ما هي خيارات النظام الأردني فيما بعد حرب غزة
الجمل: برغم توقف العدوان وخروج القوات الإسرائيلية من قطاع غزة فإن وضع النظام الملكي الأردني قد أصبح على مفترق طرق وتحديداً إزاء الخيارات السياسية والصعبة المتاحة أمامه. هذا، وتقول التسريبات القادمة من العاصمة الأردنية عمان بأن دوائر صنع القرار السياسي الأردني تواجه حالياُ إشكالية المفاضلة بين البدائل ومدى قدرة كل واحد منها على إطالة عمر النظام الملكي الأردني.
* ماذا تقول التسريبات الإسرائيلية:
يقول الإسرائيليون أن قيام الأردنيين بمقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية وبوقف التطبيع مع إسرائيل وقطع العلاقات مع تل أبيب إضافة إلى المطالبة بإلغاء اتفاقية سلام وادي عربة لا تمثل جميعها شيئاً جديداً بالنسبة للإسرائيليين ولكن ما يثير القلق الإسرائيلي أكثر فأكثر هو قيام بعض النواب الأردنيين بحرق العلم الإسرائيلي داخل البرلمان الأردني إضافة إلى المواجهة العنيفة بين قوات الأمن الأردنية والمتظاهرين في منطقة الرابية والتي سينظر إليها الإسرائيليون باعتبارها تطوراً جديداً يجمل بين ثناياه الكثير من المخاطر طالما أن من الممكن أن يتطور الأمر في المستقبل إلى مواجهة أكثر عنفاً بين الجماهير الأردنية وقوات النظام الأردني.
تنظر بعض الأطراف الإسرائيلية إلى أن قيام الأردن بسحب سفيره من تل أبيب وعدم السماح له بالرجوع إلى مقر عمله حتى الآن، قد أدى إلى تجميد العلاقات الأردنية – الإسرائيلية وتتساءل هذه الأطراف الإسرائيلية حول مدى اعتبار ذلك مؤشراً يفيد لجهة أن عمان قد بدأت أولى خطوات مسيرة التخلي عن روابطها الوثيقة مع إسرائيل بما يمكن أن يترتب عليه ارتداد أردني كامل عن العلاقات مع إسرائيل.
* مثلث عمان – رام الله – غزة: إلى أين؟
المعلومات المتاحة حتى الآن بواسطة الإسرائيليين واللوبي الإسرائيلي حول ما يدور حالياً وراء كواليس علاقات أطراف هذا المثلث تشير إلى الوقائع الآتية:
• أصدر العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني قراراً بإقالة رئيس المحكمة الملكية الهاشمية العليا القاضي بسام عوض الله، وتقول التسريبات الإسرائيلية بأن المعلومات الاستخبارية التي حصل عليها الإسرائيليون من عمان تقول بأن الملك عبد الله قد شك في وجود مؤامرة تم حبكها بين القاضي ووزير المفاوضات الفلسطيني صائب عريقات وهدفت إلى تمهيد المسرح للخيار الأردني في توطين الفلسطينيين بما يؤدي إلى استيعاب الفلسطينيين المطالبين بحق العودة! إضافة لذلك، تقول المصادر الإسرائيلية بأن أحد المصادر الوثيقة الصلة بالمحكمة العليا في الأردن أطلع الإسرائيليين على وثيقة تم إعدادها حول الموضوع.
• نظرت السلطة الفلسطينية في رام الله إلى قرار الملك عبد الله بإقالة القاضي بسام عوض الله بأنه يمثل رسالة واضحة ينقل مضمونها الإشارات التي يتوجب على رام الله التقاطها وهي تقول بكل وضوح بأن على الرئيس الفلسطيني أبو مازن وعناصر حكومته أن يفهموا جيداً بأنه برغم قيام رام الله بإبعاد الأردن عن القيام بأي شيء في المفاوضات الجارية بإشراف واشنطن بين تل أبيب ورام الله، فإن عمان تفهم جيداً كيفية القيام بدور في اللعبة الفلسطينية الداخلية الجارية حالياً.
• بالنسبة لحركة حماس، فقد بدأت بإجراء المزيد من التفاهمات معها خلال الأشهر الثلاثة الماضية التي أعقبت قيام الملك بإقالة القاضي عوض الله وتقول التسريبات بأن العلاقات على خط القصر الملكي الأردني وقيادة حماس هدفت عمان من ورائها أولاً إلى استخدام حماس كنافذة تتيح لها الدخول إلى الساحة الفلسطينية وثانياً لمعاقبة فتح بسبب تآمرها مع الإسرائيليين والأمريكيين ضد الأردن.
آخر التسريبات القادمة من عمان عبر المصادر الإسرائيلية تقول بأن العاهل الأردني لعبت برأسه الشكوك مرة أخرى بحيث قام هذه المرة بإقالة محمد الدهبي من رئاسة المخابرات العامة وعين بدلاً عنه اللواء محمد الرقاد.
تقول المعلومات القادمة مع عمان أن رئيس المخابرات الأردنية المقال هو شقيق رئيس الوزراء نادر الدهبي وما يزيد الأمر حرجاً هو توقيت الإقالة. وتكهنت المصادر الإسرائيلية بأن المعلومات التي حصل عليها الإسرائيليون من عمان تفيد لجهة أن التفاهم على خط حماس – الأردن قد وافق عليه سمو العاهل الأردني بناء على تخمينات وتوصيات محمد الدهبي التي قدمها للقصر خلال فترة توليه المخابرات العامة.
إن التفسيرات المتعلقة بملف مدير المخابرات الأردنية السابق محمد الدهبي يشير إلى الآتي:
• لعب الدهبي دوراً كبيراً في حث القصر على ضرورة إعادة دفء العلاقة مع حماس.
• عدم الاعتماد على الرئيس محمود عباس بشكل كامل في الساحة الفلسطينية.
وتشير المعلومات أن ما قام به الدهبي كانت تقف وارءه عدة عوامل:
• عدم ثقة الدهبي لا في محمود عباس ولا في حركة فتح.
• شكوك الدهبي المتزايدة في احتمالات قيام اتفاقية سلام تكون على حساب المصالح الأردنية.
• اقتناع الدهبي بأن حماس هي الوسيلة الوحيدة لردع عباس وأمريكا وإسرائيل من التمادي في تطبيق مشروع الخيار الأردني.
إضافة لذلك، تشير معلومات اللوبي الإسرائيلي أن تخمين المخابرات الأردنية إزاء تقديرات الموقف المتعلق بمستقبل محمود عباس وما يمكن أن يتفرع وينشأ عنه من تداعيات يشير إلى الآتي:
• إن عام 2009م سيشهد انهيار السلطة الفلسطينية في رام الله.
• إن محمود عباس لن يستطيع السيطرة على قيادة السلطة الفلسطينية عام 2009م.
• سيكون مصير عباس في 2009م إما خسارة الانتخابات إذا تم عقدها أو التمادي في محاولة البقاء في السلطة بما يؤدي إلى القضاء على مصداقية السلطة الفلسطينية.
• إذا رفض محمود عباس الانتخابات أو حاول تزويرها فإن انهيار السلطة سيكون هو المصير الأكثر احتمالاً.
• انهيار السلطة سيترتب عليه فراغ في القوة داخل الأراضي الفلسطينية – الضفة الغربية.
• نشوء فراغ القوة سيفسح المجال لاندلاع سيناريو صراع حماس – فتح.
وعلى خلفية تداعيات فراغ القوة فإن الساحتين الأردنية والإسرائيلية ستتأثران بقدر كبير بما سيحدث ويمكن الإشارة إلى ذلك على النحو الآتي:
• على الجانب الإسرائيلي: من المحتمل أن يختلف الإسرائيليون ضمن ثلاثة توجهات:
- أن تدعم تل أبيب حركة فتح وسيتبنى هذا الخيار الإسرائيليون الداعمون لمسار عملية السلام.
- أن تدعم تل أبيب هزيمة حركة فتح وسيتبنى هذا الخيار الإسرائيليون الداعمون لتخلي إسرائيل عن التزامات اتفاقية أوسلو.
- أن تدعم تل أبيب خيار استمرار الصراع بين حركة فتح وحركة حماس بما يؤدي إلى إرهاق قدرات المقاومة الفلسطينية ويفاقم الخلافات الفلسطينية – الفلسطينية.
• على الجانب الأردني: سيكون من الصعب جداً على الأردن الوقوف موقف الحياد إزاء الصراع الفلسطيني – الفلسطيني في الضفة، كما سيكون من الصعب جداً التدخل، وسيجد النظام الأردني نفسه مواجهاً بضغوطات مزدوجة:
- الرأي العام الأردني لدعم حماس.
- الولايات المتحدة وإسرائيل لدعم فتح.
بكلمات أخرى، فإن خيار دعم حماس سيتيح للأردن تفادي السخط الشعبي ولكنه سيغضب الحلفاء الأمريكيين والإسرائيليين، فإن خيار دعم فتح سيتيح للأردن الحصول على المساعدات من الحلفاء الأمريكيين والإسرائيليين ولكنه سيؤدي إلى السخط الشعبي. وبالتالي فمن الممكن أن يحاول النظام الأردني التدخل لحسم صراع فتح – حماس المتوقع في الضفة الغربية عن طريق اللجوء إلى الخيارات الآتية:
• السعي لعقد صفقة مصالحة بين فتح وحماس تقوم بموجبها عمان بتقديم التنازلات لحماس وتقدم فتح التنازلات لحماس، ولكن تحقيق هذه الصفقة يتطلب ترتيب أوراق الأردن مع واشنطن وتل أبيب ومساعدة القاهرة والرياض.
• السعي لاستخدام القوة العسكرية الأردنية لردع الطرفين تحت مبررات التدخل لحماية السكان المدنيين في الضفة الغربية من خطر النزاعات الداخلية ويتطلب هذا الخيار ترتيب الأوراق مع واشنطن وتل أبيب التي قد تحاول إجبار عمان على استخدام القوة العسكرية وإطالة أمد الوجود الأردني في الضفة بما يتيح لإسرائيل تأمين نفسها من خطر المقاومة الفلسطينية من الضفة.
حتى الآن ما تزال ردود الأفعال والتفسيرات إزاء قيام الملك عبد الله بإقالة الدهبي من رئاسة المخابرات وتعيين اللواء الرقاد بدلاً عنه غير واضحة، ولكن تقول بعض التسريبات بأن السبب الرئيسي يتعلق برغبة الملك الأردني في الآتي:
• إبعاد جهاز المخابرات الأردنية من القيام بأي دور سياسي لأن مذهبية الدهبي كانت تركز على استخدام الوسائل السياسية باعتبارها ذات الأولوية والفعالية في تحيق الأمن الوقائي.
• حصر عمل جهاز المخابرات الأردنية بالأدوار الأمنية الروتينية التقليدية التي تركز على جمع المعلومات وعمليات الرصد.
يرى بعض الخبراء أن اللواء الرقاد سيركز على تشديد القبضة الأمنية على الوضع الداخلي بما يعزز قدرة القصر الملكي في تأمين بقائه إذا اندلع صراع حماس – فتح في الضفة الغربية واضطرت عمان إلى الرضوخ أمام ضغوط واشنطن – تل أبيب – القاهرة، وقررت القيام بدعم حركة فتح، وبالتالي فإن مهمة اللواء الرقاد الحالية سوف تتمثل في إعطاء الأولوية القصوى لتطبيق إجراءات الأمن الوقائي الداخلي بصرامة شديدة ضد المعارضة الأردنية التي يسيطر عليها زعماء الحركات الإسلامية الأردنية وعلى وجه الخصوص الإسلاميون الداعمون لحركة حماس، وأولئك المعارضون لاتفاقية سلام وادي عربة، هذا وتشير التوقعات إلى أن اللواء الرقاد سيسعى بشكل مبكر إلى الضغط على القوى السياسية الأردنية بما سيؤدي بالضرورة إلى المزيد من الاعتقالات والحملات الوقائية وتضييق هامش الحريات السياسية إلى حدوده الدنيا!!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد