الأوروبية الغربية الجديدة هذه على خلفية عدد من التطورات الميدانية الجارية داخل وخارج سوريا، والتي من أبرزها:
• تصاعد الاضطرابات وأعمال العنف في مدينة حماة السورية، وبقدر أقل اضطرابات دير الزور.
• تزايد حملات السلطات السورية الساعية إلى احتواء بؤر العنف السياسي ـ الطائفي الجديدة والمرشحة للمزيد من الاشتعال خلال شهر رمضان الحالي.
• قيام وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون بعقد لقاء مع بعض رموز المعارضة السياسية الخارجية السورية.
• قيام الناشط السياسي المعارض د. رضوان زيادة بمطالبة الرئيس الأمريكي بضرورة اعتماد وجهة نظر أمريكية أكثر تشدداً ضد دمشق.
نلاحظ هنا، أن تسلسل هذه الوقائع جاء ضمن ترتيب معين يتميز بالتزامن والترابط، فقد سبق أن تحدثت المعارضة السورية صراحة بأن شهر رمضان الحالي سوف يشهد انطلاق المزيد من طاقة فعاليات المعارضة السياسية سعياً من أجل الحسم النهائي للمواجهة. وبالتالي، لما كانت هذه التطورات قد جاءت مع بداية رمضان، فإن القراءة الواضحة في معالمها تشير إلى أنها تندرج حصراً ضمن جهود المساندة المتبادلة بين قوى المعارضة السورية وحلفاءها الدوليين من أجل ترتيب المسرح السوري بشكل يترتب عليه شل وإعاقة جهود دمشق وحرمانها من القيام بأي جهود وقائية في مواجهتها مع المعارضة الداخلية والخارجية.
* تدويل ملف الحدث السوري وإشكالية معادلة توازن القوى الدولية
أثارت محاولة تدويل ملف الحدث السوري الجديدة بواسطة مجلس الأمن الدولي اهتمام المزيد من المراقبين وخبراء الشؤون الدولية، وذلك لأنها جاءت ضمن فترة وجيزة على إعلان موسكو وبكين رفضهما القاطع لعملية التدويل. وفي هذا الخصوص فقد سعت بعض الأطراف الأوروبية الغربية الداعمة لمشروع قرار التدويل إلى توضيح أسباب إصرارها على المحاولة، وبتحديد أوضح فقد صرح دبلوماسي غربي رفيع المستوى قائلاً بأن الأوروبيين ما زالوا يعتقدون بأن مشروع القرار يمثل في حد ذاته أمراً ضرورياً، وأضاف دبلوماسي غربي آخر قائلاً بأن صيغة مشروع القرار سوف يتم تعديلها لاحقاً.
برزت العديد من التصريحات ووجهات النظر داخل مجلس الأمن الدولي، وفي هذا الخصوص يمكن الإشارة إلى المواقف الآتية:
• السفير البريطاني في الأمم المتحدة: تحدث السفير مارك ليال غرانت قائلاً بأن المزاج الذي كان سائداً، يمكن أن يكون قد تغير بعد التطورات الأخيرة الجارية في مدينة حماة السورية، وأضاف السفير قائلاً، بأنه يعتقد بوجود مؤشرات تفيد لجهة أن المواقف السابقة قد تغيرت.
• السفير الألماني في الأمم المتحدة: تحدث السفير ميغويل بيرغر قائلاً بأن التطورات الجارية حالياً في سوريا، يجب أن تدفع أعضاء مجلس الأمن الدولي المترددين إلى أن يعيدوا النظر في مواقفهم، ويقوموا بمساندة المصادقة على مشروع القرار الأوروبي، وتحدث السفير الألماني محملاً دمشق المسؤولية عن أحداث حماة.
• السفير الأمريكي في الأمم المتحدة: تحدثت السفيرة سوزان رايس قائلة بأن الوقت قد تأخر لجهة العمل في سوريا.
هذا، وإضافة لذلك، فقد تحدث الناطق الرسمي باسم الخارجية الأمريكية مارك توينز، قائلاً، بأن واشنطن تعتقد بأنه أصبح من الضرورة بمكان أن يسعى مجلس الأمن الدولي لبث رسالة قوية موحدة إلى دمشق.
اللافت للنظر هذه المرة تمثل في أن تداعيات محاولات تدويل ملف الحدث السوري، قد ألقت بحضورها القوي الفاعل لجهة تحريك بنود معادلة توازن القوى في داخل مجلس الأمن الدولي، وذلك على النحو الذي أسفر عن ظهور ثلاثة كتل داخل المجلس، وهي:
• كتلة الداعمين لمشروع القرار: بريطانيا ـ فرنسا ـ أمريكا.
• كتلة الرافضين لمشروع القرار: روسيا ـ الصين.
هذا بالنسبة للدول الخمسة الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، أما بالنسبة للدول غير دائمة العضوية في المجلس، فقد برزت النتائج الآتية:
• كتلة الثلاث دول الإقليمية الرئيسية (البرازيل ـ الهند ـ جنوب أفريقيا)، وتقول التسريبات بأن هذه الدول الثلاث، وإن كانت ترفض دعم الموقف الأمريكي ـ البريطاني ـ الفرنسي، فإنها تسعى لجهة اعتماد وجهة نظر مستقلة خاصة بها، ضمن موقف جديد، تقول التسريبات بأنه يركز على تحميل طرفي الصراع المسؤولية عن ضرورة العمل من أجل إنهاء العنف.
وينظر خبراء الشؤون الدولية بأن هذا الموقف وإن كان من جهة ينطوي على تمايز خاص عن الموقف الروسي ـ الصيني، وعن الموقف الأمريكي ـ البريطاني ـ الفرنسي، فإنه في نفس الوقت من الجهة الأخرى، يعبر عن الآتي:
ـ ظلت الدول ثلاثة (الهند ـ البرازيل ـ جنوب أفريقيا) أكثر وقوفاً لجانب مساندة مشروعات القرارات الأوروبية الغربية والأمريكية، وبالتالي، فإن هذا الموقف ينطوي على احتمالات المزيد من المواقف الاستقلالية عن واشنطن وحلفاءها الأوروبيين.
ـ إضعاف القوة التصويتية التي ظلت تتمتع بها واشنطن داخل مجلس الأمن الدولي، بحوالي ثلاثة أصوات.
ـ تعتبر الهند بلداً آسيوياً رئيسياً، والبرازيل بلداً لاتينياً رئيسياً، وجنوب أفريقيا بلداً أفريقياً رئيسياً، وبالتالي، فإن استقلالية مواقف هذه الدول الثلاث سوف لن تنحصر فقط داخل مجلس الأمن الدولي، وإنما سوف تمتد لتشمل العديد من البلدان الآسيوية واللاتينية والأفريقية الوثيقة الصلة بهذه الدول الثلاث.
تقول التسريبات، بأن المداولات التي جرت خلال اليومين الماضيين داخل مجلس الأمن الدولي، لم تسفر عن شيء هام، وحتى موسكو، والتي قالت هذه المرة بأنها تقف ضد العنف من حيث المبدأ، فقد سعت لجهة التأكيد على ضرورة أن يسعى مجلس الأمن لاعتماد الوسائل الدبلوماسية والسياسية كبديل للأساليب التدخلية الأخرى، والتي ثبت على خلفية الأزمة الليبية بأنها لن تؤدي سوى إلى المزيد من العنف. وأضافت التقارير والمعلومات بأن موسكو تحدثت بشكل واضح عن ضرورة دعم مسار الحوار والتفاهم والإصلاحات الجارية، وفي هذا الخصوص فقد رصدت التقارير تصريحات السفير الروسي في الأمم المتحدة، فيتالي شوركين التي أكد من خلالها بأنه يرى قدراً من الفرصة لجهة التوصل مع بقية أعضاء مجلس الأمن على رد فعل إيجابي. ولاحظ المراقبون بأن السفير شوركين، تحدث إضافة لذلك قائلاً بأن إصدار مجلس الأمن الدولي لقرار هو أمر فيه كثير من الإفراط. وبالتالي، فإن ما هو مرضي للجميع هو أن يقوم المجلس بإصدار بيان على لسان رئيسه يطالب فيه الجميع بإنهاء العنف ويحثهم على ضرورة السعي من أجل تحقيق الحل السياسي السلمي.
الجمل ـ قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد