المساعدات العسكرية والأمنية الأمريكية إلى لبنان : الغايات والأهداف
الجمل: استغلت إدارة بوش أحداث مخيم نهر البارد وأعلنت عن قيام الولايات المتحدة الأمريكية، بتقديم المعونات العسكرية للجيش اللبناني، بهدف مساعدته في حفظ سلامة واستقرار وسيادة لبنان، وأشار المسؤولون الأمريكيون إلى أن الدفعة الأولى بلغت قيمتها 45 مليون دولار، إضافة إلى دفعة ثانية تبلغ قيمتها 280 مليون دولار سوف يتم تقديمها للجيش اللبناني في القريب العاجل.
أثار الإجراء الأمريكي رد فعل روسي، وتحدث سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسية منتقداً الإجراء الأمريكي باعتباره يعكس عدم التزام الإدارة الأمريكية الدقيق بالاتفاقيات الدولية والقرارات الدولية والمتعلقة بالشأن اللبناني.
• الخلفيات غير المعلنة للقرار الأمريكي:
تقول المعلومات الواردة من واشنطن، بأن عملية تقديم المساعدات العسكرية للجيش اللبناني تأتي ضمن مشروع كبير تقوم بتنفيذه الإدارة الأمريكية بالتنسيق مع البنتاغون (وزارة الدفاع الأمريكية)) ووزارة الخارجية الأمريكية، ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية، والقيادات.
تسربت أخبار مخطط الإدارة الأمريكية عندما تقدم البيت الأبيض الأمريكي بمشروع قرار أطلقوا عليه تسمية (قانون بناء الشراكة العالمية لعا م2007) يهدف إلى –كما افترضوا- منح التفويض والتخويل اللازم لوزارة الدفاع الأمريكية، أن تقوم بالتشاور مع وزارة الخارجية الأمريكية، لتقديم ما تصل قيمته إلى 750 مليون دولار (أي ثلاثة أرباع مليار دولار) للحكومات الأجنبية بغرض الدعم العسكري، وذلك دون الرجوع إلى الكونغرس أو حتى البيت الأبيض الأمريكي..
وتقول مسودة القانون بأن هذه المساعدات يجب تقديمها بما يعزز القدرات العسكرية والأمنية في البلدان التي تحارب الإرهاب وتسعى لتحقيق الاستقرار.
(قانون بناء الشراكة العالمية لعام 2007) تم بتوجيه ديك تشيني وموافقة بوش، والمهندس المشرف على إعداده، وسوف يشرف على تنفيذه لاحقاً هو إليوت ابراهام نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي.
يقوم خبراء البنتاغون حالياً بالتنسيق مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بالتخطيط وإعداد الترتيبات الكافية للقيام بعد صدور هذا القانون مباشرة بتقديم (المساعدات) العسكرية والأمنية الأمريكية إلى مجموعة من الدول منها أربعة دول عربية هي: لبنان، الجزائر، المغرب، واليمن، وعشرة دول غير عربية، هي: تشاد، نيجيريا، باكستان، الدومينكان، أندونيسيا، السنغال، سيريلانكا، تايلاند، بنما، وجزر ساوتومي- برنسيب.
السبب الأساسي لسعي الإدارة الأمريكية لإصدار هذا القانون، يتمثل في أن القوانين الأمريكية تمنع الإدارة الأمريكية من تقديم المساعدات إلى الدول التي لا تتمتع بسجل نظيف في مجال حقوق الإنسان، وقد أدى ذلك إلى تقييد قدرة الإدارة الأمريكية في دعم الكثير من الحكومات الحليفة لها، وبالتالي فإن هذا القانون سوف يتيح لإدارة بوش التخطي والتجاوز والالتفاف على قوانين حقوق الإنسان الأمريكية والقيام دون قيود بتقديم المساعدات العسكرية والأمنية دون أي تقيد بتداعيات المخاطر الإنسانية المترتبة عليها.
• المساعدات العسكرية والأمنية الأمريكية: لماذا لبنان؟
ليست هناك أي منفعة اقتصادية مباشرة أو غير مباشرة تعود على أمريكا من لبنان، ولكن هناك مصلحة تتمثل في الرغبة الإسرائيلية الهادفة إلى استخدام لبنان كورقة في الصراع العربي- الإسرائيلي من ثم القيام باحتلال وضم جزء كبير من أراضيه، بحسب ما هو وارد في (خارطة مملكة الرب اليهودي)، وليس هذا من قبيل المبالغة، فقد أكدت المعلومات أن ارييل شارون قرر القيام بالانسحاب من غزة عندما أكد له الحاخامات بأن اراضي قطاع غزة لا تقع ضمن أراضي مملكة الرب.. أما لبنان الذي يضم صيدون (أي صيدا) وغيرها فقد أشار الزعماء الإسرائيليون إلى الكثير من السمات والملامح (العبرية) التي تتميز بها أراضيه.
إن مساعدة الجيش اللبناني عسكرياً ومساعدة قوى الأمن اللبناني أمنياً، قد يفهم البعض بأنها سوف تؤدي إلى إقامة جيش لبناني قوي مزود بالعدد والعتاد بحيث يصبح قادراً على ردع خصومة والجيران الطامحين، ولكن سوف يبطل هذا الفهم تماماً، إذا أعدنا قراءة ملف المساعدات الأمريكية العسكرية للجيش اللبناني بطريقة أكثر دقة، فأمريكا لا يمكن أن تدعم الجيش اللبناني بدبابات ابراهام، ولا بطائرات اف18 أو 16 أو 14، ولا بهليكوبترات أباتشي وكوبرا، أو بصواريخ كروز توماهوك الذكية التوجيه، لأنه في هذه الحالة سوف يهدد أمن إسرائيل.
إن عملية تسليح الجيش اللبناني جاءت بالأصل بناء على طلب إسرائيل، والتي ظلت لسنوات طويلة تسعى من أجل أن يكون لها جيش يقوم بدور الوكيل الـ(بروكسي) في لبنان، وسبق أن قامت بعملية تسليح جيش لبنان الجنوبي الذي كان يقوده الضابط انطوان لحد، ولكن فشل هذا الجيش ولم يستطع التشكيل بما فيه الكفاية لا بلبنان ولا باللبنانيين، الأمر الذي دفع إسرائيل إلى التخلي عن عناصره بلا أدنى حرج عندما انسحبت من جنوب لبنان.
إن عملية تسليح ومساعدة الجيش اللبناني لا تتضمن تقديم بعض الأسلحة الخفيفة له، وإنما سوف تضمن بقدر أكبر إعادة بناء المذهبية العسكرية والقتالية للجيش اللبناني على النحو الذي يجعله يخوض حرباً داخلية باسم الشرعية اللبنانية (وبالوكالة) عن إسرائيل ضد المقاومة الوطنية اللبنانية وحزب الله اللبناني، على النحو الذي يحقق الحماية بـ(الوكالة) لأمن الحدود الإسرائيلية الشمالية والمستوطنات الإسرائيلية الموجودة في منطقة الجليل.
كذلك سوف يتم استخدام هذا الجيش في محاصرة الاقتصاد اللبناني نفسه وذلك عن طريق نشره وتحويله إلى مجرد قوات حرس حدود، تقوم بالإشراف على مراقبة الشريط الحدودي اللبناني- السوري.
• المساعدات العسكرية وسيناريو الانقلاب العسكري:
وبعد أن يكمل الجيش اللبناني المهام التكتيكية التي سوف توكلها أمريكا له (المساعدات العسكرية الأمريكية تكون عادة مرفقة بالخبراء الذين يتابعون تنفيذ شروط الإدارة الأمريكية).. سوف يتحول إلى تنفيذ الهدف الاستراتيجي الذي هدفت له المساعدات وهو تنفيذ الانقلاب العسكري اللبناني.
تقول معطيات الخبرة التاريخية، بأن كل الجيوش التي ظلت تتلقى المساعدات الأمريكية، قد انقلبت في نهاية الأمر على النظام الديمقراطي الذي وفر لها المساعدات الأمريكية بفضل (رضا) الإدارات الأمريكية عن نخبة الديمقراطية الحاكمة، وثمة مثال بارز لذلك في انقلابات أمريكا اللاتينية، وافريقيا، وجنوب شرق آسيا.. وبلا شك إن الخطوة القادمة بعد التسليح الأمريكي للجيش اللبناني لن تكون ردع سوريا أو ردع إسرائيل، فهذا أمر مستبعد، لأن أمريكا لو أرادت القيام بشن حرب ضد سوريا، فقواتها موجودة على مقربة من الأراضي السورية في تركيا وشمال العراق، ولكنها تفهم جيداً أن السوريين يعرفون كيف يدافعون عن بلادهم.
على الصعيد غير المعلن تدعى الإدارة الأمريكية رضاها عن الديمقراطية في لبنان، ولكنها على الصعيد المعلن، أصبحت أكثر قناعة بضرورة القضاء على النظام الديمقراطي اللبناني، وبضرورة وجود نظام عسكري شمولي لبناني يقضي على حق وحرية اللبنانيين في بناء ودعم المقاومة الوطنية اللبنانية المسلحة، التي تعيق المخططات الإسرائيلية التوسعية الهادفة إلى احتلال أراضي لبنان وإضافتها إلى خارطة مملكة الرب.
وهو أمر لن تتوافر ظروفه السانحة لإسرائيل إلا إذا وقع لبنان تحت ظل نخبة عسكرية تحكم من جهة، وشعب لبناني يقاوم في هذه الحكومة من الجهة الأخرى، على النحو الذي يؤدي إلى إضعاف لبنان سياسياً ويقضي على عملية التكامل الوطني اللبناني بشكل يصبح معه لبنان لقمة سائغة أمام القوات الإسرائيلية، وعلى الساسة اللبنانيون والقوى السياسية التي نمت وترعرعت في ظل الديمقراطية وبالذات الساسة المؤيدون لمشروع البنتاغون ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية أن يتساءلوا: لماذا قررت أمريكا دعم الجيش اللبناني، ولماذا في هذا الوقت بالذات؟ وهل لإسرائيل دور في ذلك؟ بالتأكيد هناك أكثر من إجابة، وبالتأكيد لا يمكن أن تكون (المحكمة الدولية) طرفا من الإجابة، لأن ملفها أصبح بعيداً عن أيدي اللبنانيين، ولا يمكن أن تكون (المطامع السورية) أيضاً طرفاً من الإجابة، لأن سوريا خرجت من لبنان، ولو كانت تريد ضم لبنان بالقوة العسكرية لفعلت ذلك تحت غطاء دولي سوفييتي منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي، ولتوافر لها أيضاً الغطاء الأمريكي لاحتلال لبنان إذا قامت سوريا بطرح ملف لبنان ضمن صفقة المفاوضات مع إسرائيل حول الجولان.
المطلوب أمريكياً على المدى القريب هو تسليح الجيش اللبناني بما يؤدي لاختلال توازن القوى بين السياسيين والعسكريين في الساحة اللبنانية، وبعدها على السياسيين اللبنانيين أن لا يتوقعوا شيئاً سوى طوفان الانقلاب.. وعليهم من الآن تهيئة أوراقهم الثبوتية استعداداً للرحيل وطلب اللجوء السياسي من خطر الديكتاتورية العسكرية التي يتم التخطيط لها حالياً بواسطة الموساد الإسرائيلي ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد