عوامل تقصّر العمر
إطالة الأعمار كانت ولا تزال من أهم علامات الاستفهام الكبرى في حياة الإنسان. وهي تعد الشغل الشاغل للكثير من المختبرات البيولوجية في العالم من أجل فهم وفك الأسرار التي تساهم، في شكل أو في آخر، في إطالة العمر.
وإذا كان العلماء يصبّون جل اهتمامهم على العوامل التي تساعد في إطالة العمر، فإن آخرين يعملون على جانب آخر هو رصد العوامل التي تساهم في تقصير العمر. وفي السطور الآتية عرض لهذه العوامل:
1- التدخين. كثيرة الدراسات التي ربطت بين التدخين وقصر العمر، وعلى هذا الصعيد نبهت دراسة تشيخية حديثة إلى أن كل سيجارة تقصر العمر 5 دقائق، وإلى أن نصف المدخنين ينتقلون إلى العالم الآخر بسبب التدخين.
وسبق لدراسة بريطانية قام بها باحثون من جامعة بريستول أن أفادت بأن أعمار المدخنين تقل بنحو 6 أعوام مقارنة بغيرهم من غير المدخنين. في المقابل، أفادت دراسة فرنسية بأن المدخنين يخسرون حتى سبع سنوات من أعمارهم.
2- المبالغة في أكل الحلويات. إن الإكثار من تناول السكريات السريعة الامتصاص يدفع إلى تقصير العمر نظراً الى ما تحدثه هذه السكاكر من بلبلة على صعيد العمليات الاستقلابية في الخلايا تساهم في إرهاق كل أجهزة الجسم. صحيح أن خلايا الجسم تحتاج إلى سكر الغلوكوز البسيط، ولكن استهلاكه بكميات كبيرة أمر غير صحي كونه يعجّل في توغل الشخص في الشيخوخة. لذا يجب أن نضع في المخيلة أنه كلما قللنا من استهلاك السكر استطاعت أعضاؤنا الحفاظ على صحتها والقيام بمهماتها على أفضل ما يرام.
وغني عن التعريف ان مرضى السكري يتوفون في سن مبكرة مقارنة بالأصحاء بغض النظر عن عوامل السن والجنس ورغد العيش. وانخفاض متوسط العمر يكون أكثر وضوحاً لدى المصابين بالسكري - النوع الأول المعتمد على الأنسولين نسبة الى السكري - النوع الثاني غير المعتمد على الأنسولين.
3- البدانة. إن السمنة تقصر العمر سنوات عدة، ولا غرابة في هذا لأن زيادة الوزن تؤدي إلى تكدس الشحم في الخلايا الدهنية فتنتج هذه هورمونات تساهم في رفع خطر التعرض للسكري، كما أنها تنتج مركبات السيتوكينات التي تؤهب للإصابة بالكثير من الأمراض مثل تصلب الشرايين والأمراض القلبية الوعائية وغيرها، وهي أمراض تنال من كفاءة أعضاء الجسم، وبالتالي تقصر العمر.
وفي دراسة تحليلية حديثة نشرت في مجلة «لانسيت» الطبية وتناولت 57 بحثاً علمياً وشملت قرابة 900 ألف شخص، تبين أن البدانة قد تقصر عمر المصابين من عامين إلى أربعة أعوام في المتوسط، وقد تصل المدة حتى 8 الى 10 سنوات في حال البدانة المفرطة. والبدين هو الشخص الذي يزيد وزنه بنسبة 20 في المئة عن الوزن الصحي للجسم.
4- الكسل. إذا صدقنا نتائج دراسة صينية، فإن مضار الكسل تفوق مضار التدخين، وأن من يموتون باكراً بسببه أكثر بكثير ممن يلاقون حتفهم بفعل النيكوتين. وبحسب خبراء صحة أميركيين، فإن الكسل يعجّل في الرحيل لأنه يقف وراء حزمة من الأمراض القاتلة، خصوصاً القلبية الوعائية وارتفاع ضغط الدم.
5- قلة النوم. إن قلة النوم المزمنة تقود إلى مجموعة من المشاكل الصحية، خصوصاً القلبية التي تقود إلى اختزال عمر الإنسان. وبحسب دراسة بريطانية، فإن قلة النوم تضر بالنساء أكثر من الرجال. فالنوم لمدة كافية تراوح من 7 إلى 8 ساعات يومياً يعتبر حاجة فيزيولوجية وحياتية لا مفر منها للتمتع بصحة جيدة.
6- التلوث. إن معطيات الدراسات والأبحاث المتوافرة حول تأثير التلوث في الصحة العامة، تفيد بأنه العامل الأكبر في التأثير سلباً في متوسط الأعمار في المدن المكتظة. من هنا، فإن سكان المدن يموتون مبكراً مقارنة بنظرائهم سكان الريف. وبحسب دراسة نشرتها جامعة هارفرد، فإن الملوثات التي تطير في الجو والتي يقل قطرها عن 10 ميكرومتر تعد خطراً على الصحة العامة، والأخطر بين الملوثات هي الجزيئات التي يقل قطرها عن 2.5 ميكرومتر، والتي غالباً ما تتناثر من عوادم السيارات.
7- الإكثار من أكل اللحم. إن النباتيين يعيشون فترة أطول من آكلي اللحوم، وهذا أمر معروف منذ أمد بعيد. ولعل أكبر دليل نسوقه في هذا المجال نتائج دراسة صدرت عن جامعة أكسفورد البريطانية، أشارت إلى أن تناول الكثير من اللحوم يقلل العمر ويسبب الموت المفاجئ. ولفتت الدراسة إلى أن الأشد خطورة في الأمر هو تناول اللحوم المعالجة مثل البرغر والسجق والقديد وغيرها لأن مستويات الملح والشحم فيها عالية جداً.
وفي شكل عام، فإن الإسراف في الطعام خصوصاً الكثير الدهون منه يلحق ضرراً شديداً بالصحة ويقلل سنوات العمر.
8- مشاهدة التلفزيون لوقت طويل. إن مشاهدة الشاشة الفضية لمدة طويلة تشكل خطراً حتى على الأصحاء وتتسبب في تقصير العمر، وفي هذا الصدد أفادت دراسة أعدّها مجلس البحوث البريطاني بأن كل ساعة يقضيها المرء أمام الشاشة الصغيرة ترفع خطر الإصابة بأمراض القلب بنسبة 7 في المئة. وأكدت الدكتورة كاترين وجينديالي التي شاركت في الدراسة أن الإنسان غير مصمم للجلوس ساعات طويلة. وفي أحدث دراسة نشرتها المجلة الأميركية للطب الوبائي استغرق إعدادها 13 عاماً وضمت أكثر من 123 ألف شخص بينت ان الجلوس لفترات طويلة أمام التلفاز يزيد خطر التعرض للسمنة والأمراض القلبية الوعائية وغيرها من الأمراض التي تهدر الصحة وتقصر العمر.
9- العيش مع الحماة. في دراسة يابانية فريدة من نوعها أجريت بين 1999 و 2004 وشملت عدداً كبيراً من النساء اتضح أن المرأة التي تعيش مع حماتها تحت سقف واحد تتعرض لضغوط نفسية كبيرة تزيد من احتمال إصابتها بأمراض القلب وارتفاع الضغط، الأمر الذي يقصّر حياتها.
10- التشاؤم. إن الأشخاص المتشائمين الذين يندبون حظهم وينظرون دوماً الى النصف الفارغ من الكأس يعيشون عمراً أقصر من غيرهم ممن يتحلون بنعمة التفاؤل والذين ينظرون باستمرار إلى النصف الملآن من الكأس، فالتشاؤم يقود إلى نقص في إفراز هورمونات السعادة، في حين أنها تطفو في اللحظات التي يشعر فيها الإنسان بالتفاؤل، من هنا يجب مواجهة الهموم اليومية بإيجابية لأنها تضيف سنوات أخرى إلى العمر، في حين أن مواجهتها بسلبية تساهم في قضم سنوات العمر. عدا عن ذلك، فإن المتشائمين يميلون عادة إلى إهمال صحتهم.
تبقى هناك نقطة قد يستغربها بعضهم ولكنها ما زالت محل أخذ ورد، وهي أن تناول الفيتامينات الصناعية كأقراص إضافية يومياً من شأنه أن يقصر العمر، أو هذا على الأقل ما تمخضت عنه دراسة لباحثين من جامعة كوبنهاغن بعد جردة علمية شملت عشرات الأبحاث الطبية، والنتيجة التي خلص إليها البحاثة أفادت بأن مدة الحياة تقلصت عند من أخذ البيتا-كاروتين والفيتامين أ والفيتامين ي، أما السر فعزاه العلماء إلى حدوث خلل في النظام المناعي الطبيعي للجسم.
وفي دراسة بريطانية تعد الأكبر من نوعها، تبين أن تناول الشخص الفيتامينات والمكملات الغذائية كضمان لبقائه في صحة جيدة وكي يعيش لفترة أطول، إنما يعتبر هدراً للوقت ومضيعة للمال، إذ ليس هناك من منفعة ترجى من استهلاك الفيتامينات والمكملات بهدف الوقاية من الأمراض، وعلى رغم تحذير الوكالات الغذائية والصحية من تناولها كبديل للنظام الغذائي الصحي، فإن الناس يقبلون على شرائها.
د. أنور نعمة
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد