الحكومة و«الإدارة» الكردية: مؤشرات تحسّن في الحسكة
فيما أعلنت قوى كردية عديدة، بابتهاج، توصلها مع الجانب الرسمي السوري لاتفاق على تعديل المناهج التربوية، ولو مؤقتاً في مدينة الحسكة، لتشمل اللغة الكردية في اتفاق شفهي غير مسبوق، أعلنت قنواتٌ إعلامية متابعة لتقدم الجيش السوري في شرق حلب، مواكبة الفصائل الكردية لمعاركها شرق المدينة.
لكن إعلان «تسوية» المناهج، لم تأت على ذكره القنوات الحكومية، والمواكبة العسكرية نفتها المصادر الكردية إلّا في إطار تحركها «لحماية مناطقها والمدنيين» وفقاً لما قاله مصدر كردي مطّلع.
الخبران اللذان يعززان إمكانية القول بتحسن العلاقة الشائكة بين الطرفين، أو نزع بعض أشواكها على الأقل، تواكبا مع خبر آخر لم يتم التأكد رسمياً منه، تحدث عن عودة عمل العديد من المؤسسات الحكومية في الحسكة بعدما أعلنت فصائل «الأسايش» استيلاءها عليها في المعارك التي جرت بين الطرفين الشهر الماضي.
ويمكن القول بداية إنّ توازن القوى المستجد في منطقة الجزيرة ربما بدأ يفرض نفسه على المدى الطويل، متجاوزاً القضايا الميدانية والخدمية القصيرة الأجل، والقابلة للتغيير، فامتد إلى السلك التربوي، حيث نقلت مصادر في الحسكة عن اتفاق لافت هو الأول من نوعه جرى بين سلطات «الإدارة الذاتية» الكردية والسلطات الحكومية السورية الأسبوع الماضي ينصّ على «تقاسم حصص تدريس المدارس»، بحيث تصبح اللغتان العربية والكردية بمثابة لغتي مناهج تعليميتين وشبه رسميتين.
ونقلت مواقع كردية ما أعلنه أحد مدرسي جامعة الفرات، فريد سعدون، على صفحته على شبكة التواصل الاجتماعي «فايسبوك» عن «اجتماع ضم ممثلين عن مديرية التربية التابعة للإدارة الذاتية، وممثلين عن مديرية التربية للدولة، في الحسكة، تم التفاهم فيه على خطة تعليمية للمرحلة الإعدادية، وذلك بتدريس خمس ساعات لغة كردية أسبوعية للصف السابع والثامن الأساسيين، وثلاث ساعات لغة كردية للصف التاسع الأساسي».
ونقل المدرس الجامعي أنه «سيتم اقتطاع هذه الساعات من نصاب اللغة العربية والاجتماعيات والمعلوماتية والعلوم والديانة، وسيستمر التعليم وفق منهاج الدولة. وتم توزيع الكتب اليوم في مدارس إعدادية كثيرة بالمحافظة».
وأضاف سعدون أن «المرحلة الابتدائية لم يتوصلوا لأي اتفاق بشأنها، إذ تصرّ الإدارة الذاتية على أن يكون التعليم كله باللغة الكردية، بينما تعرضُ الدولةُ المناصفة، أي عندنا 28 حصة أسبوعية بينها ست حصص ترفيهية وتبقى 22 حصة علمية، والدولة تعرض 11 / 11 لكلّ من اللغة الكردية والعربية، وإلى اليوم لم يتم الاتفاق على ذلك»، متوقعاً أن يتم حل هذه المشاكل خلال أسبوع.
ولا يسري الاتفاق على مناطق أخرى تخضع لسيطرة كردية شبه تامة، كما في عفرين وكوباني التي لا تعترف فيهما الحكومة السورية بالعملية التعليمية، ما يدفع السكان للهجرة منهما لمتابعة تلقي الخدمات التعليمية الحكومية المعترف بشهاداتها في البلاد وخارجها.
وجاءت هذه الأخبار متزامنةً مع افتتاح الموسم الدراسي في سوريا، ولا سيما في الحسكة حيث غمز محافظها محمد زعال العلي من قناة المنافسة الكردية على السلطة في المدينة، مشيراً إلى «رفض قيام المجموعات المسلحة بفرض مناهج تدريس غير معتمدة من قبل وزارة التربية السورية».
وشدد على أن «محاولات البعض تعطيل العملية التربوية في محافظة الحسكة ومنع تدريس منهاج وزارة التربية، ترمي إلى نشر الجهل وإعادة الأمية في صفوف الأهالي التي قطعنا شوطاً كبيراً في القضاء عليها».
وفيما ستخضع مدارس محافظة الحسكة البالغة نحو 2500 مدرسة، منها 2100 مدرسة للتعليم الابتدائي، لهذه الآلية، ستخضع أخرى في مناطق الإدارة لمناهج الإدارة الذاتية التي تصدر باللغتين العربية والكردية.
لكن في كل حال، يعدّ الاتفاق سابقةً حقيقية في علاقة الطرفين، وفي نظرتهما العملية ولو لمدة مؤقتة وتحت ضغط الظروف، إلى مستقبل علاقتهما، كذلك لمحاولة الجمع بين ما يحقق للجانبين «نصراً مؤقتاً يحفظ ماء الوجه».
وتتصف العلاقة بين الجانبين، حكومةً وإدارةً ذاتية، ولا سيما بعيداً من صفوف صقورهما، بالتحسن. وأعلن منذ أيام تسليم مقارّ حكومية كانت تحت سيطرة «الأسايش» للدولة، لاستعادة إدارتها وإعادة الموظفين اليها.
ورفضت مصادر كردية، مرة أخرى، اعتبار ذلك «تنازلاً من أي نوع»، معتبرة الأمر «تسهيلاً لشؤون المواطنين التي تعقدت نتيجة تشتت سيطرة الدولة في المدينة»، وهو ما يعدّ تصريحاً أيضاً بأن قدرة «الإدارة» على تسيير الأمور في مناطق معقدة وتعدادها السكاني كبير كالحسكة، لا زالت محدودة، مع اعترافها بـ»الدولة ككيان»، ولكن دون منحها الصفة الشرعية، ودون الإشارة إلى أن النفوذ لا زال يعتبر متقاسماً بين الطرفين دون جهة غالبة تماماً.
ويرفض الكرد الاعتراف بتحسن في مزاج العلاقة بين الطرفين، تقابله رغبةٌ لدى الطرف الثاني في إعلان «معارك مشتركة» يخوضونها في حلب، ولا سيما قرب حي الشيخ مقصود الذي يخضع لسيطرة الكرد، وهي معارك تصف مصادر كردية نوعية المشاركة فيها مرة أخرى في سياق «محاولة تعزيز أمن مناطقها وأمن مدنييها»، متجاهلة الاعتراف بأي تنسيق مشترك أو نية تحالف.
ويرى مراقبون في دمشق أن «الإدارة الذاتية»، ولأسباب عديدة ومختلفة، ترغب دوماً في إظهار «الندية» في تعاطيها مع الدولة السورية خاصة، علماً أن تقاطع مصالحهما هو الأكبر بين القوى المتصارعة حالياً.
وربما يعتقد كثيرون بهذا الأمر أيضاً، خارج دمشق، إذ فاجأ زعيم «قوات الصناديد» المشاركة في تحالف قوى «قوات سوريا الديموقراطية»، و»الرئيس المشترك للحاكمية المشتركة للجزيرة» الشيخ حميدي دهام الجربا من قبيلة شمر، منذ أيام، المشاركين في منتدى الرميلان للمعارضة، بدعوته «الرئيس بشار الأسد» للنظر في العلاقة القائمة بين المكونات الموجودة حالياً في الجزيرة، وتحت مسمى «الإدارة الذاتية». وقال مخاطباً الأسد بلهجة احترام انتقدتها قوى المعارضة في الخارج: «السيد الرئيس بشار الأسد (…) تعال وشاهد ما فعله أبناء الجزيرة في منطقة فيها الكثير من الأمن والحرية والمساواة»، معتبراً أن القول إنّ الكُرد يريدون دولة مستقلة «ليس صحيحاً»، وأن مشروع «الإدارة الذاتية» هو «الكفيل بتحقيق الأمن والاستقرار لسوريا».
زياد حيدر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد