لماذا نشيخ؟ ... الجدل العلمي يتجدد
تُطرح على طاولة البحث من جديد النظرية العلمية القائلة بأن الأكسدة Oxidative Stress هي السبب في شيخوخة الخلايا، النقاش الجديد سلّطت عليه مجلّة ScienceDaily الضوء في عددها الأخير، ولفتت إلى بحث أجرته مجموعة من العلماء في جامعة ماك جيل ونشرته مجلّة PloS Genetics العلمية. منذ أربعين عاماً، سيطرت في الأوساط العلمية، نظرية مفادها أن أسباب الشيخوخة وهرم الخلايا تعود إلى عملية الأكسدة، أي إلى تأثير الجذور الحرّة free radicals وأيونات الأوكسجين oxygen ions والبيروكسيدات peroxides التي، حين تستقرّ في الخلايا، تعطّل قدرة هذه الأخيرة على معالجة الأذى الذي يلحق بها من جراء مفعول هذه العناصر وغيرها فتشيخ الخلايا، ونشيخ نحن معها. وقد قامت صناعة كيميائية تجميلية وغذائية كاملة تعتمد على هذه النظرية من أجل محاربة عوامل الشيخوخة، أي محاربة الأكسدة وعواملها وأدواتها. وكان من نتاج ذلك، المواد المختلفة التي نستخدمها كمراهم ومكمّلات غذائية وسواها والتي تحتوي في تركيبتها على مجموعة من مضادات الأكسدة anti- oxydants مثل الفيتامين E ومادة CoQ10 وغيرها.
لكن الدراسات السريرية والعينية الجديدة أظهرت ضعف فعالية هذا الأسلوب رغم مرور سنوات على اعتماده. ما توصّل إليه الباحثون في جامعة ماك جيل أظهر أن بعض الأجسام organisms تحافظ على حياة أطول حين تكون قدرتها على تنظيف نفسها من عناصر الأكسدة أضعف أو معطّلة جزئيّاً. إن الجزئيات الناتجة من هذه الأكسدة تُعرف باسم مجموعة الأنواع المتفاعلة مع الأوكسجين أو الـ ROS. وفي هذا المجال يؤكّد الدكتور سيغفرد حكيمي من قسم البيولوجيا في جامعة ماك جيل أن جميع الأدلة التي تتّهم الأكسدة بالتسبّب بالشيخوخة ظرفية. أي إن الأكسدة قد تكون نتيجة الشيخوخة والهرم وليست المسببة لهما. تؤكّد الدكتورة كاترين لويز عميدة فرع البيولوجية التطويرية «صحيح أن الأجسام التي تظهر عليها علامات الشيخوخة بسبب المرض أو التقدّم في السنّ أو أي سبب آخر تتميّز بارتفاع نسبة عمليات الأكسدة في داخلها» وتضيف «أدّى هذا الأمر إلى قيام تلك النظرية بسبب المزج بين مفهوم الظاهرة المرافقة لأمر ما والعامل المسبّب لهذا الأمر»، وبكلمات أخرى نستطيع أن نقول إن عمليات الأكسدة قد تزداد في حالات المرض والتقدّم في السنّ وغيرها من عوامل الشيخوخة، لكن هذا لا يحسم أمر أنها المسبّب لهذه الشيخوخة بل الاحتمال المعادل للأول هو أن تكون الأكسدة نتيجة هذه الشيخوخة. لقد أجرى كل من الدكتور حكيمي والدكتور جريمي فان رامسدونك تجارب مخبرية على مجموعة من الديدان التي جرى تعطيل خمس جينات لديها، مسؤولة عن تعطيل أكسدة واحدة من جزئيات الـ ROS الأساسية. كانت الأبحاث السابقة قد أكّدت أن إجراءً من هذا النوع يؤدي إلى تقصير حياة الديدان، لكن تجارب حكيمي وزميله أظهرت أن الديدان المخبرية لم تُظهر أية عوارض مختلفة عن العوارض التي لدى الديدان العادية من الصنف نفسه. بل إن ما ظهر في بعض مراحل التجربة يُثبت العكس تماماً. لقد أظهرت مجموعة من هذه الديدان ميلاً إلى التمتّع بأداء يشير إلى احتمال امتداد حياتها إلى فترة أطول من فترة حياة الديدان التي لم تخضع إلى التعديل الجيني المذكور آنفاً، بالرغم من أن عمليات الأكسدة داخل أجسامها قد ارتفعت بشكلٍ ملحوظ. إن ميدان التغيّرات التي تؤدي إلى إطالة عمر الجسم هو الميتوكوندريا داخل خلايا الحيوان. وهذا ينسجم مع الملاحظات التي شوهدت سابقاً والتي أكدت أن الميتوكوندريا تلعب دوراً أساسياً في عملية شيخوخة الخلايا. يقول الدكتور حكيمي إنه يبدو أن خفض نشاط الميتوكوندريا عبر استخدام الـ ROS قد أطال من عمر الدودة المخبرية. إن هذه التجارب لم تثبت، ولا تهدف إلى القول، إن عمليات الأكسدة مفيدة للصحّة أو لوظائف الجسم المختلفة، لكنها تؤكد إلى درجة كبيرة أنه، رغم الأذى الذي تلحقه جزئيات الـ ROS بالجسم، إلا أنها ليست المسؤولة كما يبدو عن عملية الشيخوخة وما يرافقها من تغيّرات في شكل ووظائف الخلايا والأنسجة المختلفة. من هنا يأتي السؤال المنطقي التالي: إذا كانت الأكسدة غير مسؤولة عن الشيخوخة، فما هو إذاً الدور الحقيقي لجميع المواد التجميلية والعلاجية التي نستخدمها والمكمّلات الغذائية التي نتناولها والتي هي مركّبة من مواد مضادة للأكسدة؟ لقد بات الاحتمال الأكبر أنها لن تساعدنا في محاربة الشيخوخة، لكن هل من الممكن أن تكون لها فوائد أخرى أو ربّما مضار مجهولة؟ إن النظريات والأبحاث المختلفة في هذا المجال قد تتناقض في إجاباتها في السنوات المقبلة، وذلك لأسباب عدّة ليس آخرها المصالح المالية الكبرى لشركات إنتاج وتوزيع هذه المواد، لكن يبقى الأسلم الحرص والحذر والاعتدال في استخدام هذه المنتجات على أنواعها حتى تتضح الصورة أكثر.
غادة دندش
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد