اللاجئون السوريون في أوروبا يعيشون صدمة الانفتاح
في اللحظة الأولى التي يصبح فيها لاجئاً في الدنمارك، يُطلب من السوري أن يوقع عقد اندماج يضمن التزامه بقوانين اللجوء التي وضعت بعد تجارب عدة عاشتها الدولة المضيفة مع اللاجئين خلال العقود الماضية.
ويوقع اللاجئ السوري على العقد بعد أن يقرأ كل تفاصيله التي يعرف أن الكثير منها لا تناسبه ولا تتوافق مع عاداته وتقاليده وطريقة عيشه المحافظة، لكنه يقبل بها ظناً منه أنها لن تربطه بأي التزامات.
وتقول ربى، وهي مترجمة للاجئين، إن «اللاجئين يظنون في البداية أن هذا العقد حبرٌ على ورق ولا ضوابط لتنفيذه، لكنهم بعد أيام قليلة يفاجؤون بأن القوانين هنا تختلف عن القوانين التي لا تُطبَّق في بلادهم».
ويعتبر الانفتاح أولى العثرات التي تصطدم بها العائلات القادمة من سوريا، خصوصاً تلك التي جاءت من بيئة محافظة وكانت تعيش وفق ضوابط معينة في بلدها، وهي عثرة غالباً ما تعاني منها العائلات اللاجئة، بينما قد لا يتأثر بها اللاجئون كأفراد.
ففي المدرسة، يختلط الطلبة ذكوراً وإناثاً مع بعضهم البعض، وهو أمر يتقبّله بعض اللاجئين على مضض، لكنهم لا يستطيعون تقبّل حصة السباحة التي تتشارك فيها الفتيات والذكور مثلاً، ويسبحون معاً في مسبح واحد مرتدين ملابس خاصة.
درس السباحة أساسي في الدنمارك التي تشكلت من مجموعة جزر، وبالتالي فإن المسؤولين هناك يعتبرون هذه الرياضة حاجة لكل مَن يقيم في الجزيرة حتى يحمي نفسه من الغرق على الأقل، وبالتالي فهو درس ملزم لا يمكن التغاضي عنه، وهي مادة أساسية مثلها مثل الرياضيات واللغة. غير أن المدارس قبلت النقاش في موضوع الاستحمام بعد السباحة وسمحت بوضع ستائر داخل الحمامات للفصل بينها بعدما كانت مفتوحة على بعضها وتنتفي فيها الخصوصية.
الأمر ينسحب على نظام المخيمات أو المعسكرات في الطبيعة والتي يقضي خلالها الأولاد أياماً وليالي بهدف معايشة العلوم الطبيعية، وهو أيضاً أمر مرفوض من قبل شريحة واسعة من الأهالي ما كانت لتقبل به في سوريا تحت أي ظرف.
وتقول اللاجئة من ريف دمشق، سوزان، إنه «لم يعُد بمقدور الأب فرض سيطرته المعتادة على الأولاد، فالفتاة إذا أرادت الذهاب إلى المخيم لا يمكنه أن يمنعها، كثيرات أصبحن يقلن لآبائهن إن القانون يحميهنّ ويضمن حريتهنّ».
ويعيش أطفال اللاجئين صراع «الحلال والحرام» مع القوانين والعادات والتقاليد المحلية، فما يتعلمونه في المنزل مختلف عما يتعلمونه في المدرسة، ما يلحق أذىً كبيراً في شخصيتهم، حتى باتوا ضحايا لصراعٍ لا ناقة لهم فيه ولا جمل.
وتعتبر ربى أن «هذا الواقع جعل لدى الأطفال واليافعين، وحتى الشباب، ازدواجية في الشخصية، وهم يخفون ذلك عن أهاليهم».
ولم يعُد الخلل مقتصراً على العلاقة بين الابن أو الابنة والأب الذي لم يرق له الانفتاح وحرية أولاده، بل انسحب الأمر على العلاقة بين الزوجين، فالمعتاد أن الرجل هو سيد المنزل في معظم البيئات المحافظة في سوريا، لكن في الدنمارك لم يعُد الأمر كذلك، والمرأة لم تعُد متخصصة فقط بالطبخ والتنظيف وتربية الأولاد، وإنما باتت تتمتع بحقوق أصبحت تطالب بها ولا تتنازل عنها.
تقول ليلى، وهي لاجئة انفصلت عن زوجها بعد فترة من وصولها إلى أوروبا، إن المعونة المقدّمة للاجئين توزع على الرجل والمرأة حيث توضع في حسابين منفصلين، الأمر الذي لم يتقبّله زوجي مثلاً، فبدأت المشاكل وراح يضايقني حتى رويت للمشرفة المعنية باللاجئين في البلدية ما حصل معي فما كان منها إلا أن استدعت زوجي»، مضيفة أنه «مع تطور الخلاف، تمّ فصلي عنه وأصبحت أعيش مع أولادي بمفردنا وهو ممنوع من الاقتراب منا نهائياً. لم أكن أريد ذلك، لكنه أجبرني».
«ليست كل النساء على هذا الحال»، تؤكد ربى، ولكنها تضيف أنه «من دون شك، أصبحت نسبة لا يُستهانُ بها من النساء يتشبثّن بحقوقهن، لكن هناك شريحة أخرى ازددن تطرفاً، وقاومن التغيير خصوصاً في مجال العمل». وأوضحت أنه «في الدنمارك على اللاجئة أن تعمل، وهو ما لم تتقبّله بعضهنّ. أما في موضوع الأطفال والتحريم والتحليل، فإن بعض الرجال غضوا الطرف، بينما ازدادت بعض النساء تطرفاً».
وأفضت التغييرات الاجتماعية إلى انغلاق بعض العائلات اللاجئة على نفسها، ومعاناة الأطفال من مشاكل اندماج، ما دفع البعض بالتفكير بالعودة إلى سوريا أو السفر إلى بلد مسلم ينسجم مع ثقافتهم وتوجهاتهم الدينية.
برغم كل ذلك، يلتزم اللاجئون السوريون في بلدان اللجوء بالقوانين. هذا ما تؤكده سوزان، مضيفة أنه «في الدنمارك، القوانين كلها تصب في مصلحة المرأة، وهي مطالبة بالعمل. وفي كل أسبوع، عليها الذهاب إلى المكان المخصص لتحضيرها للانخراط في سوق العمل. صحيح أن بإمكانها عدم الحضور، لكنها ستحرم من المعونة، وهذا ما لا تستطيع تحمله».
وتمثل صدمة الانفتاح جانباً من جوانب التغريبة السورية، لكن هناك صورٌ أخرى مختلفة لها تعكس الاندماج نجاح السوريين في إثبات جدارتهم في العمل.
بلال سليطين
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد