عراق ما بعد صدام
قبل صدور حكم الإعدام بحقه، كان صدام حسين قد أصبح أحد التفاصيل التاريخية في حياة العراق.
كان تفصيلا كبيرا ومهما، إلاّ أنّه كان جزءا من ماضي العراق أكثر مما هو جزء من مستقبله.
وببساطة، فإن إدانة صدام والحكم عليه قد عمقا المشاعر تجاهه والتي كانت بالأصل موجودة.
- وتأكدت ظنون أولئك الذين اعتقدوا بأن صدام كان وحشا جلب مصيبة للبلاد.
وكذلك كان أيضا موقف أولئك الذين نظروا إلى عهده بشيء من الحنين وكفترة كان فيه العراق ينعم بالاستقرار وكانت الشوارع ترفل بالأمن طالما كان الشخص من أنصار العهد.
وتتواصل معاناة الشعب العراقي الذي عاني الويلات في ظل حكم صدام.
- وتبقى القضية الأكثر إلحاحا هي ما ستفعله الولايات المتحدة الأمريكية في المرحلة اللاحقة، باعتبارها الدولة التي تتحمل المسؤولية الأكبر عن المأساة الحاصلة في العراق.
ترى هل بمقدور أمريكا أن تجعل الأمور أفضل في العراق؟ أم هل تستطيع أن تجعلها أكثر سوءا؟ الجواب على التساؤل الأول هو بكلمة "ربما"، أما جواب السؤال الثاني فهو "بالتأكيد".
والنقطة التي تحظى بموافقة الجميع في واشنطن بشأن الوضع في العراق هي أنه سيء. حتى الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش نفسه يقول الآن "إننا لا نكسب ولا نخسر" في العراق.
وقد وعد الرئيس بوش أن يتخذ في العام الجديد قرارات بشأن ما ستقوم به بلاده في العراق في المرحلة التالية.
يبدو أن بوش لن يأخذ بنصيحة تضمنها تقرير أعدته مجموعة نخبة خبراء السياسة الخارجية الأمريكية بقيادة وزير الخارجية السابق جيمس بيكر وعضو الكونغرس الديمقراطي السابق لي هاملتون.
كان السطر الأول في التقرير بليغا وأكثر دقة من وصف الرئيس بوش، إذ جاء فيه: "إن الوضع في العراق مميت ومتدهور".
لقد بدا تقرير بيكر-هاملتون للوهلة الأولى وكأنه يقدم مخرجا للأمريكيين.
- أوصى التقرير بتحويل المهمة القتالية للقوات الأمريكية في العراق إلى مهمة لتدريب العراقيين، كما طلب بإطلاق مبادرة دبلوماسية تؤدي إلى إشراك كل دول المنطقة.
إلا أن التقرير كان أيضا مؤدبا، ولكنه في الوقت ذاته كان إدانة حازمة للسياسة الخارجية لإدارة بوش الموجهة إيديولوجيا.
وحتى قبل أسبوع واحد من عيد الميلاد بدا وكأن ابتلاع التقرير سيكون أمرا أصعب من أن يقوى عليه البيت الأبيض. فكان هناك حديث حتى عن إرسال المزيد من القوات إلى العراق.
وما رشح أيضا بجلاء أكثر بكثير مع نهاية العام 2006 هو حجم القتال في العراق ومحاولة جر دول الجوار إلى الانخراط فيه.
السعوديون كانوا قلقين للغاية بشأن أثر غزو العراق عام 2003 بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية حتى قبل وقوعه، وقد تعمق هذا الشعور لديهم الآن.
وقد أشار عدد من التقارير التي صدرت حديثا إلى أنه في حال قررت أمريكا الخروج من العراق، فإن السعودية ستتدخل في البلاد لحماية الأقلية السنية التي تربطهم بها صلات دينية وقبلية متينة.
وقد يكون هذا هو العامل الذي يدفع بالأمريكيين إلى البقاء في البلاد.
- فالسعوديون في الواقع واعون للكيفية التي تخرج منها إيران، حتى الآن، كرابح أكبر من غزو واحتلال العراق.
فبفضل جهود أمريكا، أصبح لدى إيران الشيعية حلفاء مسلمون شيعة يشغلون أرفع المناصب في الحكومة والجيش العراقيين.
والعراق اليوم يشكل مصدرا رئيسيا لعدم الاستقرار.
لقد رمى غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية صخرة كبيرة في بركة مياه الشرق الأوسط. وهذه الصخرة ولّدت أمواجا وليس تموجات بسيطة، ستظل تضرب المنطقة إلى وقت طويل بعد موت ودفن صدام.
المصدر: BBC
إضافة تعليق جديد