برانجلينا... وداعاً أيها «الحلم» الهوليوودي الجميل
طوال سنوات، باعتنا هوليوود في ما باعتنا إياه، صورة الثنائي (المطلّق حديثاً): براد بيت وأنجلينا جولي. في الخُرافة أن الثنائي الفائق الجمال - بكل المقاييس - متزوج، يعمل بجد كل على مهنته المتطلبة للغاية.
مع ذلك، هما يأخذان إجازات عائلية، ويتسوقان معاً، ويحضران حفلات وأنشطة اجتماعية. تستمر الخرافة في تغطية طقم من ستة أولاد، بعضهم أبناء بيولوجيون، وبعضهم الآخر نماذج بشرية من أنحاء الكوكب تبناهما النجمان أو لنقل الثنائي - النجم برانجلينا كما تسميهم صحافة الشائعات، لا لإكمال شبكة الجينات البشريّة في سفينة نوح التي يقودان، بل لأغراض سياسية، ثقافية واجتماعية لا يعلمها إلا الله والراسخون في صناعة النجوم. خلال رحلة استمرت ١٢ عاماً، تحدى الثنائي عواصف الحياة جميعاً، وانتصر عليها. لم تهزمه مطاردات الصحف الصفراء والغمز من ذمة النجمين في نشوء علاقات عمل أكثر حميمية من المألوف بين الحين والآخر، ولا رحلات أنجلينا بوصفها سفيرة النيات الحسنة في الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ولا تصوير أفلام يأخذ شهوراً عدة في مناطق بعيدة عن عش الزوجية الدافئ. حتى السرطان نفسه سقط في مواجهة العلاقة المثالية الساحرة، فأنجلينا قاومت وتجرأت وانتصرت، وبراد ساند وتفهم ورآها أجمل!
كان صعود برانجلينا مع ستة أولاد إلى الطائرة في إجازة مناسبةً يراق من أجلها حبر كثير وتصرف على نقل أحداثها التافهة كمية كهرباء تضيء مدينة لأسبوعين. كان وصول أنجلينا إلى مخيم الزعتري بمثابة إنزال عسكري لقوات أميركية خاصة تخشاها موسكو أكثر مما تخشى صواريخ كروز العابرة للقارات.
كانت النساء يذهبن إلى السينما ويضعن الملايين في جيب أي مخرج يمكنه أن يقدم لهن براد بيت لساعتين أو أكثر قليلاً، ليتأملن جمال خلقة الرب مهما كانت قصة الفيلم تافهة، أو حتى لو لم تكن هناك قصة من حيث المبدأ!
قصة برانجيلنا، كانت عملاً هوليوودياً هائلاً، وتلفزيون واقع مستمراً لـ24 ساعة يومياً. وراء برانجلينا وقفت مؤسسة ضخمة خفيّة ليس مفترضاً أن نراها نحن المستهلكين الشرهين للسخافات الأميركية. مربيات، وخدم، ومدرسون خاصون، وطباخون، وسائقون، ومصفّفو شعر، ومديرو أعمال، ومسؤولو أزياء، وسكرتيرات، وحراس شخصيون، وملقنون، وموسيقيون، وخبراء مساج تايلندي، وثلاثة حدائقيين على الأقل، ومستشارون صحافيون، ومستشارات ظهور إعلامي، وفريق لإدارة المواقع الإلكترونية، ومتسوقون خاصون، وحاملو حقائب، وأطقم طائرات خاصة، ومديرون ماليون ومحاسبون، وضابط اتصال مع لانغلي - مقرّ المخابرات المركزية - وضابط اتصال مع عمليات الأمم المتحدة، بالإضافة إلى المساعدين الشخصيين في ما يتعلق بالفيلم الذي يعمل عليه كل منهما في ذلك الوقت. هذا بالطبع من دون أن ننسى المدربين الخاصين، والأطباء الخاصين وخبراء جراحة التجميل الخاصين، والمدلكين وخبراء ألوان البشرة والمصورين العائليين... إلى آخره.
كان يُفترض أن تقوم هذه المؤسسة الهائلة بتغذية الهباء المسمى حياة الثنائي - النجم برانجلينا ليعيشا دوماً في ثبات ونبات وسعادة دائمة.
وفجأة، جاءنا الخبر الصاعق. أنجلينا تقدمت بطلب الطلاق إلى المحكمة، وبراد حزين. حبس العالم أنفاسه. لم يعد مهماً ماذا يحدث في سوريا، أوكرانيا، فنزويلا، فلسطين المحتلة، كشمير، ليبيا، العراق وكل الحروب التي أشعلتها أميركا عبر القارات. الخبر الأهم الآن كيف نعيش من دون «الثنائي - الحلم» الهوليوودي الجميل.
لا يوجد طرف ثالث مذنب في هذه النهاية التي لم تجرِ كما تريد هوليوود. حتى صديق العائلة جورج كلوني شخصياً بريء براءة الذئب من دم يوسف من أي تأثير سلبي بعواطف أي من الطرفين. وبالتأكيد، لم يكن هناك خلاف على توصيل الأولاد إلى المدرسة، ونشر الغسيل، والفواتير غير المدفوعة أو السهر خارج المنزل. وليس هناك مشكلة في تغيير المناظر بين القصور الكثيرة التي يمتلكانها. وعلى الأغلب، إن الثنائي لا يعاني مصاعب جنسية أو مشاكل صحيّة يمكن أن تسبّب هجر فراش الزوجيّة. إذاً، ما الذي هزم الثنائي النجم الذي لا يهزم؟
لقد هزمته الحياة المشتركة كما تهزم أي ثنائي تعيس يعيش في إحدى العشوائيات في حزام مدينة كبرى. الحياة المشتركة في العصر الرأسمالي بين أي اثنين، تتحول حتماً إلى جحيم بعد انقضاء شهور الاحتراق الأولى. الخواء، والملل وفراغ الروح تتسرب بعد قليل ولا تملأها المشاريع الكبرى أو الملايين المتراكمة في الحسابات أو الشهرة والنجوميّة. لكن الزواج مؤسسة اقتصادية محض تفيد الدورة الاستهلاكيّة لا أكثر، ولذا أرادت هوليوود ثنائياً ذهبياً لتهفو إليه قلوب السذّج.
العيش المشترك فن صعب لا يمكن إدراكه في حياة البشر القصيرة التعيسة. ألم يقل لكم سارتر إنّ الجحيم هو الآخر؟
سعيد محمد
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد