الصفقة المنتظرة بين باريس وأنقرة:
الجمل: سعت تركيا طويلاً للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وبالمقابل ماطل الأوروبيون كثيراً وعلى وجه الخصوص فرنسا، التي ظلت تتزعم معسكر وضع العراقيل والعقبات أمام عضوية تركيا، والآن تقول التسريبات والمعلومات أن استعادة فرنسا لموقعها في قيادة حلف الناتو العسكرية يتطلب موافقة تركيا فهل حانت لحظة القصاص التركي وبات على باريس أن تحني رأسها أمام سيف العثمانيين الجدد في أنقرة؟
* إعادة بناء القوة الفرنسية: إشكالية عقدة واشنطن:
سعت باريس إلى استعادة وتعزيز موقعها القائد في القارة الأوروبية ولتحقيق ذلك بذل الإليزيه (بعد صعود ساركوزي مرشح يمين الوسط) مزيداً من الجهود التي هدفت إلى جعل فرنسا تمثل القوى الكبرى الأوروبية، وتمثلت المحاور الرئيسية لتحقيق ذلك في الآتي:
• تعزيز علاقات خط باريس – واشنطن بحيث يتم إخضاع كامل ملفات علاقات عبر الأطلنطي إلى التفاهم المسبق بين البيت الأبيض وقصر الإليزيه.
• فرض النفوذ الفرنسي على الاتحاد الأوروبي بحيث تتصرف باريس في أروقة الاتحاد تماماً كما تتصرف واشنطن في أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.
• التفاهم مع واشنطن حول صيغة معينة لتقاسم الأدوار والنفوذ على مناطق العالم الأخرى.
لم تتكلل جهود الإليزيه بالنجاح بسبب عدم رغبة واشنطن في إعطاء فرنسا فرصة النهوض من جديد بما يؤدي إلى ظهور قوة عظمى جديدة تضعف نفوذ واشنطن في القارة الأوروبية، إضافة إلى رغبة واشنطن الحثيثة في تحقيق المزيد من التقدم لملء فراغ القوة الفرنسية التي تراجعت في المناطق الفرانكفونية وبعض المناطق والأقاليم الحيوية الأخرى.
* ماذا تقول المعلومات الجديدة؟
تأسيساً على المساعي الفرنسية لإعادة فرنسا إلى هياكل حلف الناتو العسكرية من المتوقع أن يعلن الرئيس ساركوزي قراره بخصوص ذلك في شهر نيسان 2009 القادم، خلال قمة الناتو التي ستصادف الذكرى الستين لقيام الحلف. وتقول المعلومات أن جهود باريس تضمنت الآتي:
• تأمين التأييد والدعم الأمريكي لقرار عودة فرنسا لهياكل الحلف العسكرية.
• تخصيص موقعين في القيادة العسكرية للحلف بحيث تكون حصراً لفرنسا.
• التفاهم مع أطراف الحلف الأخرى حول قرار عودة فرنسا إلى الحلف.
هذا، وأشارت المعلومات والتسريبات إلى أن الرئيس الفرنسي تحدث في مؤتمر ميونخ الأمني السنوي الأخير قائلاً أنه في الوقت الذي تسعى فيه فرنسا لعودتها إلى الحلف فإن باريس لن تقوم بالدخول في أي التزامات يمكن أن تلحق الضرر باستقلالية فرنسا.
برزت فكرة عودة فرنسا من خلال حملة ساركوزي الانتخابية ثم برزت بشكل أقوى لاحقاً عندما أصدرت حكومته استراتيجية الأمن والدفاع الفرنسية الجديدة، التي ركزت على إعطاء وزن أكبر للقوة العسكرية في عملية بناء القوة الاستراتيجية الفرنسية على أساس اعتبارات الآتي:
• توسيع مفهوم المجال الحيوي للأمن الفرنسي.
• توسيع القوة البحرية الفرنسية.
• توسيع مجال المظلة النووية الفرنسية.
• التأكيد على الدور الفرنسي القائد للأمن الأوروبي.
• التأكيد على استعادة القوة العسكرية الفرنسية لدورها القائد في حلف الناتو.
هذا، وبرغم انتقادات الجماعات اليسارية وقوى يسار الوسط فقد نجحت استراتيجية الأمن والدفاع الفرنسية في إثارة مشاعر التعصب القومي الفرنسي وطموحات استعادة أحلام "الأمة الفرنسية".
* طموحات باريس في مواجهة العقبة التركية:
تشير المعطيات إلى أن الوضع الإشكالي لتركيا في ملف عضوية الاتحاد الأوروبي سيلعب دوراً سلبياً لجهة إعاقة المساعي الفرنسية للعودة لحلف الناتو، هذا، وتقول التسريبات والمعلومات أن تصادم الزورق الفرنسي مع الزورق التركي في بحر دبلوماسية حلف الناتو أصبح وشيكاً ولا مفر منه. وعلى هذه الخلفية تشير إلى المعطيات الآتية:
• تؤيد فرنسا توسيع القدرات العسكرية الأوروبية بما يتيح للأوروبيين بناء قدرات عسكرية أوروبية موازية لحلف الناتو بينما ترى تركيا أن توسيع هذه القدرات سيترتب عليه ظهور قوة جديدة ستكون في المستقبل بديلة لحلف الناتو وبالتالي فإن إضعاف الحلف هو بالنسبة لتركيا إضعاف لدورها في الحلف، وبرغم أن تركيا ليست بلداً عضواً في الاتحاد الأوروبي فإنها ظلت تعارض داخل حلف بالناتو فكرة إنشاء قوة عسكرية أوروبية بمعزل عن الناتو.
• تؤيد فرنسا سياسة الأمن والدفاع الأوروبي كإطار أساسي لعملية صنع واتخاذ القرار في الناتو، وبالمقابل يرفض الأتراك ذلك على أساس أنه يستبعد مساهمة تركيا في عملية صنع واتخاذ القرار التي سينفرد بها أعضاء الاتحاد الأوروبي حصراً ولحل هذه الإشكالية تطالب أنقرة بأن تتم عملية صنع واتخاذ القرار ضمن هياكل الناتو المؤسسية التي تشارك تركيا بفعالية فيها.
• تعارض فرنسا إعطاء تركيا دوراً أكبر في مبادرة الدفاع الأوروبي وبالمقابل تطالب تركيا بإعطائها هذا الدور طالما أن حلف الناتو الذي يضمها هو المسؤول عن الدفاع عن أوروبي.
من الصعب وصف النفوذ التركي داخل حلف الناتو بالضعف، وقد أثبتت أنقرة مصداقية كبيرة عندما استطاعت عرقلة جهود اليونان وأمريكا وفرنسا وبقية دول الحلف التي سعت إلى إتاحة الفرصة لقبرص اليونانية بالمشاركة والإسهام في عمليات الاتحاد الأوروبي التي اعتمدت على منشآت حلف الناتو.
بمجرد إعلان الرئيس ساركوزي عن رغبة فرنسا في إعادة انضمامها إلى هياكل حلف الناتو العسكرية برزت على الفور العديد من الأصوات السياسية والدبلوماسية التركية التي طالبت بالآتي:
• أن القرارات في حلف الناتو يتم اتخاذها بالإجماع وطالما أن فرنسا سوف لن تستطيع العودة إلى حلف الناتو إذا لم تحصل على موافقة مجلس الحلف فإن أنقرة يمكن أن تستخدم حق الفيتو لمنع فرنسا من العودة.
• إن الفيتو التركي ضد عضوية فرنسا لا يترتب عليه أي مخاطر خاصة أن العديد من الأوروبيين داخل الحلف وإن كانوا راغبين في عودة فرنسا إلا أنهم غير راغبين في أن تتمتع فرنسا بدور القوة الكبرى التي تمارس النفوذ ضدهم داخل هياكل ومؤسسات حلف الناتو العسكرية.
حالياً، تشير بعض التسريبات التركية إلى أن خبراء الدبلوماسية الأتراك يخططون للتفاهم المسبق مع فرنسا بما يتيح لأنقرة عقد صفقة مع باريس بحيث تكون مساعدة باريس لتركيا في ملف نيل عضوية الاتحاد الأوروبي مقابل قيام أنقرة بالامتناع عن استخدام حق الفيتو الذي سيقضي على طموحات باريس بالعودة إلى الحلف.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد