بطرك أنطاكية للروم الكاثوليك: المسيحيون العرب ليسو طرفاً في أي صراع!

بمناسبة الأعياد التي يحتفي بها المسلمون والمسيحيون من أسبوع وحتى نهاية العام الجاري، أكّد غبطة البطريرك غريغوريوس الثالث لحام بطريرك إنطاكية وسائر المشرق والإسكندرية وأورشليم للروم الملكيين الكاثوليك، أن المسيحيين العرب ليسوا طرفاً في أي صراع محلي أو إقليمي وليسوا خطراُ على أحد، ولكنهم للأسف يمكن أن يقعوا ضحية خلافات محلية أو إقليمية أو دولية، أو تلك التي بين المذاهب الإسلامية المختلفة

وقال غبطته، بمقر البطريركية في  دمشق، "إن الصعوبات التي يواجهها المسيحيون العرب في بلدانهم ليست صعوبات إيمان بمقدار ما هي مجتمعية سياسية اقتصادية ثقافية، من تلك التي يتعرض لها الإنسان المؤمن المسيحي والمسلم بغض النظر عن دينه وجغرافية موقعه وثقافة بلاده". وشدد على أنه "لا يجوز أن نصف كل مشاكلنا الحياتية وكأنها إيمانية إسلامية ومسيحية"

وعن هواجس المسيحيين العرب قال غبطته "الموضوع الأساسي أننا جزء لا يتجزأ من هذا العالم العربي، وهذا الانتماء هو بيت القصيد، فإذا كانت تلك قناعتنا فيجب أن نبقى، وإذا كان أخوتنا العرب المسلمون بنفس هذه القناعة، ويشعرون بأننا جزء من حضارتهم وثقافتهم، ويقدّرون ذلك، فهذا قاسم مشترك عظيم بيننا وبينهم"

ورأى غبطة البطريرك أن من واجب المسلمين العرب "أن يحافظوا على هذا الكيان المسيحي بينهم"، مشيراً إلى أن هذا الكيان "مهدد بالهجرة، وله أسبابه وموانعه"، وحدد غبطته أسباب الهجرة بثلاث قضايا مترابطة، وقال "القضية الأولى هي إحلال السلام"، وأوضح أنه "من النتائج الأكثر خطورة في الصراع العربي الإسرائيلي وعدم إيجاد حل عادل وثابت لهذا الصراع، هي الهجرة، هجرة الأدمغة، وهجرة المفكرين والشباب، وهجرة المسلمين المعتدلين، وبشكل خاص هجرة المسيحيين. وهذا بدوره يضعف مستقبل الحرية والديمقراطية والانفتاح في المجتمع العربي"، على حد قوله

ورأى أن القضية الثانية، وهي هجرة المسيحيين العرب تعتبر "القضية الأكبر والأخطر، والتي لها عواقب خطيرة وأليمة وجسيمة، وهي تعني تفريغ الشرق من المسيحيين فقدان التعددية والتنوع في العالم العربي، وتشكل نزيفاً مستمراً ليصبح مجتمعاً ذا لون واحد، مجتمعاً إسلامياً إزاء مجتمع أوربي مسيحي، لتصبح الفرصة ملائمة لقيام صراع الحضارات والثقافات والديانات". وشدد في هذا الصدد على أهمية إحلال السلام في الشرق الأوسط، وقال "لقد أرسلنا رسائل عدة إلى مجالس الأسقفيات الأوربية في هذا المعنى، ولكل أخوتنا في أوربا الذين يهمهم حضورنا أن يعملوا على تحقيق السلام"

أما القضية الثالثة برأي غبطته فهي "إزالة الهواجس بعد إدراكها وتحديدها، بمعنى أنه عندما نتكلم عن العيش المشترك والتعايش والمواطنة فلا بد أن يكون تحقيق شروط هذه المبادئ واجباً يقع على كاهل المسلم كما يقع على كاهل المسيحي"، وأضاف "هكذا هو الأمر في الكلام عن فصل الدين عن الدولة، وعن العروبة، والقومية، والديمقراطية، وحقوق الإنسان، والتشريعات التي ترتكز على الإسلام كمصدر وحيد أو رئيسي، والتي تتسبب بقوانين ومواد دستورية تميز بين المواطنين على أساس الدين، وتحول دون المساواة أمام القوانين وتنتقص من المساواة في المواطنة"، وكذلك القول عن "أحزاب متشددة وتيارات إسلامية وحركات أصولية هنا وهناك تنسب إليها بحق أو بغير حق أعمال عنف وإرهاب وقتل وإحراق كنائس وتسلط مواطنين على أترابهم واستغلال الدين والأغلبية الدينية لأجل إذلال الجار أو رفيق العمل والمهنة"، حسب تعبيره

وحول مكان المسيحيين العرب اليوم ودورهم في مجتمعاتهم قال البطريرك لحام "لابد أن نقرّ بوجود نقص كبير في الثقة بين الشرق والغرب، بين البلاد العربية ذات الأغلبية المسلمة من جهة والغرب وأمريكا من جهة ثانية، وفي هذا الجو، وفي خضم الحروب والنزاعات والتجاوزات، ومع تعالي أصوات تدعو إلى شرق أوسط جديد، هنا بالذات يكمن دور المسيحيين العرب، وهو أن يعملوا على خلق مناخ من الثقة بين الغرب من جهة والعالم العربي والإسلامي من جهة أخرى"، وأوضح "بما أننا جزء لا يتجزأ من هذا العالم العربي والإسلامي حاضراً وماضياً، فإننا مخولون بالقيام بهذا الدور الهام في التقريب بين الشرق والغرب، ونحن كمسيحيين مشرقيين نتوجه إلى الغرب عموماً وإلى أوربا والولايات المتحدة أن امنحوا الثقة للعالم العربي وهو سيمنحكم الثقة بدوره، ولا تعملوا على قسمة العالم العربي من خلال الأحلاف بل ساعدوا على تحقيق وحدته وتضامنه، ولا تسعوا إلى زرع الفتنة والتفرقة بين المسيحيين والمسلمين في العالم العربي"، وأضاف "نقولها لهم بصراحة إن نجحتم في تقسيم العالم العربي، وفي القطيعة بين مسلميه ومسيحييه، فإنكم ستعيشون دائماً في خوف من العالم العربي ومن العالم الإسلامي"

وعن كلمته للمسيحيين العرب عموماً، والروم الملكيين الكاثوليك خصوصاً، قال غبطته "كلمتي موجهة لجميع المسيحيين في شرقنا العربي، وفي بلاد الانتشار، مفادها أن انتماءكم الكنسي الإيماني الحقيقي هو قوتكم أمام الصعوبات في المجتمع، ولا تظنوا أنكم وحدكم كمسيحيين مشرقيين لديكم مشاكل وصعوبات، فالمسلم في سورية لديه مشاكل في عيشه وإيمانه، والمسلم والمسيحي في الوطن العربي لديهم مشاكلهما الحياتية أيضاً، كذلك الأمر في أوربا المسيحية، فكل المسيحيين فيها لديهم مشاكلهم في عيش إيمانهم، الصعوبات تواجه الجميع، ولا إيمان بلا صعوبات".

المصدر: آكي