تقرير أميركي رسمي يدرس خيارات الانتشار العسكري: قوات الطوارئ بديل عن التواجد الدائم والمصالح أولاً

19-09-2012

تقرير أميركي رسمي يدرس خيارات الانتشار العسكري: قوات الطوارئ بديل عن التواجد الدائم والمصالح أولاً

على مدار العام الماضي، اجتمع رؤساء هيئات الأركان المشتركة وقادة الحروب الإقليمية في أميركا ثلاث مرات. التقى هؤلاء في قاعدة عسكرية، جنوبي واشنطن، حيث توجد خريطة تجسّد العالم، مساحتها أكبر من ملعب لكرة السلة. أما الهدف من الاجتماع فكان دراسة احتياجات الجيش الأميركي خلال السنوات الخمس المقبلة.جندي أميركي خلال مناورات مشتركة مع الصين في خليج عدن، أمس. (أ ب أ)
ما نقلته صحيفة «نيويورك تايمز» يعكس «هاجساً حقيقياً» يتملك جنرالات أميركا كما إدارتها: مستقبل انتشار الجيش الأميركي حول العالم، وتحديداً في منطقة الشرق الأوسط المشتعلة. ويتضمن نقاش الانتشار الإضاءة على الأزمات الأمنية القومية المحتملة، فضلاً عن الدخول في ماهية الجيش وحجمه وقدراته خلال السنوات المقبلة.
لا يمكن إخراج هذا النقاش من سياق الاعتراف الأميركي بمرحلة انحراف يمرّ بها الجيش. هذا الاعتراف جاء على لسان رئيس الأركان المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي الذي كشف عند استلام منصبه في تشرين الأول الماضي أن الجيش الأميركي يشهد مرحلة انعطاف استراتيجي، تعيد فيه المؤسسة العسكرية اكتشاف ذاتها.
وتعقيباً على هذا الواقع، يتمثّل السؤال الملح بالنسبة لقادة أميركا اليوم في ما إذا كانت خطط الحروب في البنتاغون تحتاج إلى إعادة صياغة لتأخذ في الاعتبار مدى تأثر الجيش من حروب في العراق وأفغانستان ومن القرارات الراهنة بتخفيض الميزانية. وأكثر من ذلك، فهم يرون أن المناطق الأميركية قد تتعرض لهجمات انتقامية من الأعداء، كردّ فعل إذا دخلت واشنطن صراعاً مسلحاً خلال السنوات الخمس المقبلة. وقد تكون هذه الهجمات عبارة عن ضربة صاروخ مباشرة أو عملية إرهابية أو عن طريق الهجوم عبر شبكة الانترنت.
في هذا السياق، قدّمت مؤسسة «راند» البحثية، التابعة للقوات الجوية الأميركية، تقريراً برعاية نائب مدير التخطيط الاستراتيجي في مركز القوات الجوية، موجهاً لـ«صناع القرار في الإدارة الأميركية، والمسؤولين عن تصميم شكل الوجود العسكري الأميركي في الخارج وكذلك للمعنيين بالنقاش حول الدور المستقبلي للولايات المتحدة في الخارج».
وعلى امتداد سبعين صفحة، يحاول التقرير الإثبات أن الولايات المتحدة تحتاج إلى صياغة شكل تواجدها العسكري في الخارج لعقود عديدة مقبلة، بشكل يستجيب للبيئة الأمنية الدولية المتغيّرة ويأخذ بالاعتبار رؤية واشنطن لدورها المستقبلي حول العالم. ويشدّد التقرير على أن ذلك سيسمح للولايات المتحدة بتحقيق مصالحها الأمنية، بينما يلفت إلى أن الوحدة المختصة التي أشرفت على الدراسة قامت بوضع المواقف العالمية البديلة وعرضتها على قواعد سلاح الجو الأميركي، وقوات القتال والنقل، والأفراد في الخدمة الفعلية. ثم استخدمتها لتحديد الخيارات الاستراتيجية الحرجة التي ستواجه صناع القرار في تحديد شكل الانتشار الأميركي العسكري في الخارج.
منذ الحرب العالمية الثانية، اعتمدت الولايات المتحدة على شبكة من القواعد العسكرية والقوات لتأمين الدفاع الجماعي ضدّ الاتحاد السوفياتي، ولمكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل، فضلاً عن محاربة الإرهاب. اليوم، تغيرت البيئة العالمية. الصين تفرض نفسها في شرق آسيا، إيران تسعى وراء برنامج نووي طموح، وخلايا «القاعدة» لا تزال تشكل تهديداً للمصالح الغربية. وعلى الصعيد الداخلي، تغيّرت البيئة كذلك مع الأزمة الاقتصادية المتفاقمة والضغوط المتزايدة التي أدت إلى تقليص النفقات، ومن ضمنها الإنفاق على الدفاع.
في الواقع، لا يشكل انتشار القوات الأميركية في الخارج عامل إجماع بين صناع القرار الأميركيين، فبينما يدعو قسم منهم إلى تعزيز الوجود العسكري على الصعيد الدولي، لا سيما في كل من منطقة آسيا والمحيط الهادئ ومنطقة الشرق الأوسط مع الحفاظ على الالتزامات الدفاعية لأوروبا، يرفع القسم الآخر صوته مطالباً بعودة معظم القوات الأميركية إلى الوطن.
ما خرج عن التقرير في نهاية المطاف هو «الخيارات الاستراتيجية الحرجة التي ينبغي على صناع القرار أخذها بالاعتبار عند نقاش الانتشار العسكري الأميركي في الخارج».
أول هذه الخيارات يقضي باتخاذ أميركا قرار تقليص وجودها العسكري لدى حلفائها في أوروبا وشمال شرق آسيا، الذين يمتلكون القدرة الاقتصادية والعسكرية على ضمان أمنهم بأنفسهم. ومثل هذا الخيار يفترض أن تقلص الولايات المتحدة عدد القواعد والقوات المقاتلة في بريطانيا وألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية.
صحيح أن الوجود العسكري يتيح الردّ السريع على أي اعتداء كما يطمئن الحلفاء، إلا أن أميركا بإمكانها أن تتعامل بمرونة مع خيار المناوبة في تواجدها العسكري حيث تلجأ إلى تعزيز وجودها مع ازدياد المخاطر أو طلب الحلفاء لمزيد من الطمأنة.
وإذا كان خيار أميركا الاعتماد على حلفائها يبدو خطراً، نظراً لاعتمادهم على استراتيجيات غير عسكرية في الرد على التهديدات العسكرية أو القيود الموضوعة على ميزانياتهم الدفاعية، يمكن لواشنطن اللجوء إلى خيارات استراتيجية أخرى مع الأخذ بالاعتبار مستقبل تواجدها العسكري. الأول يناقش ما إذا حان الوقت كي تعتمد أميركا بالدرجة الأولى على القوات العسكرية المتواجدة في أميركا للرد على الصراعات العالمية. وهذا الخيار يأخذ بالحسبان أن مسألة احتواء الصين وكوريا الشمالية وإيران ستعتمد ليس على الوجود العسكري في الخارج بل على قدرات القوات الأميركية في أميركا على التدخل في حالات الأزمة. كما يتيح هذا الخيار عودة الجيش إلى أميركا وتقليص إمكانية تعرضه للهجمات الصاروخية، مع الانتباه إلى ضرورة عدم الانسحاب النهائي من القواعد العسكرية، وذلك لان إفلاتها يفقد أميركا فرصة الحصول عليها مرة أخرى في حال الأزمات.
ويخلص التقرير إلى أن ليس هناك من خيار صحيح، لكن هناك نصيحة موجهة إلى من ينخرطون في نقاش مستقبلي حول مستقبل التواجد العسكري الأميركي حول العالم بضرورة التركيز على الدور الذي ينبغي أن تلعبه القوات العسكرية في تحقيق مصالح أميركا، وبناء قراراتهم على ما تقدم من خيارات. هذا الأمر يجعل الانتشار العسكري مستقبلاً يستند الى الدرجة التي يمكن فيها تحقيق المصالح الأميركية، وليس الى أي اعتبارات أخرى، كما هو الحال اليوم.

هيفاء زعيتر

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...