الدور السوري الجديد على خارطة الصراع على العراق
الجمل: تغيرت خارطة التمرد العراقي خلال الفترة الماضية، وذلك بسبب الكثير من العوامل الجديدة التي برزت على الصعيد المحلي العراقي، والإقليمي العربي- الشرق أوسطي، والدولي...
• عوامل الموقف الجديد:
تمثل العوامل التي أعادت تشكيل توازنات القوى وخارطة التمرد العراقي في الآتي:
- فشل استراتيجية زيادة القوات الأمريكية في القضاء على التمرد، إضافة إلى ارتفاع الخسائر المادية والبشرية، والخلافات الداخلية الأمريكية بين الرأي العام وإدارة بوش، وبين الجمهوريين والديمقراطيين داخل الكونغرس الأمريكي.
- فشل المصالحة الوطنية العراقية: لم تنجح مساعي التسوية والمصالحة الوطنية الداخلية بين الأطراف العراقية، وذلك بسبب ارتفاع سقف مطالب كل طرف إضافة إلى تضارب المصالح على النحو الذي لا يمكن مطلقاً تحقيق أي مساومة أو تسوية بشأنه، مثل وجود أطراف ترفض الاحتلال الأمريكي، وأطرافاً أخرى تريد الاحتلال الأمريكي المستمر بلا نهاية كما في حالة الفصائل الكردية.
- الخلافات حول الثوابت الوطنية، وذلك بسبب اختلاف وتباين توجهات الفصائل العراقية حول قضايا توزيع السلطة والثروة، و(تآمر) بعض الأطراف العراقية من أجل الانفراد بالسلطة والثروة في شمال العراق، تمهيداً للانفصال النهائي عن العراق وتكوين دولة كردية.
- الدور الأمريكي- الإسرائيلي الخفي، الهادف إلى إفشال أي محاولة جادة للتسوية والمصالحة الوطنية، وذلك على النحو الذي يؤدي لإشعال الفوضى وأعمال العنف، والتي تقوم أمريكا باستخدامها كـ(ذريعة) أمام الرأي العام الأمريكي والدولي من أجل تمديد وإطالة أمد احتلالها للعراق.
• أبرز المعالم الجديدة في الخارطة العراقية:
بالنسبة للفصائل الشيعية في جنوب العراق، تشير المعلومات إلى تزايد قوة ونفوذ جيش المهدي التابع للتيار الصدري، وفي الوقت نفسه إلى ضعف وانحسار نفوذ المجلس الأعلى للثورة الإسلامية التابع لعبد العزيز الحكيم.. وأيضاً إلى تغير محوري في موقف حزب الدعوة الذي يتزعمه نوري المالكي الذي يتولى حالياً منصب (رئيس الوزراء).
بالنسبة للفصائل والميليشيات السنية، فقد بدأت تظهر الكثير من الخلافات بين صفوفها، وفي علاقاتها البينية بين بعضها البعض، وقد برزت بعض الأعمال العدائية بين بعض هذه الفصائل وتنظيم القاعدة، ومنظمة جيش الإسلام وغيرها.. وحالياً أصبح التمرد السني على مرمى حجر من ثلاثة خيارات: أما التحالف مع التمرد الشيعي في القتال ضد الأمريكيين، أو التعاون مع حكومة المالكي والانخراط في العملية السياسية تحت ظل الاحتلال، أو الاستمرار في القتال بمثل ما كان سابقاً..
بالنسبة للفصائل والميليشيات الكردية: فقد استطاعت تعزيز سيطرتها على مناطق شمال العراق، وبالذات منطقة السليمانية التي تسيطر عليها قوات البشمركة التابعة للاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتزعمه جلال الطالباني، ومنطقة أربيل التي تسيطر عليها قوات البشمركة التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه مسعود البرازاني، وبقيت فقط منطقة كركوك (الغنية) بالنفط والتي يرى الأكراد بأن تبعيتها للمناطق الكردية يشكل (خطاً أحمر) بالنسبة إليهم، وعلى خلفية كل ذلك جاء التهديد العسكري التركي بالاقتحام العسكري الوشيك ليمثل عاملاً جديداً أدى إلى تعقيدات كثيرة في الخارطة الكردية، ومن أبرزها:
- التأثير سلباً على العلاقات بين الأطراف الكردية، وذلك لأن بعض الأكراد يرى بضرورة التخلص من حزب العمال الكردستاني عن طريق وضع حد لتحركاته في المنطقة، وذلك بما يؤدي لتهدئة تركيا وتفادي الاقتحام العسكري التركي، والذي سوف يؤدي حدوثه إلى ضياع كل المكاسب التي استطاع الأكراد الحصول عليها تحت الدعم الأمريكي- الإسرائيلي، ومن الصعب الحصول عليها مرة أخرى، لأن أمريكا سوف لن تقف مرة أخرى إلى جانب الأكراد في حالة التدخل العسكري التركي.
- التأثير سلباً على العلاقات بين الأكراد وبقية سكان العراق، وذلك لأن بقية العراقيين قد أدركوا بشكل واضح طبيعة النوايا الحقيقية الكردية إزاء وحدة واستقرار العراق.
- التأثير المتبادل بين الضغوط الخارجية وضغوط الأزمة العراقية: قيام أمريكا بالتحالف مع بعض الدول العربية من أجل استهداف إيران، أدى إلى دفع الفصائل والحركات الشيعية العراقية إلى التهديد بالانخراط بشكل واسع في تصعيد العمليات العسكرية ضد القوات الأمريكية.
كذلك أدت ضغوط القوات الأمريكية على الفصائل والميليشيات السنية إلى قيام حلفاء أمريكا السنة في منطقة الخليج بتقديم الدعم السري للفصائل والميليشيات السنية.
- تصاعد مقاومة الميليشيات والفصائل السنية وعملياتها العسكرية أدى بالمقابل إلى دفع أمريكا إلى توجيه الانتقادات إلى السعودية وبقية بلدان الخليج، باعتبارها لا تقدم الدعم الكافي لأمريكا في استقرار العراق، والقيام بدلاً عن ذلك بدعم الميليشيات والفصائل السنية التي تهاجم القوات الأمريكية.
- فشل الضغوط الأمريكية الهادفة إلى استدراج سورية وإيران وابتزازهما عن طريق التهديد من أجل دفعهما إلى مساعدة القوات الأمريكية في السيطرة على العراق.
• الدور السوري الجديد على خلفية تبدل توازن القوى وخارطة الصراع:
منذ اللحظات الأولى لقيام القوات الأمريكية بغزو واحتلال العراق في مطلع عام 2003م، ظلت سورية تلعب دوراً واضحاً في إدارة ملف الأزمة العراقية، وذلك من أجل إنهاء الاحتلال وصياغة وحدة واستقلال العراق، وتمكين الشعب العراقي من بناء سلطته ومؤسساته الوطنية بإرادة واختياره الحر.
حاولت معظم دول المنطقة المناورة واللعب على خطوط الاحتلال العسكري الأمريكي عن طريق الانسجام مع المخطط الأمريكي الرئيسي الهادف إلى السيطرة على ردود الأفعال، فهي لم تتورط في دعم القوات الأمريكية لأنها منذ البداية كانت ترفض عملية احتلال العراق، لم تتورط في مضايقة اللاجئين العراقيين لأنها تدرك تماماً العلاقة التاريخية والإنسانية الوثيقة بين الشعب السوري والعراقي، إضافة إلى احترام حقوق اللاجئين العراقيين التي كفلتها لهم كل المواثيق الدولية والإنسانية.. وأيضاً لم تتورط سورية في فتح أراضيها للميليشيات والفصائل المسلحة لإقامة معسكرات التدريب، وتمرير شحنات الأسلحة..
وما هو هام يتمثل في عدم اهتمام سورية بالتهديدات الأمريكية المتواصلة والمستمرة بدعم الإرهاب وبمساعدة التمرد العراقي. أما ما هو أكثر أهمية فيتمثل في عدم استجابة سورية للإغراءات الأمريكية التي هدفت إلى عقد صفقة (قذرة) مع سورية بهدف مساعدة أمريكا في السيطرة على العراق، وكان الموقف على الدوام يتميز بالبساطة والوضوح، وهو ضرورة إنهاء الاحتلال، ولا مساومة على استقلال وسلامة ووحدة ومستقبل العراق. وسوف تكشف الحقائق المستقبلية مدى تورط الكثير من الأطراف العربية في التآمر على استقلال ووحدة العراق، وعلى وجه الخصوص تحالف المعتدلين العرب الذي يضم: الأردن، ومصر، وحركة فتح، وقوى 14 آذار.. بالإضافة إلى آخرين.
بعد زيارة نوري المالكي الأخيرة إلى سورية، يمكن القول بأن سورية قد نجحت في إدارة الأزمة العراقية، ونقلها إلى مربع جديد، وقد بدأت ملامح هذا المربع تتشكل بعد تصريحات بوش ونوري المالكي المتضاربة وتبادلهما للانتقادات.. وكان اللافت للنظر في (هذا المربع) السوري الجديد هو قيام الرئيس بوش تغيير اتجاه ومضمون تصريحاته، وعلى ما يبدو فإن إدارة بوش وجماعة المحافظين الجدد قد أدركت مدى فعالية الدور السوري القادم، ومدى قدرة سورية في التأثير على القادة والزعماء العرب، بما في ذلك أخلص حلفاء أمريكا في المنطقة.
الدور السوري الحقيقي، برغم عدم اتضاح معالمه، إلا أنه يتميز بالاستناد إلى الحقوق الشرعية للشعب العراقي، وفقاً للمواثيق الدولية والإنسانية.
(مصداقية المربع الجديد) تتوقف على مصداقية نوري المالكي والزعماء العراقيين في قيامهم بإدارة أزمة وطنهم العراقي في الاتجاه المؤدي إلى التخلص من الاحتلال كشرط أساسي وضروري لقيام أي مصالحة وطنية في العراق، ذلك لأنه بحسب الأطروحة السورية البسيطة الواضحة: لا مصالحة ولا استقرار في ظل الاحتلال.
أبرز نتائج زيارة المالكي على صعيد العلاقات السورية- العراقية يتمثل في أن تصريحاته التي أدلى بها في دمشق توضح وتبين عدم تورط سورية في أي نوع من الاستهداف والإضرار باستقرار العراق.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد