حرب الخيارات بين البيت الأبيض والكرملين
الجمل: استعادت مراكز الدراسات الاستراتيجية الأمريكية توازنها بعد حالة الإرباك الكبيرة التي ألمت بها بسبب الحرب الروسية – الجورجية وبدأت تظهر بعض التحليلات والمقالات التي تتطرق إلى كيفية تعامل واشنطن وحلفائها مع الموقف الروسي الجديد.
* الإدراك الأمريكي للموقف الروسي الجديد:
انقسمت التحليلات الأمريكية عند اندلاع الحرب الجورجية – الروسية إلى أربعة فئات:
• الفئة الأولى اعتبرت أن ما قامت به موسكو يمثل في حقيقة الأمر تمرداً وعصياناً مسلحاً روسياً على الهيمنة الأمريكية.
• الفئة الثانية اكتفت بمتابعة التطورات الميدانية الجارية والاهتمام بحسابات الربح والخسارة المترتبة على الحرب.
• الفئة الثالثة: رأت بأن ما قامت به روسيا في جورجيا يمثل الرد الروسي العادل على قيام جورجيا بانتهاك الاتفاقيات السابقة المتعلقة بوضع إقليم أوسيتيا الجنوبية.
• الفئة الرابعة رأت بأن ما حدث في جورجيا هو بالأساس عملية سرية أمريكية تم تخطيطها وتنفيذها بحيث تم الإيعاز للرئيس الجورجي ساخاشفيلي ليقوم بدور المعتدي لجهة شن الهجوم ضد أوسيتيا الجنوبية ثم يقوم بدور الضحية عندما تتصدى القوات الروسية للقوات الجورجية.
برغم تعدد الفئات فإن ما هو غالب يتمثل في المنظور القائل بأن موسكو قد تمردت على مشروع الهيمنة الأمريكية.
* واشنطن وإشكالية سيناريو التعامل مع روسيا؟
برغم وضوح الإدراك الأمريكي الذي يعتبر أن مشروع الهيمنة الأمريكية قد أصبح أمراً واقعاً وبأنه يتوجب على الإدارة الأمريكية التصدي الحاسم لأي محاولة تهف إلى الخروج على هذه الهيمنة، فإن الإدارة الأمريكية أصبحت في موقف الطرف الأكثر جدة لسببين:
• إدراك الإدارة الأمريكية لاستحالة استخدام الوسائل العسكرية في المواجهة مع روسيا.
• إدراك الإدارة الأمريكية لحقيقة أن مشروع الهيمنة لم يكتمل بعد وبأن قناعات الرأي العام الأمريكي بوجود هذه الهيمنة هو أمر رسخته الوسائط الإعلامية الأمريكية.
بكلمات أخرى، تدرك أمريكا أن مخاطر المواجهة مع روسيا تفوق الفرص التي يمكن الحصول عليها من الاتفاق مع روسيا.
تطرقت التقارير والتسريبات الصادرة اليوم من العاصمة الأمريكية إلى اندلاع مواجهة بين وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والبيت الأبيض الأمريكية بسبب تقرير المخابرات الأمريكية المتعلق بتخمين الحرب الروسية – الجورجية وقد اتهم البيت الأبيض بتبني سياسة خارجية فاشلة إزاء روسيا وحمّل التقرير وزارة الخارجية الأمريكية ومجلس الأمن القومي الأمريكية والبيت الأبيض المسؤولية عن ما حدث في جورجيا وتقول التسريبات بأن تقرير المخابرات قد طالب بوضوح بضرورة صياغة سياسة خارجية أمريكية إزاء روسيا تقوم على أساس اعتبارات أولوية حماية المصالح الأمريكية في القوقاز وآسيا الوسطى وشرق أوروبا ودول البلقان والبلطيق بإعطاء الأولوية للوسائل العسكرية – الأمنية بدلاً عن الوسائل السياسية – الدبلوماسية.
* اللعبة الجديدة على خط موسكو – واشنطن:
تحاول واشنطن إدارة أزمة جورجيا لجهة الحصول على نتيجة رابح – خاسر وفقاً للسيناريو الآتي:
• استغلال فرصة العملية العسكرية الروسي في جورجيا من أجل إحراز التقدم في تنفيذ شبكة الدفاع الصاروخي الأمريكية.
• الضغط على موسكو من أجل الانسحاب الكامل من جورجيا.
وفي حالة حدوث هاتين النتيجتين تكون واشنطن قد حصلت على المزيد من النقاط فيما تكون موسكو لم تحصل على شيء وفي حالة انسحابها واعترافها بالأقاليم الجورجية وتكون واشنطن قد عززت موقف حلفائها في جورجيا وأوكرانيا ومولدافيا. وبالمقابل للسيناريو الأمريكي فإن موسكو تتبنى سيناريو خاسر – رابح وفقاً الآتي:
• إبقاء القوات الروسية بطريقة أو بأخرى في المناطق الجورجية.
• الالتفاف على بنود خطة ساركوزي.
• تهديد الممرات النفطية الاستراتيجية في المنطقة.
• وضع أمريكا أمام خيارين:
- إما الاعتراف الدول ي باستقلال الأقاليم الجورجية جنباً إلى جنب مع الاعتراف باستقلال كوسوفو.
- أو سحب اعتراف الأمريكي بإقليم كوسوفو بما يترتب عليه سحب روسيا لاعترافها بالأقاليم الجورجية.
من الواضح أن لجوء أمريكا إلى خيار الاعتراف الدولي بإقليم كوسوفو والأقاليم الجورجية سيؤدي إلى خسارتها لحليفها الجورجي، وسحب الاعتراف باستقلال كوسوفو سيؤدي إلى تعزيز موقف روسيا في مناطق البلقان والقوقاز والبلطيق لأن حكومات هذه البلدان سو ف تفهم أن الاعتماد على أمريكا لن يجدي نفعاً طالما أن موسكو تملك حق الفيتو في كسر الإرادة الأمريكية.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد