الحلقة الثالثة من كتاب"عشرة أعوام مع حافظ الأسـد" قمة الرئيس الراحل حافظ الأسد - بيل كلينتون في دمشق 4
المؤتمر الصحفي و وداع كلينتون
يعلّق مارتن إنديك في مذكّراته قائلاً: " في الماضي لم يشر الأسد و رابين في مباحثاتهما مع الولايات المتحدة سوى إلى الانسحاب الكامل من مرتفعات الجولان. و لاحظ كريستوفر الذي يميل إلى الاهتمام بالتفاصيل أن رابين لم يحدد خط الرابع من حزيران/ يونيو 1967 في اقتراحه. و قد ادّعى الأسد (و هذا غير صحيح) أن كريستوفر و دنيس روس أكدا معاً في السابق أن رابين سينسحب إلى خط الرابع من حزيران/ يونيو 1967 ". و هو يضيف أن كريستوفر حمّل نفسه مسؤولية الفجوة في التفسير بين حدود 1923 و 1967 : " لم يكن على علم بوجود اختلاف بين الحدود الدولية و خط الرابع من حزيران / يونيو 1967 " .
و مع أن هذا الكلام قد يبدو مدعاة إلى الضحك لأي شخصٍ مطّلع على عملية السلام السورية - الإسرائيلية، فهو غير مستغرب. و حين انتهى الاجتماع الخاص القصير، خرجنا و توجهنا على الفور إلى المؤتمر الصحفي، و أذكر أنني همست إلى الرئيس الأسد: "أرجوك تمهّل في السير لتعطيني الوقت الكافي للوصول إلى مقصورة الترجمة ". أعرب الرئيس كلينتون عن تصميمه على " تحقيق تقدم " في عملية السلام في الشرق الأوسط، و قال إن الرئيس الأسد يشاركه في آرائه.و حين جاء دور الأسد في الحديث، قال: " إن من دواعي سروري أن أستقبل الرئيس بيل كلينتون في دمشق، أقدم مدينة مأهولة في العالم، و قلب منطقة شهدت أقدم حضارات العالم، و مولد كل الديانات التوحيدية. لكن شعوب هذه المنطقة عانت زمناً أطول مما يُختَمَل، و خصوصاً في هذا القرن، من مرارة الحرب و الصراعات و إراقة الدماء، و نأمل الآن أن تعيش في سلام واستقراره. و أضاف أن المحادثات مع كلينتون كانت إيجابية و مثمرة، و ركّزت على جوانب مختلفة من عملية السلام". و أردف القائد السوري بالقول: " إنني أعرب عن ارتياحي العميق لتوافق آرائنا حول عملية سلام شامل، يرتكز على قراري مجلس الأمن الدولي الرقمين ( 242 ) و ( 338 ) ، و مبدأ " الأرض مقابل السلامة " .
و قد أكدتُ للرئيس كلينتون - بناء على فكرة الانسحاب الكامل مقابل السلام الكامل - استعداد سورية للالتزام بمتطلبات السلام: " علاقات طبيعية مع إسرائيل مقابل الانسحاب الإسرائيلي حتى حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967 الكامل من الجولان و جنوب لبنان، و أنهى كلمته بقوله: " في الختام، أودّ أن أحيّي الشعب الأمريكي، و أن أشكر للرئيس كلينتون جهوده الشخصية و جهود مساعديه، و أعرب عن استعدادي للعمل معهم من أجل تحقيق سلام شامل و عادل و حقيقي في المنطقة ".و في حديث كلينتون للصحفيين و هو في طريقه إلى إسرائيل، علّق أنه لا يمكن أن يتحقق السلام من دون السوريين: " أعتقد أن الرئيس الأسد يريد السلام و أؤمن أنه سيحققها. و أضاف أن " القائد السوري مفاوض صعب المراس، لكنه مع ذلك جدير بثقتنا لأنه يلتزم بوعودها " . و قال أيضاً إن سورية و الولايات المتحدة "وصلتا إلى نقطة في علاقاتهما الثنائية أزالت فقدان الثقة بينهما " . و حين سُئل كلينتون هل أعطاهُ الأسد أي شيء في اجتماعهما الخاص، قال: " نعم، حصل ذلك، فقد تكلمنا في حديثنا الخاص عن تفاصيل المفاوضات، وأعتقد حقاً أننا أنجزنا شيئاً من التقدم، و نحن مرتاحون لذلك " .
أكان مؤتمر الأسد - كلينتون الصحفي ناجحاً أم فاشلاً، مسألةٌ تعتمد على رؤية الراوي و موقعه السياسي، ففريق كلينتون للسلام وصفه بالفاشل . على سبيل المثال، غضب دنيس روس غضباً شديداً لأن الرئيس الأسد، حين سألته مراسلة أخبار " اسي.بي.إس" ،ريتا برافيس، عن الإرهاب، ردّ متهماً إسرائيل بأنها منبع الإرهاب كله في المنطقة. و لابد من الإشارة إلى أن برافيس صاغت سؤالها بطريقة توحي بأن اللوم يقع على سورية و الفلسطينيين في ما يخصّ أعمال الإرهاب التي ابتُلي الشرق الأوسط بها. قال روس معلقاً على جواب الأسد: " هذه كارثة " ، و أضاف : " ها هو ذا رئيس الولايات المتحدة يقف إلى جانب رئيس سورية بعد أسبوع واحد من تفجير انتحاري في تل أبيب، و الأسد يلوم إسرائيل على أعمال العنف". أنا شخصياً، لا أعتقد أن المؤتمر كان سلبياً بأي وجه، لكن إذا كان دنيس روس و وارن كريستوفر يتوقعان أن يمطر الأسد إسرائيل بالعبارات المعسولة و المديح، فما وجداه لابدّ من أنه قد أصابهما بخيبة أمل عظيمة. و مع الك، إذا نظرنا بعمق، يتضح لنا أن القائدين توصلا إلى محطات مهمة في قمة دمشق، و قد وُصِفَتُ هذه وصفاً صريحاً إلى حدّ بعيد في المؤتمر الصحفي.
بعد أن صعدنا إلى السيارة بعد المؤتمر، علّق الرئيس كلينتون قائلاً: " لا أصدّق أنني أتيت إلى دمشق فعلاً، و لم أتمكن من التجول في المدينة القديمة". ضحك الرئيس الأسد، و قال: " اللوم يقع على مسؤولي الأمن لديكم يا سيادة الرئيس. إذا وافقت، يمكنني أن أصحبك في جولة في دمشق القديمة حيث نستطيع تناول الغداء. و لك مني كلّ الضمان أنك ستكون في أيدٍ أمينة ". و في المطار، و أثناء تبادل عبارات الوداع، أنهى الرئيس كلينتون كلامه بالقول: " أتمنى لو كان باستطاعتي البقاء وقتاً أطول، لكن عليّ العودة إلى الولايات المتحدة لأن لدينا انتخابات نصفية الشهر القادم " .
ابتسم الرئيس الأسد لسماع هذا و قال : " لو كان بإمكاننا أن نعود معكم إلى أمريكا، لكنّا صوّتنا لكم في الانتخابات النصفية " . من المحتمل أن صورة ارتسمت في ذهن كلينتون للرئيس حافظ الأسد و هو يحاول أن يكتسب التأييد له في داكوتا الشمالية أو في ميشيغن - و لو أنها لم تستمر أكثر من ثانية - و ضحك كلينتون قائلا : " مؤكّد أن ذلك سيكون عظيماً يا سيادة الرئيس ".
من كتاب الدكتورة بثينة شعبان / عشرة أعوام مع حافظ الأسد 1900-2000 / ص 165
إضافة تعليق جديد