بوش يلمح إلى انسحاب تدريجي من العراق
لوح البيت الأبيض باحتمال تبني خطة جديدة في العراق تشمل انسحاباً تدريجياً للقوات، فيما يبدو لعبة سياسية جديدة كسباً للوقت إلى حين خروج الكونجرس في عطلته السنوية الشهر المقبل، ودرءاً لانقلاب المزيد من الزعامات الجمهورية في “الكابيتول هل” على إدارة الرئيس جورج بوش، وهو المسلسل الذي بدأ قبل أسبوع بإعلان سيناتورات نافذين معارضتهم لاستراتيجية البيت الأبيض في العراق، وحذر مسؤولون وسياسيون عراقيون من الانسحاب المبكر الذي قد يؤدي إلى انزلاق البلد المحتل إلى حرب أهلية شاملة، في وقت لقي 18 عراقياً حتفهم وأصيب 43 بجروح في هجمات، وعثر على 42 جثة مجهولة الهوية في بغداد و6 في الكوت واثنتين في السعدية، وقتل جندي أمريكي وأصيب 3 آخرون في انفجار غرب بغداد.
ورغم مسارعة المتحدث باسم البيت الأبيض توني سنو أمس الاثنين إلى نفي ما تردد عن عكوف البيت الأبيض على دراسة وإعادة تقييم الوضع في العراق، إلا أن ما تسرب عن هذا التغيير بات شبه مؤكد، لا سيما بعد إعلان مكتب وزير الدفاع روبرت جيتس إلغاءه رحلة مقررة سلفاً إلى أمريكا الوسطى والجنوبية، من أجل المشاركة في دراسة وإعداد تقرير عن الأوضاع في العراق.
وأكدت مصادر بمكتب زعيم جمهوري بمجلس النواب الأمريكي ل “الخليج” أن الديمقراطيين سيحاولون في ظل هذه المتغيرات الجديدة أي تحول قيادات جمهورية كبيرة عن مساندة الرئيس الأمريكي في العراق كسبهم إلى صفهم، وأشاروا إلى أن الديمقراطيين بصدد تخصيص الأسابيع الثلاثة المقبلة لمناقشة الوضع في العراق، وأفكار وقرارات تتعلق بوضع مهلة قد تصل إلى 120 يوماً أمام الرئيس الأمريكي لرؤية سحب حقيقي للقوات من العراق.
ويبدو أن إدارة بوش أخذت بنصيحة مستشاريها للقيام بخطة تتضمن تهدئة الجمهوريين في عام الانتخابات، وذلك عن طريق كسب الوقت وتسريب أخبار عن اعتزامها إعداد المسرح السياسي لإطلاق استراتيجية ما بعد التصعيد العسكري، والتلويح بتفكيرها في الانسحاب التدريجي من العراق، والحديث عن تقليل طموحاتها المستقبلية في العراق، أو نيتها الابقاء على جزء من القوات الأمريكية بعد إعادة الانتشار في العراق لسنين طويلة قادمة، مع ابقاء الإصرار على انتظار نتيجة ارسال المزيد من القوات (30 ألف جندي) مؤخراً إلى العراق. وهو يتزامن أيضاً مع التأكيد للكونجرس (الجانب الجمهوري منه) اعتزام دراسة وإعادة نشر القوات في العراق. وهو نفس التوجه الذي سبق وأوصى به تقرير لجنة بيكر هاميلتون.
وكان البيت الأبيض حسب المصادر ذاتها قد أصيب بحالة من الذعر نتيجة قيام زعامات جمهورية كبيرة دأبت في السابق على دعم إدارة بوش، بإعلان معارضتها علناً له وعلى رأسهم السيناتور جون داونر الرئيس الأسبق للجنة القوات المسلحة، والسيناتور ريتشارد لوجار رئيس لجنة العلاقات الخارجية الأسبق بمجلس الشيوخ، والسيناتور الجمهوري تشاك هيجل ومعهم قيادات جمهورية أخرى مثل جورج فينوفيتش وبيتر دومينتشي، والذين دعوا جميعهم إلى تغيير السياسة في العراق.
وهو الموقف الذي تسبب في خشية البيت الأبيض من انضمام العديد من القيادات والزعامات الجمهورية بالكونجرس إلى هؤلاء، وقد زاد الطين بلة تسرب تقارير الأسبوع الماضي كشفت أن أعداد القوات المرتزقة بالعراق باتت أكبر من عدد القوات الأمريكية الحالية بالعراق، والتي تصل إلى 160 ألفاً وهذا يعني أن الولايات المتحدة تواجه موقفاً كارثياً حقيقياً في العراق إذ إن مجموع ما يزيد على 300 ألف جندي (مرتزقة وقوات نظامية) غير قادرة على التحكم بالأمور في البلد المحتل أو تحقيق شيء من النصر الذي مازال بوش يردد أنه سيتحقق بالعراق.
وقالت المصادر توقعوا من الآن وصاعداً أن تردد إدارة بوش شعاراً وحيداً لعنونة عملياتها بالعراق وهو محاربة القاعدة وتدريب القوات العراقية والتخلي عن مصطلحات وشعارات “الدمقرطة” و”الحرية”.
وبدا الكونجرس واعياً ومستعداً لما وصف “بتلاعب ادارة بوش السياسي”. وستشهد الأسابيع الثلاثة القادمة هيمنة مناقشة الوضع في العراق، لا سيما ان مناقشة ميزانية الدفاع ستبدأ الأسبوع الحالي في أروقة الكونجرس الذي شهد الأسبوع قبل الماضي زيارة مستشار مجلس الأمن القومي ستيفان هادلي لستة أعضاء جمهوريين بارزين بالكونجرس لتهدئة الأوضاع إلا ان تلك الزيارة باءت بالفشل حيث فضلت الزعامات الجمهورية البارزة اعلان انقلابها على بوش قبل “غرق المركب”، بغرض انقاذ ما يمكن انقاذه على المستوى الحزبي في عام الانتخابات المقبل، حيث بات هؤلاء مقتنعين بضرورة اعلام الرأي العام الأمريكي بأن بالحزب الجمهوري من يدافع عن المصالح القومية الأمريكية وليس مصالح ادارة تسببت أخطاؤها الفادحة في اتساع رقعة المعارضة للجمهوريين بشكل غير مسبوق على مستوى الرأي العام الأمريكي.
من جهتهم حذر مسؤولون عراقيون امس (الاثنين) من ان الانسحاب المبكر للقوات الأمريكية من العراق قد يؤدي إلى انزلاق البلاد في براثن حرب اهلية شاملة في اعقاب انباء عن جدل متزايد داخل البيت الابيض بشأن انسحاب تدريجي للقوات من العراق.
وحذر وزير الخارجية العراقي من “مخاطر الخروج السريع” للقوات الامريكية من بلاده، الامر الذي قد يؤدي الى “تقسيم” و”حروب اقليمية وانهيار للحكومة” وتوقع ان يكون الصيف الحالي “ساخنا”. وقال هوشيار زيباري في مؤتمر صحافي ردا على سؤال حول انسحاب امريكي محتمل “اجرينا محادثات تفصيلية وشرحنا مخاطر خروج سريع للقوات (...) ومخاطره تتفاوت بين نشوب حرب اهلية والتقسيم وحروب اقليمية وانهيار للحكومة”. اضاف “هناك ضغوط هائلة تمارس على الادارة الامريكية من قبل الكونجرس ونحن نتفهم ذلك وستزاد اكثر فاكثر والعديد من الامريكيين ينتظرون تقرير القائد العسكري الامريكي في العراق الجنرال ديفيد بيترايوس والسفير الامريكي في بغداد ريان كروكر في سبتمبر/ ايلول والذي سيكون محطة في تقييم الاوضاع”. واوضح زيباري “يجب ان يكون التقرير مصحوبا بتحقيق تقدم في اقرار مشاريع القوانين وخصوصا في ما يخص المصالحة الوطنية واعادة النظر في الدستور وفي قانون اجتثاث البعث (...) هذه كلها اهداف عراقية وليست امريكية”.
وختم قائلا ان “الفترة ستكون مهمة جدا امنيا وسياسيا (...) هناك صيف ساخن”.
وحذر سياسيون عراقيون من فراغ امني إذا انسحبت القوات الامريكية البالغ قوامها 157 ألفا قبل الاوان وقالوا ان قوات الامن العراقية غير جاهزة. وقال صادق الركابي احد كبار مستشاري رئيس الوزراء نوري المالكي ل “رويترز” “نحن في العراق ليس فقط داخل الحكومة بل وجميع الكتل السياسية الاخرى نعتقد ان بقاء القوات الامريكية ضروري للحيلولة دون تصاعد العنف او انزلاق البلاد الى حرب اهلية”. وقال عدنان الدليمي رئيس المؤتمر العام لأهل العراق إن من يسعون للانسحاب لا يدركون مدى الوضع الهش بالعراق. وأضاف أن أي انسحاب للقوات الأمريكية سواء كان جزئيا أو كليا سيؤدي لفوضى كبرى.
حنان البدري
المصدر: الخليج
إضافة تعليق جديد