دبلوماسية خط دمشق – بيروت في مرحلة ما بعد اتفاق الدوحة
الجمل: تشير قواعد النظام الدولي على أن العلاقات الثنائية شأن يخص البلدين، أي بلدين، طالما أن مضمون ومحتوى هذه العلاقات لا يشكل تهديداً لمبادئ وأسس سلامة الأمن والسلام الدولي..
* العلاقات السورية – اللبنانية: نظرية المؤامرة:
لا يوجد بلدان في منطقة الشرق الأوسط يتميزان بمقومات التكامل والتعايش المشترك والمصير الواحد سوى سوريا ولبنان، وذلك لأن كل المحددات الجيوبوليتكية المتعلقة بالجوار السوري – اللبناني تؤكد هذه الحقيقة، إضافةً إلى أن معطيات خبرة آلف السنين تشير إلى أن البلدين كانا شيئاً واحداً.
تشير سردية التوتر في العلاقات السورية – اللبنانية إلى العديد من الوقائع والأحداث التي دفعت باتجاه تحويل العلاقات الثنائية من نموذج التعاون والتكامل إلى نموذج الصراع الذي كاد يفضي إلى ما هو أسوء. وأبرز المعطيات السلبية التأثير على العلاقات السورية – اللبنانية يتمثل في الآتي:
• الجوار السوري – اللبناني مع إسرائيل التي تمثل بؤرة الأزمة في منطقة الشرق الأوسط.
• انتقال عدوى الصراعات والأزمات.
• تدخل الأطراف الثالثة في المنطقة.
• تغيير موازين القوى في المنطقة.
• مفاعيل جذور الأزمة اللبنانية وعلى وجه الخصوص احتقانات العنف الهيكلي الكامنة في النظام السياسي وهياكل الدولة اللبنانية التي ظلت تتعرض للتجاذبات بين الأطراف والنخب اللبنانية المتنافسة لجهة السيطرة على السلطة والثروة.
* جدول أعمال سوريا – لبنان بعد زيارة الرئيس ميشال سليمان:
على الجانب السوري كانت الأجواء أكث انفتاحاً للزيارة ولكن على الجانب اللبناني كانت هناك الكثير من العراقيل وذلك بسبب محاولات بعض الأطراف اللبنانية التي تقوم بدور البروكسي السياسي لمحور واشنطن – تل أبيب السعي حثيثاً من أجل إفشال الزيارة أو على الأقل إفراغها منن المضمون والمحتوى ويبدو ذلك بوضوح في الخلافات التي صاحبت إعداد البيان الحكومي لحكومة ما بعد اتفاق الدوحة الذي تم بمساعدة سوريا. الملامح البارزة لمحتوى ومضمون الزيارة تمثلت في الآتي:
• لقاء قمة بين الرئيسين الأسد وسليمان.
• التفاهم حول تفعيل علاقات التكامل الثنائي السوري – اللبناني.
• التأكيد على أهمية اتفاق الدوحة.
• توزيع المهام المتعلقة بأجندة العلاقات الثنائية على النحو الآتي:
- أن تقوم رئاسة الجمهورية في كل بلد بالاهتمام بأمر الملفات الكبرى السورية – اللبنانية.
- أن يقوم مجلس الوزراء في البلدين بالاهتمام بأمر الملفات التنفيذية.
• إقامة علاقات دبلوماسية سورية – لبنانية على مستوى السفراء.
• استئناف أعمال اللجنة السورية – اللبنانية المعنية بأمر ترسيم الحدود.
• العمل المشترك لجهة ضبط الحدود ومكافحة التهريب.
• تفعيل أعمال اللجنة المشتركة المعنية بأمر المفقودين.
• مراجعة الاتفاقيات الثنائية السورية – اللبنانية.
* توازن القوى السوري – اللبناني: إشكالية الضبط والسيطرة:
تخضع العلاقات الثنائية بين أي بلدين لعملية المعايرة والضبط وفقاً لشكل توازن القوى السائد بينهما وعلى ما يبدو فإن توازن القوى السوري – اللبناني ظل يشكل الخلفية الرئيسية المؤثرة في تفعيل العلاقات الثنائية التي ظلت مؤشراتها تتأرجح بين التوتر والتعاون كلما تأرجحت مؤشرات هذا التوازن.
* الخصائص الجيوبوليتكية لتوازن القوى السوري – اللبناني:
• البعد الهيكلي – البنائي: تتميز سويا بالمساحة الكبيرة وعدد السكان الكبير والاقتصاد الأكبر إضافةً إلى وفرة الموارد وتعدد الجوار الإقليمي بعكس لبنان الذي يتميز بمساحة صغيرة وعدد سكان قليل وموارد قليلة ومحدودية الجوار الإقليمي.
• البعد القيمي – الإدراكي: يتميز النظام السياسي السوري بوحدة الهدف والتوجهات الاستراتيجي الميدانية الثابتة إزاء التعامل مع الآخر على أساس منظومة قيمية تقوم على المطالبة بالحقوق والسلام العادل في المنطقة وذلك بعكس النظام السياسي اللبناني الذي يتضمن العديد من القوى السياسية المتنافرة قيمياً وإدراكياً بحيث نجد البعض يتبنى مفهوم السلام السوري والبعض الآخر أكثر ميلاً إلى مفهوم السلام الإسرائيلي – الأمريكي القائم على المناورة وعمليات الالتفاف.
• البعد التفاعلي – السلوكي: يتضمن الجانب السلوكي التفاعلي الكثير من محفزات الخلاف والتوتر التي كانت بسبب:
- الخلافات اللبنانية – اللبنانية لجهة العلاقات مع سوريا.
- ارتباط بعض الأطراف اللبنانية بالأطراف الثالثة الخارجية.
- الطبيعة المتوترة للبيئة السياسية الشرق أوسطية.
وما هو أكثر أهمية من بين هذه الأسباب الديناميكية المحفزة لارتباط بعض الأطراف اللبنانية بالأطراف الثالثة ومدى السهولة التي انقادت فيها في تسويق العداء لسوريا.
* ما بعد قمة دمشق: أجندة تأطير وإعادة تأطير العلاقة:
انعقدت قمة دمشق السورية – اللبنانية وعلى خلفية القمة فقد اتضحت المعالم الرئيسية لجدول أعما لخط دمشق – بيروت وعلى خلفية تحليل هذه الملامح يمكن قراءة الرسائل الآتية:
• أوضح بيان القمة المفاهيم الأساسية التي ستستند إليها أجندة العلاقات الثنائية.
• تقديم الأطر الدبلوماسية التي سيتم التعاون من خلالها.
تشير معطيات العلوم السياسية وعلى وجه الخصوص ذلك الجزء المتعلق بحقل السياسة الخارجية إلى أن نشوء التوتر في العلاقات السياسية يمكن القضاء عليه عن طريق عملية التهدئة والتسوية والتفاوض والوصول إلى الحلول المشتركة. والعلاقات السورية – اللبنانية على أساس اعتبارات دبلوماسية المسار الثاني لم تكن متوفرة بسبب التواصل الاجتماعي السوري – اللبناني القائم على خصوصية مجتمع سوريا بمعناه الكبير، ولكن على مستوى دبلوماسية المسار الأول الرسمي فقد كانت علاقات البلدين في حالة توتر بفعل تأثيرات عملية تسويق العداء لسوريا داخل الساحة اللبنانية والتي راهنت عليها بعض القوى اللبنانية باعتبارها يمكن أن تكون وسيلة مجدية لتحقيق المصالح والمنافع السياسية ولكن برغم المهارة التكتيكية العالية التي استخدمتها الأطراف فقد ظلت الثوابت الميدانية موجودة بقوة داخل المجتمع اللبناني الذي لم ينقاد طويلاً وراء هذه العملية.
دبلوماسية خط دمشق – بيروت في مرحلة ما بع اتفاق الدوحة وما بعد قمة دمشق تندرج حتى الآن ضمن حقل الدبلوماسية الوقائية التي يمكن أن تتغلغل إلى مرحلة الدبلوماسية العلاجية التي تضع حداً للرهانات الفاشلة وعلى وجه الخصوص رهانات تسويق العداء لدمشق داخل أسواق السياسة اللبنانية والتفاؤلات لجهة الوصول إلى الدبلوماسية العلاجية ستكون أكثر فأكثر خلال الفترة القادمة إذا خلصت النوايا وتقلصت الرهانات السالبة وركز الذين كانوا يطالبون في بيروت بإقامة العلاقات الدبلوماسية على احترام هذه العلاقات بعد قمة دمشق الأخيرة التي أكدت على إقامة هذه العلاقات قولاً وفعلاً.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد