ما هي آفاق سباق التسلح الفضائي بين أمريكا والصين وروسيا

الجمل:    بعد إعلان الصين لتجربة إطلاق الصاروخ المضاد للأقمار الصناعية،  فإن كل التقارير التي أعدتها مراكز الدراسات والتحليلات العسكرية والدفاعية، أحدثت إرباكاً كبيراً في الحسابات الاستراتيجية التي تم إعدادها بواسطة البنتاغون (وزارة الدفاع الأمريكية) ووكالة الأمن القومي الأمريكي.
يقول كل طرف في البنتاغون ووكالة الأمن القومي شيئاً مختلفاً حول التجربة الصينية، وكان من أبرز الأقوال تأكيد خبراء الدفاع الأمريكيين أن هذه التجربة تمثل مؤشراً ودليلاً وبرهاناً عملياً على أن نهضة الصين الصناعية والتكنولوجية لن تكون نهضة سليمة.
في كانون الثاني 2006م أشرعت الصين خطة قيدها الزمني المحدد هو 15 عاماً، وتهدف لا إلى تطوير التكنولوجيا فحسب، وإنما إلى تطوير العلوم الأساسية، بالتركيز حصراً على المجالات العلمية الآتية:
- الرياضيات.
- الفيزياء.
- الكيمياء.
- البيولوجيا.
وتهدف هذه الخطة إلى جعل القدرات العلمية الصينية تتفوق على كل القدرات العلمية الموجودة حالياً في بلدان العالم الأخرى، بحيث تصبح الصين القوة العلمية الأولى في العالم.
كذلك أصدرت الصين ما يُعرف بـ(الكتاب الأبيض) والذي يتضمن خطة الصين الهادفة إلى السيطرة على الفضاء الخارجي، عن طريق تعميم استخدامات الأشعة الليزرية (الذكية)، بحيث لا تحتاج الصين إلى مهاجمة الأقمار الصناعية عن طريق الصواريخ، وإنما عن طريق أشعة الليزر الموجهة بشكل ذكي يجعلها تصيب أهدافها بدقة عالية.
يقول بعض خبراء البنتاغون بأن ما تقوم به الصين حالياً يتوجب ألا يدهش الأمريكيين كثيراً، وذلك لأنهم سبق وأن قدموا تقريراً للكونغرس الأمريكي في عام 2005م، أشاروا فيه إلى أن الصين تسعى لكي تصبح زعيمة العالم في التطور التقني والعلمي لعلوم الفضاء النظرية والتطبيقية.
السرية المطلقة وعدم الشفافية التي تكتنف البرامج العلمية والفضائية الصينية أصبحت تشكل واحدة من علامات الخطر في إدراك الأمريكيين. ويرى بعض المحللين الأمريكيين أن سباق التسلح الفضائي بين أمريكا والصين وروسيا هو سباق قام لا محالة، وسوف تكون مشكلة أمريكا الكبرى متمثلة في عدة جوانب أبرزها:
توفير التمويل اللازم لتغطية نفقات سباق التسلح الفضائي، وهو أمر سوف يبدو صعباً إن لم يكن مستحيلاً بسبب:
- النفقات الهائلة المترتبة على حرب العراق وأفغانستان، وأنشطة الحرب ضد الإرهاب.
- العجز المتزايد في ميزانية وزارة الخزانة الأمريكية والذي أصبح عجزاً يصعب تغطيته بالوسائل الاقتصادية العادية في فترة وجيزة، بل ربما يحتاج لسنوات طويلة.
- انخفاض قيمة الدولار الأمريكي، على النحو الذي أدى لانخفاض مستمر في القدرة الشرائية الأمريكية.
- التضخم المتزايد وارتفاع معدلات البطالة.
- الأموال الهائلة التي تقوم أمريكا بإنفاقها حالياً على حلفائها بواسطة منظمات ووكالات المعونة الأمريكية، وهي معونات ومساعدات لو تم إيقافها، فإن أمريكا سوف تخسر كل حلفائها في العالم.
- انخفاض قدرة المؤسسات التعليمية والكليات الجامعية في إعداد المختصين في مجالات العلوم السياسية مثل الرياضيات والفيزياء والكيمياء والبيولوجيا، وذلك لأن الاتجاه العام في التعليم الجامعي بأمريكا أصبح يركز على مجالات القانون، والاقتصاد، والتجارة والعلوم الاجتماعية والسياسية، وهي علوم لا تقدم مختصين في الشؤون الفضائية والفلكية.
- التبعية العلمية التي تعاني منها الجامعات ومراكز البحوث الأمريكية، فحوالي 70% من أساتذة الرياضيات والفيزياء في الجامعات الأمريكية هم من الروس.
- التبعية التكنولوجية التي تعاني منها الصناعة الأمريكية بحيث تعتمد  أمريكا بشكل كامل على أجهزة الكمبيوتر والأجهزة الالكترونية التي يتم تصنيعها في اليابان، وكوريا، وأيضاً الصين.
يقوم الصينيون حالياً ب تطبيق برنامج يرسل بشكل منتظم كل عام حوالي 10 أقمار صناعية عالية الجودة والكفاءة إلى الفضاء الخارجي. وقد بدأ هذا البرنامج في عام 2000 ويتوقع الصينيون أن يكون لهم 100 قمر صناعي عالي الجودة في عام 2010م، وبانتهاء البرنامج في عام 2020م سوف يكون معلقاً على مدارات الفضاء الخارجي 200 قمراً صناعياً صينياً، ويُقال بأن بعض الأقمار الصناعية التي أطلقها الصينيون يتميز بقدرة فائقة الدقة على التقاط الذبذبات الكهربائية والإشارات الكهرومغناطيسية التي تحملها الكوابل النحاسية التي سبق أن قامت أمريكا بتمديدها في أعماق البحار والمحيطات.
وعموماً يمكن القول: إن تجربة الصين الصاروخية قد أبرزت وأظهرت الخطر الصيني القادم في مواجهة أمريكا، وهو خطر سوف ينتج بتأثير برامج التطوير العلمي والتكنولوجي الصينية.. وما يتخوف منه الأمريكيون أكثر هو تنامي (النزعة القومية) اليابانية، في أوساط الشعب الياباني الذي أصبحت كراهيته لأمريكا تتزايد يوماً بعد يوم وذلك لأن الذاكرة الاجتماعية اليابانية ماتزال تحفز للأمريكيين ضرب هيروشيما وناغازاكي بالقنبلة النووية، وفرضهم على الامبراطور الياباني توقيع اتفاقية الاستسلام المذلة.
ومصدر الخطر الإضافي يتمثل في أن تنامي النزعة القومية اليابانية قد يؤدي إلى تقارب القوى السياسية اليابانية مع الصين، وبالتالي لا تفقد أمريكا القوة اليابانية الاقتصادية والتكنولوجية التي ظلت تعتمد عليها فحسب، بل ان هذه القوة اليابانية سوف تتحول لدعم ومساندة الصين ضد أمريكا.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة