مبادرة أوروبية للدخول من «ممر إسعافي» إلى حلب

04-10-2016

مبادرة أوروبية للدخول من «ممر إسعافي» إلى حلب

بالكاد بدأت وسائل الإعلام تتداول خبر المبادرة الاوروبية الاغاثية لحلب، مساء الأحد، حتى اشتغل الخطّ الحار بين بروكسل وطهران. كانت إشارة لافتة على مستوى تطور العلاقات، ما جعل العاصمة الايرانية القناة الافتتاحية لمباركة الخطة الجديدة، مع قصرها «في هذه المرحلة» على عملية «خالية من السياسة» تشمل ايصال المساعدات الانسانية وعمليات الاخلاء الطبي. هذه المبادرة، مع استطالتها باتجاه آفاق الجمود القائم بين واشنطن وموسكو، سوف تكون محط نقاش متزايد، خصوصا مع وصول وزير الخارجية الاميركي جون كيري إلى بروكسل اليوم.عناصر من الجيش السوري داخل مزارع جنوب غرب مخيم حندرات في حلب أمس الأول (أ ب أ)
المبادرة تهدف إلى تأمين مظلة سياسية، أمنية، لإنشاء ما يشبه ممراً إسعافياً. العملية الاغاثية هذه تشمل جانبين: أولاً تحريك قوافل مساعدات تحمل المواد الأساسية لحوالي 130 ألف انسان من المحاصرين في حلب، وسط حديث متزايد من الامم المتحدة عن نضوبها، وثانياً حراك بالاتجاه المعاكس لإجلاء مئات من المصابين إلى مناطق أخرى، مع فتح المجال لنقل ذوي الأوضاع الحرجة إلى مشافٍ في دول أوروبية.
وسألنا المفوضية الأوروبية حول الاستجابة التي لاقوها بعد إطلاق مبادرتهم. ردت المتحدثة باسم الخارجية الاوروبية نبيلة مصرللي ان رئيستها فيديريكا موغيريني في خضم «استشارات مكثفة»، موضحة أن التنسيق شمل محادثات مكثفة مع الممثل الأممي ستيفان دي ميستورا، لتتصل وزيرة الخارجية الاوروبية بعيد إطلاق المبادرة بنظيرها الايراني محمد جواد ظريف، إضافة إلى وجود اتصال مُجَدولٍ مع الوزير الروسي سيرغي لافروف.
مصادر أوروبية مطلعة على تلك المباحثات أكدت أن محادثات ظريف وموغيريني كانت «مثمرة»، مشددة على أن الوزير الايراني كان «متجاوباً» مع المبادرة الاوروبية. إطلاق خطة «الكوريدور الإسعافي» جاء بالطبع بعد مشاورات مكثفة بين وزراء الخارجية الاوروبيين. أما عن أسباب التفاؤل بإمكانية نجاحها، فلفتت المصادر إلى أن «الجميع يحتاجون هذه المبادرة، بما في ذلك الولايات المتحدة».
ثمة انطباع أثاره المسؤولون الاوروبيون بأنهم اجترحوا صيغة تحل مشكلة لكل من موسكو وواشنطن. الروس يحتاجون إلى إدخال مساعدات انسانية، كبادرة تخفف من وقع الحملة الاعلامية المكثفة ضد دمشق وحلفائها، أما الأميركيون فيحتاجون إلى أن يخرج حراك ما لملأ فراغ الجمود المُلامين عليه من قبل حلفائهم، لكن الطرفين، وفق شروحات أوروبية، مثقلان بشروط صفقتهما التي يجب أن تتحقق سلفاً حتى حينما يتعلق الأمر بتمرير مساعدات اغاثية.
لم يشترط الاوروبيون وَقفاً لإطلاق النار، ولا كرروا صيغة وقف الاعمال العدائية، بل طالبوا «جميع الاطراف» بما سموه «الحد الأدنى من شروط السلامة لحماية عمال الاغاثة» بما يُمكن من إنجاز عملية «الكوريدور الإسعافي». الأمر متروك لمنظمات الاغاثة، تحديدا وكالات الامم المتحدة بالتشارك مع الهلال الأحمر السوري، كي تحدد الوقت الكافي فقط لإنجاز تلك المهمة الانسانية، من دون الحديث عن هدنة موقوتة كالتي طرحها الروس سابقا.
يتحدث المسؤولون الاوروبيون بانفتاح لافت، طبعاً يطلبون عدم ذكر أسمائهم، حينما يعللون سبب تعثر عمليات الاغاثة سابقاً. يقول أحدهم إن موسكو وواشنطن ربطتا علميات الاغاثة الانسانية «بتحقيق أهداف أكثر طموحاً»، تتعلق بعناصر صفقة سياسية شاملة ليست العملية الاغاثية سوى مجرد أداة فيها. ما يعتقد الاوروبيون أنه عنصر لمصلحة تحركهم هو التخلص من تلك الشروط الكبيرة «فحتى تتحقق تلك الأهداف الطموحة يجب ألا يموت الناس من نقص الحاجات الأساسية».
تلقت الحكومة السورية من الخارجية الاوروبية طلباً رسمياً للسماح بمرور القافلة الاغاثية، وتأمينها تالياً خلال مرورها من أحياء حلب الغربية باتجاه الأحياء الشرقية، كما تضع بروكسل لمسات أخيرة على طلب آخر يتعلق بعمليات الاجلاء الطبي. شاحنات القافلة باتت شبه مكتملة، تنتظر إشارة التحرك، والمسؤولون الاوروبيون يتحدثون أيضاً عن «إشارات مشجعة» جاءت من طرف المعارضة السياسية المتصلة مع الجماعات المسلحة داخل حلب الشرقية.
إذا كانت إمكانية انشاء «كوريدورات» إغاثية واردة، بعد تخليصها من السياسة، لماذا لم يبادر إليها الاوروبيون قبل الآن؟ لا أجوبة شافية. التوقيت ليس بلا معنى طبعاً، ومع إطلاق هكذا مبادرة، يثبّت الاتحاد الأوروبي موقعه الجديد بوصفه لاعبا أساسيا «في الوسط»، خصوصا أن موغيريني باتت تتحدث الآن عن إيجابية وجود «تواصل مع جميع الأطراف». أحد المسؤولين الأوروبيين شدد على أن هذه المبادرة «خالية من السياسة»، قبل أن يستدرك أنها كذلك «في هذه المرحلة».
هنا تحضر المرافعة الأوروبية، المعلنة خلال الشهر الماضي، عن ضرورة الجلوس على مقعد «مؤثر» حول طاولة الحل السياسي في سوريا. مسؤول أوروبي معني بذلك قال إن القصد هو «حينما سيجري تقرير مستقبل سوريا»، في إشارة إلى العملية التالية للصفقة الأميركية ـ الروسية بجوانبها العسكرية. شرح المصدر أن أوروبا هي من ستقود عملية إعادة اعمار سوريا، كما أنها تستقبل اللاجئين السوريين، إضافة لكونها أكبر المانحين، كل هذا ليقول إن بروكسل لن تقبل بغير مقعد أساسي خلال صياغة التسوية السورية.
على كل حال، الاستعصاء الأميركي ـ الروسي، الظاهر على الأقل، سيحضر مع وزير الخارجية جون كيري إلى بروكسل. اليوم سيكون ضيف ندوة نقاش عام تنظمه مؤسسة بحثية أميركية. كما سيلتقي نظراءه الاوروبيين، الذين سيبدأ بعضهم التوافد غدا إلى بروكسل، للمشاركة في المؤتمر الدولي حول أفغانستان الذي سيعقد الأربعاء.
حتى ذلك الحين، لا شيء يضمن نجاح المحاولة الاوروبية الجديدة، حتى من باب إبعاد السياسة عن «الممر الإسعافي». سيكون هناك نحو 700 جريح موزعين في ستة مراكز طبية لا تزال تعمل، بعضهم في حالة حرجة، ينتظرون «الإجلاء الطوعي»، مع استعداد أوروبي لنقل الحالات الصعبة للعلاج في دول أوروبية. الأمم المتحدة بدورها تخطط لنقل دعم بشري يساند الكادر الطبي الباقي في حلب، مع تأكيدات بعدم وجود أكثر من 35 طبيبا «يعملون ليل نهار تحت القصف المتواصل».

وسيم إبراهيم

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...