شبح العدوى اليونانية يعود إلى أوروبا وأميركا لم تنج بعد من مأزق الديون
عاد شبح العدوى اليونانية إلى أوروبا أمس، بعد 15 يوماً من إعلان إجراءات أوروبية كان من المفترض بها أن تدرأ هذه العودة. فمع وصول تكلفة الاستدانة في الأسواق لإيطاليا وإسبانيا إلى مستويات قياسية خلال 14 عاما، أقرّ الاتحاد الأوروبي بأن الأسواق في شكّ ازاء قدرة اوروبا على إنهاء أزمة الديون. من جهته، لم ينج المخرج الاميركي من ازمة سقف الدين، في إنهاء التهديد المحدق بالاقتصاد الأميركي، حسبما أشارت أمس، وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني عبر قيامها بخفض توقعاتها لعلامة «ايه ايه ايه» التي تمنحها لواشنطن من «مستقرة» إلى «سلبية»، مشككة بفعالية إجراءات «الانضباط المالي» الاميركية.
وفيما وصلت نسبة التكلفة التي تطلبها الأسواق مقابل شراء الدين الإيطالي على مدى 10 سنوات، إلى 6.10 في المئة، و6.27 في المئة لإسبانيا، بمستوى لم يشهده البلدان منذ 14 عاماً، قال رئيس
المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروسو «في الحقيقة، التوتر في سوق السندات يعكس قلقاً متنامياً بين المستثمرين ازاء القدرة النظمية لدى منطقة اليورو على التجاوب مع الازمة المتقدمة». وحثّ دول الاتحاد الأوروبي على تسريع عملية موافقة مجالسها النيابية المختلفة على إجراءات اوروبية تم التوافق حولها في قمة في 21 تموز الماضي في بروكسل.
من جهته، حاول رئيس الوزراء الايطالي سلفيو برلوسكوني طمأنة مواطنيه، وقال «بلادنا لديها نظام سياسي متين...لدينا أساسيات اقتصادية متينة». وأضاف إن «الأسواق لم تعكس، ولا زالت لا تعكس أهمية التدخل الأوروبي الذي تمّ. لذا من الضروري تقديم يقين للأسواق». وتوجه وزير المال الايطالي جوليو تريمونتي الى لوكسمبورغ للقاء رئيس وزراء مال منطقة اليورو جان كلود يونكر. وبعد لقاء استمر ساعتين، دعا يونكر الى مواصلة التفكير في ازمة الديون «بهدوء». وقال يونكر «اجرينا محادثات طويلة واستعرضنا كل المشاكل التي تواجهها منطقة اليورو»، موضحاً انه قرر الذهاب في عطلة صيفية الاحد المقبل كما كان مقرراً.
بدا اللقاء، الذي تقرر على عجل، اشبه باجتماع ازمة بينما شهدت ايطاليا وكذلك اسبانيا ارتفاع معدلات تمويلهما من الاسواق الى مستويات لا سابق لها ويصعب تثبيتها. وحجم ايطاليا وحدها اكبر بمرتين من ثلاث دول انقذت من الافلاس حتى الآن، اي اليونان وايرلندا والبرتغال. وسقوطها يهدد منطقة اليورو برمتها. ومن العوامل التي تزيد الامر خطورة هو ان لا شيء يبدو معداً في العطلة الصيفية لمنع انتقال ازمة الدين الى بلد جديد في منطقة اليورو.
وكانت المفوضية الاوروبية استبعدت مناقشة اي خطة لإنقاذ ايطاليا او اسبانيا، مع العلم ان الادوات التي حددت خلال قمة منطقة اليورو في 21 تموز الماضي لم تر النور بعد. ومثال على ذلك، لم يطبق بعد شراء الصندوق الاوروبي للاستقرار المالي للديون في السوق الثانوية (حيث يتم تبادل الاسهم المتداولة) بينما يرفض البنك المركزي الاوروبي الجهة الوحيدة التي يمكنها التدخل في الاسواق بهذا الشكل، ان يفعل ذلك. كما انه لم يقم بشراء اي ديون للدول الهشة منذ اربعة اشهر على الاقل. وهناك مشكلة اخرى هي ان حجم الصندوق لا يتجاوز 750 مليار يورو مع ضمانة قـــروض فعلية تبلغ 440 مليار يورو، كــــما يقـــول المحللون. وهذا لا يبدو كافياً في حال احتاجت مدريد او روما لمساعدة.
أما رئيس الوزراء خوسيه لويس ثاباتيرو فأجل عطلته الصيفية، وعقد اجتماعا مع وزيرة الاقتصاد ايلينا سالغادو «لتحليل التقلبات الاخيرة في اسواق المال». كما اجرى محادثات هاتفية مع باروزو.
وفيما قال رئيس الوزراء الفنلندي ييركي كاتاينين عن ارتفاع تكلفة الاستدانة «هذا شيء مقلق ومخيف جداً. اوروبا بأسرها في موقف خطر جداً»، قال وزير الاقتصاد الألماني فيليب رويسلر إن مجلس الوزراء الألماني لم يناقش في الاجتماع الذي ترأسه نيابة عن المستشارة انجلا ميركل التي تقضي عطلتها الصيفية خارج البلاد، قضيتي اسبانيا وإيطاليا. وقال متحدث باسم الحكومة الألمانية إن برلين لا ترى أي سبب للقلق ازاء حركة بيع السندات الايطالية على الأسواق، بل تركز على تطبيق الاجراءات التي اتخذت خلال القمة الأوروبية الأخيرة. ولا يمكن للصندوق الاوروبي استخدام السلطات الجديدة التي منحتها إياه القمة، قبل إقرار البرلمانات الأوروبية لهذه الاجراءات، ما هو غير متوقع قبل اواخر أيلول المقبل على أقل تقدير.
وقد تعرضت المصارف الأوروبية الحاملة لديون الدول العاجزة، إلى خسائر كبيرة في الأسواق، وخاصة مصرف «سوسييتيه جنرال» ثاني أكبر مصرف فرنسي بعد أن خفض محفظته من الديون اليونانية بمقدار 395 مليون يورو، وتوقع تحقيق أرباح للربع الحالي دون مستوى التوقعات. وتراجع سعر أسهم المصرف بنسبة 10 في المئة.
...وفي أميركا
من جهته قال الرئيس الأميركي باراك اوباما للصحافيين خلال اجتماع إدارته في البيت الأبيض إن أزمة رفع سقف الدين الأميركي كان لها تأثير سلبي غير ضروري على الاقتصاد الأميركي. كما أشار إلى أن الحكومة قد تخسر مليار دولار إضافية نتيجة جمود في الكونغرس حول قضية الطيران الفدرالي الأميركي، وحثّ النواب على التعجيل في حلّ هذه القضية.
وخفضت وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني توقعاتها لعلامة الدين السيادي الأميركي من «مستقرة» الى «سلبية»، رغم أنها ابقتها بمستوى «ايه ايه ايه» وهي العلامة القصوى. ورفعت «موديز» مخاطر ان يخسر هذا البلد علامته في حال «تراجع الانضباط المالي في السنة المقبلة» او «تدهور الاوضاع الاقتصادية بشكل كبير». وأوضحت الوكالة ان التدابير التي تم اقرارها لن تكون حكما كافية لتحسين وضع المالية العامة الاميركية. ورأت انه «حتى لو ان تشكيل لجنة برلمانية تضافر مع اجراءات تلقائية لإنتاج آلية تفرض انضباطاً مالياً، فإن هذا الاطار موضع تشكيك. فمحاولات فرض قواعد في الميزانية في الماضي لم تقاوم على الدوام اختبار الوقت».
وتابعت الوكالة قائلة إنه «سيترتب على الارجح اتخاذ تدابير اضافية لضمان بقاء مسار الميزانية على المدى البعيد متناسباً مع علامة «ايه ايه ايه» مشيرة الى «خلافات سياسية واسعة في وجهات النظر» في الجدل القائم في واشنطن. وأضافت «ثالثاً إن تخفيض معدلات النمو الاقتصادي مؤخرا ونسبة النمو الضعيفة جدا في النصف الاول من عام 2011 يعيدان النظر في متانة طاقات النمو خلال السنة المقبلة او السنتين المقبلتين».
وسيقرر محللو وكالات «ستاندارد اند بورز» و«موديز» و«فيتش» في الايام او الاسابيع المقبلة على ضوء الاجراءات التي اقرها الكونغرس، ما اذا كانت الولايات المتحدة لا تزال تستحق البقاء بين المقترضين الاكثر مصداقية في العالم. وأعلنت «ستاندارد اند بورز» و«موديز» انهما تعتزمان ايضا تخفيض العلامة الممنوحة لسندات الدين المضمونة من الولايات المتحدة والصادرة عن اسرائيل ومصر.
أما الصين الدائن الأكبر لأميركا، فأبدت موقفاً صارماً حيال الاعلان عن اقرار الكونغرس الاميركي خطة تجنب البلاد التعثر في تسديد مستحقاتها، معتبرة انها فشلت في نزع فتيل «قنبلة ديونها» ومؤكدة عزمها على الحد من اعتمادها على الدولار في احتياطاتها الهائلة من العملات الاجنبية. وترافق هذا الموقف مع تخفيض وكالة التصنيف الائتماني الصينية «داغونغ» علامة الدين السيادي الاميركي.
وكتبت صحيفة «الشعب» الناطقة باسم الحزب الشيوعي «حتى لو ان الولايات المتحدة تفادت بشكل اساسي التعثر في السداد، الا ان مشاكل دينها السيادي تبقى بدون حل». كما انتقد التلفزيون الصيني من جهته الاتفاق الذي تم التوصل اليه في اللحظة الاخيرة بين اوباما والكونغرس معتبرا انه «استعراض سياسي يثير ضجة اعلامية اكثر مما هو اتفاق على الجوهر».
ونتيجة هذه المخاوف المتواصلة ازاء الدين الأميركي، هبط سعر النفط في الأسواق إلى أدنى مستوياته منذ 5 أسابيع، كما تراجع سعر صرف الدولار مقابل معظم العملات الأساسية الأخرى. وارتفعت قيمة اليورو من 1.4201 دولار إلى 1.43 دولار خلال جلسات التداول الصباحية في بورصة نيويورك. ونتيجة توجه المستثمرين إلى القيم الآمنة، ما أدى إلى ارتفاع متواصل منذ أسابيع لسعر صــــرف الفرنك السويسري أعـــلنت الحكومة السويسرية أنها ستتـــخذ اجراءات للتحكم بسعر عملتها.
المصدر: وكالات
إضافة تعليق جديد